احب في البداية ان اضع بعض التعريفات والتوضيحات ليكون كلامي مفهوماً للأغلبية، فدعونا نبدأ تدريجياً لنصل بعد ذلك الى الخلاصة أو النتيجة التي سنحاول ان نثبتها في هذا المقال، وهي انه يوجد عيشة تحت الناموس وعيشة تحت النعمة، عيشة تحت العبودية وعيشة في الحرية المسيحية (ناموس الحرية).
فناموس موسى، ناموس العهد القديم مرتبط بالعبودية. الشعب يتممون الوصايا تحت التهديد بأن الذي يعمل الوصايا يكون مباركاً في دخوله وفي خروجه وفي بيته... الخ. والذي لا يعملها يكون تحت اللعنة. ملعون من لا يثبت في جميع ما هو مكتوب في الناموس ليعمل به. كان جزء من الناموس يُقرأ على جبل جرزيم لكي يباركوا الشعب وجزء على جبل عيبال للعنة (تث 27: 12، 13). لكن "ناموس الحرية" يتممه بسرور السالكون ليس حسب الجسد بل حسب الروح، ولا يتممون ناموس موسى فقط بل أكثر منه لأن مستوى النعمة أعلى من مستوى الناموس.
الناموس لغوياً
الناموس في معجم اللغة العربية مصطلح يشير الى قانون أو مبدأ، فمثلا يقال ناموس الجاذبية الأرضية أو نواميس الطبيعة... الخ. جمع ناموس: نواميس – قانون أو شريعة – الذي سنتناوله هنا ناموس بمعنى: قانون إلهي.
الناموس في الكتاب المقدس
أنواع الناموس:
نجد في رسالة يعقوب ثلاثة أنواع:
1- ص 1: 25 ناموس الحرية – أي قانون الطبيعة الجديدة وهو الذي يقول عنه إرميا "أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها في أذهانهم" (إر 31: 33) انظر أيضاً عب 10: 6. فلا يوجد صراع مع النفس لأن الناموس مكتوب في القلب والذهن.
2- ص 2: 8 الناموس الملوكي – حسب الكتاب "تحب قريبك كنفسك"، أي القانون الذهبي "كما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا أنتم أيضاً بهم هكذا" (لو 6: 31) وهو خلاصة وروح الوصايا العشر.
3- ص 2: 10 ناموس الله أي ناموس الوصايا – "ومَنْ حفظ كل الناموس وإنما عثر في واحدة فقط صار مجرماً في الكل".
وفي رومية 7، 8 نجد أربعة نواميس:
1- في رو 7: 22 نقرأ "فإني أسَّر بناموس الله" لأن ناموس الله حسن وصالح. هذا شخص مولود ولادة ثانية ولكنه لم يعرف طريق الانتصار فهو مغلوب من طبيعته الفاسدة ولم يتعلم أن يتخلى عن ذاته ويعمل الروح القدس يُميت أعمال الجسد، وبالمسيح ينتصر. فيريد أن يعمل الصالح لكن يجد الشر حاضراً أمامه.
2- في رو 7: 23 نقرأ "ولكني أرى ناموساً آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي". "ناموس ذهني" هو ناموس الطبيعة الجديدة الذي يريد المؤمن أن يتممه ولا يستطيع من ذاته.
3- ناموس الخطية الكائن في أعضائي هو الذي يريد أن يكسر ناموس الله (ناموس الوصايا)، وناموس الله ليس عنده قوة للتغلب على ناموس الخطية "ما كان الناموس عاجزاً عنه في ما كان ضعيفاً بالجسد". الناموس يطلب منك ولكنه لا يعطيك قوة لكي تتممه، ولذلك عندما تريد أن تعمل الحسنى تجد الشر حاضراً أمامك لأنه يوجد ناموس آخر في أعضائك يقاوم ويحارب. "الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد وهذان يقاوم أحدهما الآخر" (غلا 5: 17).
4- ولكننا نقرأ في رو 8: 2 "لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت". "ناموس روح الحياة" هو ناموس الروح القدس. فنحن أخذنا الطبيعة الجديدة وأخذنا أيضاً الروح القدس الذي يقوينا لكي به نُميت أعمال الجسد.
النعمة لغوياً
كثيراً ما يستعمل الرسل الكلمة ”نعمة“، وباللغة اليونانية التي كتبوا بها ”charis - خاريس“، كمرادف في المعنى لكلمة قوة، والتي هي في اللغة اليونانية ”dynamis - ديناميس“.
النعمة في الكتاب المقدس
كلمة "النعمة" حسب المفهوم الكتابي، هبة إلهية. هبة من الله للإنسان الذي لا يستحقها. وبعض الناس يفهمون النعمة أنها الأكل، أو المال أو الجاه وغيرها من بركات الله المادية. لكن حسب المفهوم والمعنى المسيحي للنعمة هو غير ما يفهمها البعض منا. فالبصر نعمة من الله والصحة الكاملة، والحياة الهنيئة السعيدة هي نعمة من الله. لكن النعمة التي يقصدها الإنجيل هي نعمة الخلاص من سيطرة الخطية والفداء من يد الشيطان الذي يسيطر على الإنسان.
وهنا فإن كلمة ”النعمة“ بمعنى ”القوة“ النازلة من الأعالي من أجل الحياة المقدسة، نجدها في مواضع كثيرة من رسائل الرسل، مثل: (2بط 1: 3، رو 5: 2؛ 16: 20؛ 1بط 5: 12؛ 2بط 3: 18؛ 2تي 2: 1؛ 1كو 16: 23؛ 2كو 13: 14؛ غل 6: 18؛ أف 6: 24... إلخ). وهكذا يكتب بولس:
"تكفيك نعمتي لان قوتي في الضعف تكمل" (2 كو 12:9).
لما شاء الله أن يعطي الناموس لنسل إبراهيم ليُنهيهم عن بعض أشياء ويأمرهم بأخرى تحركت الخطية بسبب الوصية الصريحة، فأخذوا يتعدونها وعلى ذلك يقول الكتاب المقدس: فلماذا الناموس؟ قد زيد بسبب التعديات (غلاطية 19:3). أي لكي تحدث التعديات بسببهِ. كانوا خطاة بدون الناموس وصاروا متعدين بسبب وجودهِ. فلما كانت معاملات الله للبشر جارية مجراها دخل الناموس امتحانًا لهم فأظهروا فرط رداءتهم إذ تحركت الخطية بنفس الواسطة التي كانت لتضبطها. ولم يعلن الله نعمتهُ إعلانًا كاملاً حتى كانت رداءة الإنسان قد بلغت درجتها القصوى فحينئذٍ جعلها تفيض على الكل كما أن المياه الجيدة تسكب غناها على الأراضي مهما كانت نظرًا إلى احتياجها الشديد لا إلى حسنها. وكلما تبرهن الإنسان إنهُ خاطئ بدون ناموس وخاطئ متعدٍ بالناموس علتْ نعمة الله فوق رداءتهِ غالبةً الشر بالخير.
الناموس يضع أمامنا المقياس الذي علينا أن نجتهد للوصول إليه. لكن في النعمة يرينا الله ما نحن عليه شرعاً بحسب اختياره المطلق لكي نجتهد عملياً أن نتوافق مع هذا المركز الشرعي. تأملوا طفلين يولدان في يوم واحد أولهما في قصر ملك ولياً للعهد والآخر في كوخ حقير. فلماذا يراعى دائماً أن يوجه نظر الأول إلى مركزه كأمير وكابن للملك؟ هل في هذا أية منفعة عملية له؟ طبعاً هناك فائدة كبرى. قد يسلك الطفلان في شارع واحد لكن تصرف كل منهما يختلف تماماً عن تصرف الآخر. فالطفل الأمير مبتعد ومتجنب تماماً عن عادات وألفاظ الطفل الآخر، لأنه بالمولد مخصص لمركز ملكي. هكذا الحال معنا فإنه بالفداء الذي بيسوع المسيح وبعمل الروح القدس وسكناه فينا قد انفصلنا وافترزنا لله. وليس هناك ما يدفعنا ويوجب علينا السلوك الصحيح في القداسة مثل إدراكنا لهذا المركز.
النعمة تقول: ”لقد تحرَّرت بفضل الثمن العظيم الذي دُفع بموت المسيح. لذلك ينبغي عليك، عِرفانًا بالجميل، أن تثبت في الحرية التي حرَّركَ المسيح بها“.فالناموس، يأمر لكنَّه لا يمنح قوة للتطبيق. وأما النعمة فهي تُؤمِّن للناموس مطالبه، ثم تعطي الإنسان قدرة ليحيا بشكل يتوافق مع مقامه، وذلك بواسطة الروح القدس, يطلب الناموس قوة مِمَّن لا قوة له، ويلعنه إن لم يستطع إظهارها. أمَّا الإنجيل فيعطي القوة لمن لا قوة له بواسطة الروح القدس على اساس عمل المسيح الكامل ونتائجه تبارك اسمه.
جوهر الناموس هو المطالبة والمساءلة وجوهر النعمة هو المنح والعطاء.
تحت الناموس، الله، إن جاز القول، يواجهنا قائلاً "قدم لي اعمالك وفروض الطاعة" أما تحت النعمة فالله يواجهنا وبيد ممدودة ملآنة بالعطايا قائلاً "خذوا تقبلوا محبتي لكم وقوتي المخلّصة". الناموس يقول (اعمل وخذ الحياة) أما النعمة فتقول (خُذ حياة واعمل).
الناموس يقول: ملعون كل من لا يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به.
النعمة تقول: طوبى للذي غفرت آثامهم وسترت خطاياهم. طوبى للرجل الذي لا يحسب له الرب خطية. (رومية 4: 7و8)
الناموس يقول: تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. (متى 22: 37 )
النعمة تقول: في هذه هي المحبة ليس اننا نحن احببنا الله بل انه هو احبنا وارسل ابنه كفارة لخطايانا. (1 يوحنا 4: 10)
الناموس يقول بما معناه: ادفع الدين الذي عليك.
النعمة تقول: قد سامحتك بكل شيء.
يقول الناموس: افعل هذا فتحيا.
النعمة تقول: خذ الحياة فتتمكن من العمل.
يقول الناموس: اعمل.
تقول النعمة: "قد أُكمل".
الناموس يطالب بالقداسة: وتكونون قديسين لاني انا قدوس .(لاويين 11: 44)
النعمة تهب القداسة: ومنه انتم بالمسيح يسوع الذي صار لنا حكمة من الله وبرا وقداسة وفداء. (1 كورنثوس 1: 30)
كتب الناموس على ألواح حجرية.
نقشت النعمة على الواح القلب اللحمية.
أعطي الناموس فوق جبل سيناء.
فاضت النعمة من خلال الصليب فوق تلة الجلجثة.
جاء الناموس بالشعب الى جبل مشتعل بالنار.
تحضرنا النعمة الى السكنى مع الله الحي.
جاء الناموس بطريقة مرعبة.
ظهرت النعمة في لطف عجيب.
أعطي الناموس لشعب خاص.
وهبت النعمة الى كل قبيلة ولسان وشعب وأمة.
الناموس يقنل.
النعمة تهب الحياة بل الحياة الأفضل.
عن طريق الناموس يستد كل فم.
النعمة جعلت الأفواه تفيض بالشكر والتسبيح.
صنع الناموس هوة كبيرة بين الله والإنسان.
النعمة تصالح الخطاة مع الله القدوس بدم المسيح.
يدين الناموس افضل الناس.
تبرر النعمة أردأ البشر المؤمنين بيسوع مجاناً.
الناموس لا يحرر من قوة الخطية ويترك تابعيه أسرى لها.
النعمة تخلُص من سلطان الخطية وعواقبها وتحرر تابعيها الى التمام.
وضع الناموس الناس تحت اللعنة.
بالنعمة احتمل المسيح اللعنة بدلاً عن المؤمن به.
لا يوجد بالناموس تبرير.
النعمة تبرر مجاناً.
الناموس لا يُخلِّص الخاطئ.
النعمة تُخلِّص الفاجر خلاصاً كاملاً.
لا يمكن ان يهب الناموس السعادة.
تمنح النعمة تابعيها فرحاً لا يتطق به ومجيد.
الناموس اعلن حكم الله ودينونته على الخطية وكشف عجز الانسان في ان يرضي الله ويعيش بحسب القداسة، لكن الرب يسوع جاء متمماً الناموس في حياته على الارض ومكملاً عمل الله، فكل من قبل يسوع المسيح رباً ومخلصاً على حياته بعدما اعلن عجزه عن ارضاء الله من خلال الناموس وأقر بأنه انسان خاطئ، وارتبط مقامياً وعملياً في رب الحياة يسوع المسيح الذي اعطانا ناموس الحرية والحياة في شخصه. اذ مات فوق الصليب وقام منتصراً على الموت باتحاده معه في موته وقيامته يختبر قوة الحياة الجديدة.
(فالنعمة)، معناها أن الله إذ أعلن لنا عن ذاته تماماً في ابنه فإن جميع مطاليبه العادلة والمقدسة قد وُفيت بموت المسيح وقيامته حتى أن البركة جاهزة وفي متناول الجميع - كل من يؤمن له غفران الخطايا وعطية الروح القدس حتى بقوة الروح القدس يتشكل المؤمنون كما يحق لذلك المستوى الرفيع الذي هو ليس شيئاً أقل من المسيح نفسه.
اخيرا نقول: لا تسمح الحريَّة المسيحية بالخطيَّة، بل بالحريّ تظهر المحبّة بوصفها الدافع الأساسي لكلّ السلوك المسيحي، في حين أنَّ الدافع الحقيقي للسلوك تحت الناموس هو الخوف من العقاب. يقول فندلَي (Findlay): " إنَّ عبيد المحبة هم الأحرار الحقيقيّون“.
صلاتي ان يستخدم الرب هذه الكلمات بقوة الروح القدس ليفتح العيون والأذهان ويقودنا الى مزيد من الدراسة في كلمة الله حتى حتى نكون مؤهلين بنعمة الله ان نشهد للحق المسيحي.