القاعدة الذهبية / أنا بداية التغيير

لقد انتشرت مقولة غاندي "كن أنت التغيير الذي تتمنى أن تراه في العالم"، لكن مُعظم المفكرين في العالم، لا يدركون أن هذه المقولة هي أحد التطبيقات العملية للقاعدة الذهبية التي تعلَّمها غاندي من المسيح
15 يوليو 2015 - 22:01 بتوقيت القدس

انا بداية التغيير - شاب يمد يده لمعاونة غيره

قال غاندي: "كن أنت التغيير الذي تتمنى أن تراه في العالم" 

لقد انتشرت واشتهرت هذه المقولة حول العالم كثيرًا؛ لكن مُعظم المفكرين في العالم، لا يدركون أن هذه المقولة هي أحد التطبيقات العملية للقاعدة الذهبية التي تعلَّمها غاندي من المسيح. وهي ذُكرت مرتين في العهد الجديد، في متى ولوقا: " 12 فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم فافعلوا هكذا أنتم أيضًا بهم، لأن هذا هو الناموس والأنبياء." متى 7. " 31 وكما تريدون أن يفعل الناس بكم فافعلوا أنتم أيضًا بهم هكذا." لوقا 6. 
وهي تعلمني كإنسان تابع للمسيح، بأن البدء في الحل يبدأ مني أنا، وليس من الآخرين. هل تريد أن ترى احترام من الآخرين؟ بادر أنت باحترامهم. هل تريد أن ترى نظافة في الشارع؟ بادر أنت في النظافة أولا. هل تريد أن يعطيك السائق المقابل المجال لكي تدخل الشارع في سيارتك؟ أعطي أنت الآخرين هذا المجال أولا. فأحد التطبيقات العملية للقاعدة الذهبية التي علمها المسيح، هي أن تكون أنت بداية التغيير الذي تحب أن تراه في الناس حولك وفي العالم.

هل عُرف هذا التعليم في ديانات أخرى قبل المسيح؟

نعم الكثير من المذاهب والديانات أدركت بالفطرة والضمير الإلهية، القاعدة الذهبية؛ منها:
الكنفوشية: لا تفعل للآخرين ما لا يمكنك أن تحب لنفسك. لكي لا يكون هناك استياء ضدك، سواء في الأسرة أو في الدولة (Analects 12:2).
في البوذية: لا تؤذي غيرك، بما تجده مؤذٍ لك (Udana-Varga 5,1).
في الهندوسية: هذا هو جامع الواجب؛ لا تفعل بالآخرين ما لا ترغب بأن يفعلوه لك (Mahabharata 5,1517).
الطاوية: (وهي أحد المذاهب الفلسفية الدينية القديمة في الصين): اعتبر ربح جارك مثل ربحك؛ وخسارة جارك مثل خسارتك (Tai Shang Kan Yin P’ien).
الزردشتية (وهي الديانة الإيرانية والكردية القديمة): الطبيعة وحدها جيدة، لأنها لا تنتج أبدًا ما هو مؤذ لذاتها (Dadisten-I-dinik, 94,5).

عرف هذا المبدأ أيضًا في اليهودية قبل المسيح:
في سفر طوبيا 4 "15 وكل ما تكرهه لا تفعله بأحدٍ من الناس..."
أيضًا الرابي هيليل، الذي توفي عندما كان المسيح حوالي 15 عامًا، يروى عن أحد أقواله.
إنسان وثني جاء للرابي شماي وقال له: "ستجعلني أرتد عن ديني (الوثنية) في حالة واحدة، إذا علمتني التوراة وأنا واقفٌ على رجل واحدة. فطرده الرابي شماي بعصًا من أمامه في الحال. بعدها ظهر أمام الرابي هيليل وطلب منه نفس الطلب، فقال له هيليل بكل لطف:
" ما هو مكروه لك، لا تفعله لجارك. هذه هي التوراة، والباقي هو مجرد تفاسير لها؛ إذهب وتعلمه." (صفيحة السبت "شابات 31- أ")

فنجد أن المسيح ثبت رأي الرابي هيليل في أن القاعدة الذهبية هي روح كل ما علمه الكتاب؛ أي روح الناموس والأنبياء. وذلك بقوله عن القاعدة الذهبية: "لأن هذا هو الناموس والأنبياء"؛ لكن أحدث انقلابًا فيه، حيث نقل الحال من الوصية السلبية، إلى الإيجابية. فكل التعاليم التي كانت قبل المسيح، انحصرت في الوصية السلبية "لا تفعل للغير.... ما لا تريد أن يفعلوا لك"!! والرابي هيليل أيضًا، علم ماذا يجب أن لا نفعل؛ لكن هل عدم فعل الشيء يكفي لبناء المجتمع والعالم؟؟ ربما الوطن يحتاج ليس لأن لا أقتل فقط؛ أو أن لا أسرق؛ أو لا أتلأم مع جاري؛ أو لا أكذب على الناس… إلخ. بل المجتمع يحتاج لأكثر من ذلك لكي يتقدَّم وينطلق؛ يحتاج لأن أبادر بأشياء إيجابية لبناءه وتحفيز غيري على التغيير؛ وهذا ما علمه المسيح. كل ما تريد أن تراه في الآخرين، بادر أنت في فعله أولاً.

تطور القاعدة الذهبية بعد المسيح؟؟
من التعاليم التي أتت بعد المسيح، والتي تأسست على تعاليمه؛ وثيقة تسمى بتعاليم الإثني عشر رسول (Didache)، وهي من أقدم الوثائق المسيحية؛ حيث يرجع تاريخها إلى أواخر القرن الأول أو بداية القرن الثاني. في الفصل الأول وهو بعنوان: "يوجد طريقان"، فيتكلم عن طريق الحياة وطريق الموت:
طريق الحياة، وهو أولاً: أن تحب الله الذي خلقك، والثاني: أن تحب قريبك كنفسك؛ ولا تفعل للآخرين، ما لا تريد أن يُفعل لك (1: 2).
ففيها نرى دمجًا واضحا بين التوحيد الصحيح، كما قدمناه في المقال السابق "جوهر التوحيد"، والربط بينه وبين القاعدة الذهبية التي علمها المسيح. لكن مرة أخرى، لم يستوعب المسيحيين الأوائل، كما يبدو، التحوَّل الذي أحدثه المسيح من الوصية السلبية للإيجابية!! فاستمر بعضهم بعرض القاعدة الذهبية بالأسلوب السلبي، كما كان قبل المسيح!!!

أيضًا نرى نبي الإسلام محمد ص، يقتبس من تلك القاعدة، في قوله:
" من أحب أن يزحزح من النار ويدخل الجنة؛ فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه." رواه مسلم، حديث رقم 1844. ويحتار قسم من الفقهاء في تفسير كلمة "الناس" في المقولة؛ هل هي تشمل أيضًا غير المسلم؟؟ أم فقط المسلم؟؟ فيتجنب كل الفقهاء الذين قرأت تفاسيرهم، التطرق لتفسير كلمة "الناس" في الحديث. لكن يفسر هذا الحديث، حديث آخر معروف أكثر، يقول:
" عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي ص قال : لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" رواه البخاري ومسلم.
فهنا مثلا، يحصر كلمة الناس، في كلمة "لأخيه"؛ ويفسرها معظم الفقهاء، على أنها تتكلم عن تعامل المسلم مع المسلم؛ فمعظم الفقهاء لا يتعبرون النصارى واليهود والوثنيين أخوة، وهذا التشريع ينبع من عدة فتاوى وأحاديث، بأن المسلم أخو المسلم، والكافر أخو الكافر [1]. فضيَّق معنى القاعدة الذهبية للمسيح، وحصرها فقط بين المسلمين! وأيضًا "يحب لأخيه، ما يحب لنفسه" لا تتكلم عن مبادرة للتغيير المجتمعي، بل على عدم حسد أخاه إذا أصابه أمر حسن؛ مثل الأمثال الشعبية المعروفة "تمنى الخير لجارك تلاقيه بدارك" [2]...إلخ. أما المسيح فشمل حتى الأعداء بها، لأن المسيح كان يدعو للتغيير الشامل في المجتمع، عن طريق المحبة المضحية والمبادرة، التي تطلق يد الله لتستخدم الإنسان المؤمن للتغيير؛ والتي تبدأ التغيير من الذات، حتى قبل أن يرى المؤمن أي تغيير في الآخرين والمجتمع.

نرى أيضًا الكثير من رجالات الله الصديقين، قد طبقوا القاعدة الذهبية التي علمها المسيح بالفطرة، مثل داود الملك؛ حيث كان يكرر صلاة فريدة ومميَّزه، يقول فيها: "8 يَا رَبُّ، اهْدِنِي إِلَى بِرِّكَ بِسَبَبِ أَعْدَائِي. سَهِّلْ قُدَّامِي طَرِيقَكَ" مزمور 5. فيطلب أن يتغير هو أولا، لكي يرى تغيير في وسط أعداءه، ولكي يرى تدخل الله لتغيير حاله!!! يا لها من طلبة عظيمة تتضارب مع طبيعة الإنسان الساقط؛ الذي يطالب الله بغيير كل شيء، ما عداه!!! وهذا يعبر عن قلب داود الذي بحسب قلب الله؟؟!! نرى نفس الطلبة كررها في عدد من المزامير؛ مثل 27: 11 و69: 18.
إذا كما تعلمنا في مقال "جوهر التوحيد" إن أساس التوحيد الصحيح هو أن يحب الإنسان الله من كل قلبه، نفسه وقوته؛ والبرهان على صحة حبه لله؛ هو أنه يجب أن يُحب كل إنسان خلقه الله، ما كانت خلفيته أو تصرفاته. والذي يعبر عن محبة المؤمن للبشر والمجتمع بطريقة عملية، هو أنه يجب أن يبدأ بنفسه التغيير الذي يحب أن يراه في العالم. هذا هو جوهر رسالة الله للإنسان؛ لكي يكون إنسانًا صالحًا، ويصنع تغييرًا صالحًا في ذاته، بيته، ومجتمعه.


[1] http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=218911
[2] على حسين لوباني، "معجم الأمثال الفلسطينية" ص 265

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
مقالات تابعة للسلسلة نفسها:
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. باحث 17 يوليو 2015 - 22:08 بتوقيت القدس
القاعدة الذهبية القاعدة الذهبية
سلام المسيح مع القراء. إن الكتب الهندوسية والبوذية والاسلامية صدرت طبعاتها بعد الميلاد بقرون وإن كانت الشخصيات الهندوسية والزرادشتية والبوذية معروفة قبل الميلاد. والقصد: القاعدة الذهبية في كل منها بسلبيتها- كما ذكر الكاتب- مقتبسة من الكتاب المقدس الذي كان منتشرا في أصقاع الارض. هذا ما فهمت من حلقة سؤال جريء 135 شبهة التشابه بين المسيحية والديانات الوثنية- الجزء الأول وما بعده بضيافة د. رأفت عمّاري: https://www.youtube.com/watch?v=JVJ8aJAQ8rM
1.1. باسم أدرنلي 18 يوليو 2015 - 00:15 بتوقيت القدس
لست أعتقد أن الكلام دقيق
إن الوصية طبعًا قديمة يعود تاريخها إلى حوالي 1400 عام، على يد موسى في لاويين 19 "34 كَالْوَطَنِيِّ مِنْكُمْ يَكُونُ لَكُمُ الْغَرِيبُ النَّازِلُ عِنْدَكُمْ، وَتُحِبُّهُ كَنَفْسِكَ.." لكن لا نقدر أن نحسم أن التعاليم للداينات الأخرى المشابهه، أخذت الفكرة من الكتاب المقدس، وحتى لو كتبت لاحقًا؛ لأنه في علم دراسمة الحضارات، توجد حقيقة اجتماعية تسمى بـ (Truism sayings) وهي أمور بالفطرة يدركها الإنسان، بسبب وجود الروح به والضمير، وليس بالضرورة أن يكون أخذها من حضارات أخرى. لكن في نفس الوقت، شتان ما بين ما علمته الديانات الأخرى، عن ما علمه الكتاب، أن تحب قريبك كنفسك، هو اسمى بكثير من أن لا تصنع للقريب، ما لا تحب أن يُصنع لك!! لذلك قلنا أن المسيح قلب الوصية من سلبية (كما علمت باقي الديانات) إلى إيجابية، كما سبق وعلم الله في لاويين 19، أن تحب القريب، لذلك يجب أن تعمل له أمور صالحة تحب أن يعملها لك، بكل قلب محب صالح، يعتبر الآخرين مثل نفسه، وليس أقل من نفسه.