لقاء الرّب يسوع مع نيقوديموس (ج3) - ضرورة الولادة من فوق

هل نحن ندرك المعنى الحقيقي لعبارة "الولادة من فوق"؟ نيقوديموس لم يفهم كلمات الرب يسوع، حث دل جوابه على انه يفكر بالجسد والارضيات
15 نوفمبر 2017 - 01:05 بتوقيت القدس

لقاء الرب يسوع مع نيقوديموس

في العودة إلى إجابة الرّب يسوع، نلاحظ الأهمية الكبرى التي أعلنها الرّب يسوع لضرورة الولادة من فوق، فهو يقول: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللَّهِ"، أي أن الولادة من فوق هي الشرط الأساسي والرئيسي والجوهري لرؤية ملكوت الله، وهنا تبرز أمامنا مجموعة من الأسئلة المهمة جدًا:

  1. لماذا يجب على الإنسان أن يولد من فوق؟
  2. ثم ماذا تعني عبارة الولادة من فوق؟
  3. وكيف تتم الولادة  فوق؟
  4. وما هي نتيجة الولادة من فوق؟
  5. وكيف نختبر حقيقة الولادة من فوق؟

سؤال نيقوديموس الأوّل: لا بد أن بعضنا، أو ربما الكثيرون منا، سمعوا هذه العبارة "الولادة من فوق"، ولكننا لم ندرك معناها الحقيقي، تمامًا مثل نيقوديموس الذي لم يفهم كلمات الرّب يسوع، حيث دلَّ جوابه على أنه كان يفكر بالجسد وبالأرضيات، أي في الأمور المادية، ولم يدرك تمامًا ما كان يتحدث عنه المسيح. فقد سأل نيقوديموس الرّب يسوع قائلًا: "كَيْفَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ؟ أَلَعَلَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ ثَانِيَةً وَيُولَدَ؟" (يوحنا 4:3).

نلاحظ في إجابة نيقوديموس الأمور التالية:

1. لقد سأل نيقوديموس "كَيْفَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ"، مع أن الرّب يسوع تحدث عن الإنسان بشكلٍ عام، وليس عن كبار السن أو الشّيوخ.

2. كذلك سأل نيقوديموس "كَيْفَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ" دون ذكر كلمتي "من فوق". فالرّب يسوع المسيح تحدث عن ولادة محددة، وهي الولادة من فوق، وليس ولادة من جديد بشكلٍ عام. أي أنّه حدد مصدر الولادة بأنها من فوق، أي أنها سماوية من عند الله. ولكن نيقوديموس ظن أن الرّب يسوع يريد للإنسان العودة إلى بطن أمه ثانية، ثم الولادة منها من جديد، أي ولادة جسدية ثانية، وهو ما لم يتحدث عنه الرّب يسوع.

3. دل سؤال نيقوديموس على أن معرفته العقلية، وتقدمه في العمر، والمركز الديني الكبير الذي يحتله، لم تكن كافية لمعرفة الرسالة أو الحقيقة الروحية المجيدة التي أعلنها الرّب يسوع.

إن ما قاله الرّب يسوع، وسؤال نيقوديموس، يتطلب منا أن نجيب على الأسئلة التي طرحناها سابقًا:

لماذا يجب على الإنسان أن يولد من فوق، أي أن يولد ثانية من الله؟

عندما يفكر أي واحد منا بحالته الروحية والأخلاقية، سيكتشف حتمًا بأنه يوجد في جوهره وكيانه شيء خاطئ متجذر في أعماقه الداخلية. فمنذ طفولتنا مرورًا بمرحلة الصبا والشباب المبكر حتى مرحلة النضوج، يعرف كل واحد منا أن لديه رغبة وميلًا قويًا لممارسة الخطيّة. أي أنه توجد في كل واحد منا قوة هائلة تدفعنا إلى ممارسة الشر بأشكاله المختلفة، ومع أننا لا نرى هذه القوة، إلا أننا متأكّدون من وجودها.

يقر جميع الناس بوجود الجاذبية الأرضية، مع أنهم لا يرونها، بل يرون نتائجها في الواقع، فإن رمينا شيئًا إلى الأعلى بكل قوتنا، فإنه سريعًا ما يعود إلى الأسفل، لأن قوة الجاذبية تشده وتمنعه من الاستمرار في الصعود. وبنفس المعنى، توجد قوة في داخل كل واحد منا تولد لدينا الميل والرغبة في عمل الخطيّة، وهكذا فما أسهل على الإنسان أن يعمل الخطأ، وما أصعب عليه أن يعمل الصواب.

نحتاج إلى تعليم وتدريب وجهد كبير لعمل الصواب. فبينما نجد عمل الباطل لا يحتاج إلى أي جهد يذكر، نجد أنّ عمل الحق والصواب يتطلب جهدًا وإرادة صلبة لمقاومة هذه القوة الهائلة في داخلنا والتي تدفعنا إلى ارتكاب الخطيّة والشر. أي أن المشكلة تكمن في داخل الإنسان. فالتعليم والتربية والتدريب لن تغير الإنسان من الداخل، وكل محاولات الإصلاح ستفشل ما لم يتغير الإنسان في جوهره الداخلي. أي لا بد من قوة تدخل إلى أعماقنا، وتهزم الشر الكامن فينا، وتشفينا من الداخل. أي أن مشكلة الإنسان هي في داخله، وهذا الداخل بحاجة لعلاج وتغيير.

كذلك لو حاول أي إنسان منا أن يغير نفسه بقوته الذاتية، فإنه سيفشل بالتأكيد. فالدراسة والكتب والمبادئ السامية والتربية الصالحة والانضباط الصارم لن تغير الإنسان، وهذا يبرهن بشكلٍ قاطع إلى حاجة الإنسان إلى قوة علوية قادرة أن تحدث تغييرًا حقيقيًا وجوهريًا في الإنسان. والشيء المؤسف هنا هو أن ما في داخل الإنسان هو الذي يرفض أي تغيير في الإنسان، مع أنه هو ما يحتاج إلى تغيير. إن قوة الشر فينا يجب أن تتغير، وهي في نفس الوقت ما يقاوم هذا التغيير.

لنأخذ على سبيل المثال شخصًا طماعًا ومحبًا للمال. إنه يأخذ كل ما يقدر على حصوله من المال، ويحافظ على أكبر كمية من هذا المال، ومع ذلك لا يكتفي بما لديه، بل يحاول أن يحصل على المزيد والمزيد من المال، ولو بالطرق الملتوية والشريرة. إن مثل هذا الإنسان لن يتخلص من طمعه ومحبته للمال إن لم يتم القضاء على القوة الداخلية فيه والّتي تدفعه إلى الطمع ومحبّة المال، وهذه القوة يجب أن تكون أقوى بكثير من قوة الشر المسيطرة على الإنسان الداخلي.

ما دام الإنسان يعيش لوحده، دون أن يحصل على لمسة من روح الله القدوس، فإنه حتمًا سيبقى عائشًا في مستنقع الخطيّة والرذيلة، وستكون حياته سلسلة من الفشل الروحي والسقوط الأخلاقي. إن القادر على تغيير الإنسان هو خالق الإنسان، فبدون عمل الله في حياة الناس، تبقى الخطيّة مسيطرة على الإنسان، ويبقى الإنسان عبدًا للشر، ومنقادًا لرغبات الشيطان الشريرة.

وعليه، فإن الجواب على سؤالنا: لماذا يجب على الإنسان أن يولد من فوق؟، هو ببساطة لكي يستطيع الإنسان أن يتحرر من قوة وسلطان إبليس في حياته. هذه القوة التي تتجسد في الميل والرغبة الداخلية في عمل الشر والخطيّة وعصيان الله. وبالتالي، بدون الولادة من فوق، يعيش الإنسان كل حياته عبدًا للخطية، والخطيّة تقوده إلى الشقاء والعذاب الأبدي والانفصال الدائم عن الله. لذلك يحتاج كل إنسان أن يولد من فوق وإلا فإنه لن يتحرّر من قوة الخطيّة، ولن ينال بالتالي نعمة الخلاص والحياة الأبديّة. يجب على الإنسان أن يولد من فوق، لكي يعيش بقية حياته لله، وإلا فإنه سيعيش في شقاء دائم بسبب عبوديته للخطية وسلطانها القاهر. وهنا يبرز أمامنا السؤال الجوهري الأوّل: 

جواب الرّب يسوع: تفسير معنى الولادة من فوق أو الولادة الثّانية؟ تشير كلمة "الولادة" إلى بداية حياة جديدة، أي أن إنسانًا قد جاء إلى الوجود. فولادة المرأة تعني أن طفلًا أو طفلة قد ظهر إلى الوجود. الولادة أيضًا هي اللحظة التي تبدأ فيها عادات وشخصية الإنسان في التشكل، وهي اللحظة التي يبدأ فيها الإنسان استخدام أعضاء الجسد المختلفة من أجل المحافظة على وجوده، وكذلك للتعبير عن هذا الوجود.

  • الولادة من فوق تعني ببساطة أن إنسانًا جديدًا قد بدأ رحلته في عالم الناس.
  • الولادة الجديدة أو الولادة من فوق تعني أيضًا بداية حياة جديدة، ولكنها حياة روحية تختلف عن الحياة التي كان يعيشها الإنسان في الجسد فقط.
  • الولادة الجديدة هي بداية لحياة من نوع آخر. حياة مصدرها الله الذي بروحه القدوس يخلق الإنسان من جديد.
  • الولادة من فوق تعني أنه أصبح لدينا حياة روحية مستمدة مباشرة من الله. أي أن الله الذي خلق الإنسان أولًا يعود وبلحظة مجيدة إلى إعادة تشكيله وخلقه ليصبح إنسانًا جديدًا.
  • الولادة الجديدة تعني أن يد الله الخالقة والتي أوجدت العالم وكل ما فيه تعود وتخلق الإنسان من جديد بحيث يتغير إلى ما يريده الله لذلك الإنسان أن يكون.
  • الولادة الجديدة تعني أن الإنسان سوف يختبر أفراحًا جديدة لم يعرف بوجودها أصلًا.
  • الولادة الجديدة تعني تغيير دوافع الإنسان الداخلية بشكلٍ جذري.
  • الولادة الجديدة تعني موت الإنسان القديم المستعبد لشهوات الجسد والخطيّة وبداية حياة الإنسان المحرر بقوة عمل الروح القدس في النفس البشرية.
  • الولادة الجديدة أو الولادة من فوق تشمل كل شيء في الحياة، وأسلوب حياة جديد على نمط أسلوب حياة الرّب يسوع المسيح.
  • الولادة الجديدة أو الولادة من فوق تشمل كل شيء في حياة الإنسان. إنها العودة إلى نقطة الصفر واتخاذ اتجاه جديد في الحياة بقيادة الروح القدس الساكن فينا.
  • الولادة الجديدة تعني أننا حصلنا على طبيعة جديدة نتيجة عمل الروح القدس فينا.

يترجم ظرف الزّمان اليوناني ἄνωθεν (أنوثين) في اللغة العربية بمعنى "من فوق" أو "ثانيةً"، فالولادة من فوق هي ولادة ثانية للإنسان، أي ولادة روحية جديدة لا تتم بقوة الإنسان الشخصية، بل بقوة الله الخلاقة. فمهما يحاول الإنسان أن يكون صالحًا وجيدًا فإنّه سيفشل بالتأكيد. ولكن في لحظة الولادة من فوق، يعطينا الله الإنتصار على الخطيّة الساكنة فينا، ودم يسوع المسيح يطهرنا، ونصبح أحرارًا لخدمة الرّب الذي ولدنا ثانية بنعمته. 

الولادة الجديدة هي عطية مجانية من السماء، والذي دفع ثمنها عنّا هو الرّب يسوع المسيح بدمه الطاهر على الصّليب. وفي اللحظة التي يولد فيها الإنسان من فوق، أي لحظة التجديد، يتم خلاص الإنسان من الخطيّة وعقابها، أي أننا حتى نحصل على الخلاص نحتاج إلى أن نولد من فوق، نحتاج لبداية جديدة.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا