هل يُسمى راعي الكنيسة مسيح الرب؟؟

كثيرًا ما نسمع حولنا تعابير تقول أن راعي الكنيسة هو مسيح الرب، وتعطي انطباعًا أن له مكانة مميزة عن غيره من رعيته المؤمنين. هل هذا التعليم صحيح ام خطأ؟ ما هو مفهوم المسحة في العهد الجديد؟
08 أغسطس 2013 - 16:16 بتوقيت القدس

إن هذا السؤال قد سمعته مرارًا وتكرارًا، فكثيرًا ما نسمع حولنا تعابير تقول أن راعي الكنيسة هو مسيح الرب، وتعطي انطباعًا أن له مكانة مميزة عن غيره من رعيته المؤمنين. في هذا المقال سنتناول هذا الموضوع، ونحلل شعار المسحاء في العهد القديم؛ وما هو الاختلاف بين الخادم في العهد القديم؛ وبين الخادم في العهد الجديد.

إن كلمة مسيح وجمعها مسحاء، تأتي من أصل الفعل "مشح" بالعبري، أي "مسح" بالعربي، كناية عن اختيار الله لشخصية معينة؛ يمسحه بالدهن أو الزيت المقدس، ليقوم بخدمة الله. إن المسح بالزيت شيء معروف حتى قبل توراة موسى؛ مثل يعقوب الذي مسح نفسه بالدهن، بعدما اختبر وجود الله في المكان الذي كان فيه وشعر بهيبة الله عليه (تكوين ٢٨: ١٨). وفي سياق أسفار التوراة، تتكلم أيضًا عن المسح الحرفي بالزيت؛ فأول من مُسح، كان هارون الكاهن العظيم " ...الذي مسح بالدهن المقدس" العدد ٣٥: ٢٥. وبعد التوراة، دعيت كلمة "مسيح" بالخصوص على الملوك الذين اختارهم الرب، كما قلنا في المقال السابق.

مفهوم المسحة في العهد الجديد:

في العهد الجديد، المَسْحْ هو ليس مسح حرفي بالزيت، بل باستقرار قوة الله وعلامته الإلهية على إنسان. ولكي نفهم المسحة في العهد الجديد، يجب أن نبدأ من أشعياء؛ حيث يسميه البعض نبي العهد الجديد. فهو قدم المسح دون دهن أو زيت بشكل حرفي؛ لكن باستقرار قوة الله على شخص بالروح القدس واختبار إلهي؛ وربما جيد أن نستعرض أحد النصوص النبوية الهامة التي تنبأت عن المسيح المنتظر للعهد الجديد، القائلة:
" روح السيد الرب علي لأن الرب مسحني لأبشر المساكين.." أشعياء ٦١: ١.

يجب أن ندرك أن هذا النص، بصورة مصغرة، يتكلم عن مسح الرب لأشعياء أيضًا؛ لكن دون دهن حرفي، بل باعتبار أنه تقابل مع السيد رب الجنود الجالس على العرش؛ فطهر شفتيه وقلبه، وأفرزه لعمل معين، أي مسحه (أشعياء ٦). لذلك نرى أن المسيح أيضًا كإنسان، لم يمسح بدهن حرفي؛ بل بالحضور الإلهي عليه؛ حيث استقر عليه الروح القدس بقوة، بهيئة حمامة، وسمع صوت من السماء قائلاً: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" (متى ٣: ١٧).

لذلك العهد الجديد يعتبر جميع المؤمنين مسحاء الله، لأن الروح القدس ختمهم ليكونوا مختاري الله وأولاده:
" ٢٠ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ... ٢٧ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَالْمَسْحَةُ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَلاَ حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ، بَلْ كَمَا تُعَلِّمُكُمْ هذِهِ الْمَسْحَةُ عَيْنُهَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهِيَ حَقٌّ وَلَيْسَتْ كَذِبًا. كَمَا عَلَّمَتْكُمْ تَثْبُتُونَ فِيهِ." ١ يوحنا ٢.
سياق الآيات السابقة، يتكلم عن إناس يهود حاولوا أن يضلوا المؤمنين ويحرفوهم عن مركزية المسيح. ففي هذه الأعداد، يؤكد الوحي على أن المؤمن الذي عنده مسحة الروح القدس، يستطيع أن يميز الحق من الكذب؛ ولا يحتاج إلى أي شيء سوى الالتساق براعيه وقائده، يسوع المسيح.

فيوحنا الذي ساهم في تشكيل الهوية المسيحية، أبرز مركزية اتكال المؤمن على الروح القدس وتبعيته المباشرة للمسيح. لذلك ليس دور رعاة الكنائس قيادة المؤمن روحيًا (بشكل شخصي)، بل مساعدة المؤمن لتأسيس علاقة صحية مع قائده وراعيه يسوع المسيح؛ وتصدر العمل الجماعي للجسد. فأي رعاة يحاولون لعب دور: وساطة بين المسيح والمؤمن؛ قيادة لحياة المؤمن مما يجعله يتكل عليهم؛ قناة البركة لحياة المؤمن؛ وسيط غفران خطايا المؤمن...إلخ؛  جميع هذه ليست تعاليم من الله. لذلك حذر وعلم المسيح التلاميذ ضد روح الوساطة بين المؤمن وربه:
" ٩ وَلاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَبًا عَلَى الأَرْضِ، لأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. ١٠ وَلاَ تُدْعَوْا مُعَلِّمِينَ، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ. ١١ وَأَكْبَرُكُمْ يَكُونُ خَادِمًا لَكُمْ." متى ٢٣.

لهذا السبب، يحذر يوحنا من هذا التعليم؛ مؤكدًا أن كل مؤمن هو مسيح للرب؛ ومرتبط بشكل مباشر بالمسيح راعيه. فالمسيح هو من مسح كل إنسان آمن به، وختمه بالروح القدس (أفسس ١: ١٣ و٤: ٣٠)، "وَجَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً للهِ أَبِيهِ.." (رؤيا ١: ٦)؛ وهنا الآية تخص بالذكر الحقبتين التي رأيناها في مسحاء الرب في القديم – المك والكاهن. لذلك من الصحيح أن أقول أن راعي الكنيسة هو مسيح الرب، لكنه ليس مسيح الرب بمفهوم العهد القديم أبدًا، وذلك من جانبين:

الأول: مسيح الرب كان مسيح واحد، يقود شعب ليسو مسحاء الرب. أما الراعي، فهو مسيح الرب كراعٍ، لكنه يقود مسحاء للرب مثله تمامًا. فليس هو وحده مسيح الرب، بل كل شعب الرب مسحاء الرب؛ وليس له أي امتياز أعلى منهم أبدًا. فالذي يمس مسيح الرب، الراعي، يمس المسيح شخصيًا؛ لكن أيضًا خادم الرب، الراعي، الذي يمس أو يجرح أحد مؤمنيه، يمس المسيح شخصيًا (متى ١٨: ٦).

الثاني: آلية المحاسبة لمسحاء العهد القديم تختلف اختلافًا جذريًا عن العهد الجديد؛ ففي العهد القديم كان الله يحاسب مسحائه بنفسه، يواجههم بخطاياهم، يؤدبهم، ويفضحهم أما جميع الشعب حينما يخطئون. فعندما أخطأ هارون وداود مثلاً، حاسبهم الله بشكل مباشر على خطيتهم وكشفها أمام الشعب والأجيال القادمة. أما في ظل العهد الجديد، فالله اختار أن يحاسب الشيخ أو القس بواسطة الكنيسة؛ مما يثب تلك الفكرة عينها، أنه ليس هو وحده مسيح الرب، بل كل شعب الرب مسحاء:
" ١٩ لاَ تَقْبَلْ شِكَايَةً عَلَى شَيْخٍ إِلاَّ عَلَى شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ. ٢٠ اَلَّذِينَ يُخْطِئُونَ وَبِّخْهُمْ أَمَامَ الْجَمِيعِ، لِكَيْ يَكُونَ عِنْدَ الْبَاقِينَ خَوْفٌ.” ١ تيموثاوس ٥.
وهنا لا يتكلم عن إنسان متقدم في العمر فحسب، بل يتكلم عن شيوخ يعلمون ويعظون في الكنيسة؛ أي قسوس (عدد ١٧).
فبعض الخدام والرعاة، ينجذبون لتبني نموذج معين لقادة في العهد القديم كموسى أو كداود مسيح الرب؛ ويحاولون تطبيقها على أنفسهم. لكنهم دون أن يشعرون، يكونوا قد تبنوا شريحة مختارة فقط من النظام، وليس النظام كله. أي أنهم يقتطعون حقيقة الله الذي كان يحاسب موسى وداود بشكل مباشر، كما قلنا؛ وفي تلك الحالة، يكون الرعاة قد وضعوا أنفسهم فوق المسائلة والمحاسبة؛ وهم في ضلال كبير؛ وعلى الأرجع سيقودوا الكنيسة للشتات والانقسام. أما في العهد الجديد، جميع شعب الرب مسحاء؛ لذلك يجب أن يكون الجميع، ومن ضمنهم الراعي، خاضعين لبعضهم البعض. بل أكثر من ذلك، كما قالت الكلمة أعلاه، عندما يوبخ القِسْ، يكون عند الباقين خوف. أي أن مخافة الرب تبدأ من الخدام إلى الرعية، وليس بالعكس؛ لأنها لا تُعلَّم عن المنبر، بل تطبَّق على الراعي، فتنتقل للرعية بقوة وشهادة الروح القدس.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. مؤمن بالرب يسوع 08 أغسطس 2013 - 14:51 بتوقيت القدس
فيما يخص عنوان المقال ؟ فيما يخص عنوان المقال ؟
الأخ الحبيب باسم. المقال فعلا رائع ومفيد للقاريء ولكن عندي ملاحظة ارجو ان تقبلها من اخ لك في المسيح بروح المحبة وليس الانتقاد. فعنوان المقال راعي الكنيسة بحسب ما افهم كلمة الله فالرب وضع في الكنيسة رعاة وليس راعِ واحد وللأسف عندما دخل هذا المفهوم للكنيسة في ايامنا هذه احتكر (القس) هذا المنصب دون غيره مع انه بالتأكيد الروح القدس اعطى البعض ان يكونوا رعاة في الكنيسة...الخ. وللأسف بذلك فقد تقبل المؤمنون في الكنيسة هذا الوضع وبالطبع حُرِموا من ممارسة هذه الموهبة واصبحوا مستمعين مستريحين بالجلوس على المقاعد.لذلك بالأولى ان نقول رعاة الكنيسة لن راعي الكنيسة هو واحد فقط وهو راعي الخراف العظيم وراعي الرعاة ربنا يسوع. المسيح. اشكرك على هذا المقال وكل مقالاتك البناءة والمفيدة لشعب الرب. والرب يباركك.
1.1. باسم أدرنلي 08 أغسطس 2013 - 16:26 بتوقيت القدس
أتفق معك في الرآي
نعم العهد الجديد يميل إلى نظام كنسي فيه رعاة، وليس راع واحد. إلا أننا لا نستطيع أن نستثن كنيسة يخدمها راع واحد؛ لأنه لا توجد آية في الكتاب تعلم بوجوب تعددية الرعاة. عادة اللاهوتيين يعللون تعددية الشيوخ أو الرعاة، بسبب عدم نضوجهم كمؤمنين جدد أقامهم بولس على كنائس جديدة، لذلك عمد بولس على فرز مجموعة من القسوس، وليس قس واحد. المقال لم يتطرق للنظام الكنسي الكتابي، لكن للتعامل مع ظاهرة قائمة في كنيسة اليوم بوجود راع واحد لمعظم الكنائس؛ والفكر الإلهي لمحاسبة ومسائلة راعي الكنيسة المحبوب على قلب الله. شكرًا لمشاركتك، والرب يباركك
2. sam 09 أغسطس 2013 - 11:00 بتوقيت القدس
هل المسحة تعني القيادة؟ هل المسحة تعني القيادة؟
ماذا عن القيادة؟ وعن المعلمين في الكنيسة؟ الم يقسم الله الوظائف بالكنيسة؟
2.1. sami 09 أغسطس 2013 - 14:38 بتوقيت القدس
لتوضيح السؤال
اذا كانت المسحة للجميع فهل يعني ذلك ان الجميع بمركز القيادة بالكنيسة؟ او هل الجميع معلمّون؟ ارجو التوضيح لان هناك اشخاص غير ناضجين روحيا وسيفسرونها كما يحلو لهم بحسب مصالحهم الخاصة
2.2. باسم أدرنلي 09 أغسطس 2013 - 22:19 بتوقيت القدس
لماذا تربط المسحة بالقيادة؟
إن المسحة غير مقتصرة على القيادة، وأصلا كلمة قيادة كلمة غير كتابية، المسيح لم ينشئ قادة، بل خدام؛ مقدمًا نفسه كالذي يخدم. نعم كل مؤمن له مسحة للخدمة، وله دور للخدمة في جسد الرب. بالإضافة إلى الحقبات الخمسة في أفسس ٤: ١١. والمواهب في رومية ١٢: ٦-٨ و١ كورنثوس ١٢: ٨-١٠ فجميع الجسد ليس فيه أعظم وأقل، لأنه جسد واحد، توجد فيه أدوار مختلفة، لكن لا يكون فيه عضو أعظم من الآخر، لأننا لا نتكلم عن أفراد منفصلين، بل جسد واحد. ١ كورنثوس ١٢: ١٢-٢٧
3. واحد 10 أغسطس 2013 - 09:16 بتوقيت القدس
نكته نكته
ذكرتني فقصة قديمة في مرة كنت بمزح مع خادم متفرغ فاجا احد الموجودين ووبخني وقال بغضب: "عيب عليك هذا مسيح الرب" جوبته: "ليش مين انا مسيح الشطان؟ ما انا كمان مسيح الرب فانت تدخلش بين المسحاء" هاهاهاها احلا اشي الي مفكر حاله موسى وداود العهد الجديد
4. القس بولس 08 نوفمبر 2015 - 01:56 بتوقيت القدس
المسحة المسحة
أنت أيها الحبيب تتكلم عن أن كل المؤمنين ممسوحين بالروح القدس و هذا صحيح تماما ولكن هل سألت نفسك كيف نال المؤمنون الروح القدس... هذه هي الإجابة من خلال كلمة الله..."ولما سمع الرسل الذين في أورشليم أن السامرة قد قبلت كلمة الله، أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا اللذين لما نزلا صليا لأجلهم لكي يقبلوا الروح القدس لأنه لم يكن قد حل بعد على أحد منهم، غير أنهم كانوا معتمدين باسم الرب يسوع حينئذ وضعا الأيادي عليهم فقبلوا الروح القدس ولما رأى سيمون أنه بوضع أيدي الرسل يعطى الروح القدس قدم لهما دراهم"...أع8 أنت تنال الروح القدس من خلال من أقامهم الروح القدس في الكنيسة. السيد المسيح نفسه مسح بالروح القدس يوم معموديته...الرب يباركك