لقد أوصى المسيح تلاميذه في الليلة الأخيرة قائلا:
"٢٤ ... خُذُوا كُلُوا هَذَا هُوَ جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. اصْنَعُوا هَذَا لِذِكْرِي». 25 كَذَلِكَ الْكَأْسَ أَيْضاً بَعْدَمَا تَعَشَّوْا قَائِلاً: «هَذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي. اصْنَعُوا هَذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي.” ١ كورنثوس ١١.
وجرت العادة في الكنائس الإنجيلية بشكل عام، بأن يقدموا تحذيرًا للمؤمنين بأن لا يتناولوا جسد الرب بدون استحقاق، لكي لا يأخذوا دينونة لأنفسهم. وذلك بناءً على قول الكتاب:
" 27 إِذاً أَيُّ مَنْ أَكَلَ هَذَا الْخُبْزَ أَوْ شَرِبَ كَأْسَ الرَّبِّ بِدُونِ اسْتِحْقَاقٍ يَكُونُ مُجْرِماً فِي جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ. 28 وَلَكِنْ لِيَمْتَحِنِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ وَهَكَذَا يَأْكُلُ مِنَ الْخُبْزِ وَيَشْرَبُ مِنَ الْكَأْسِ. 29 لأَنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ بِدُونِ اسْتِحْقَاقٍ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ غَيْرَ مُمَيِّزٍ جَسَدَ الرَّبِّ. 30 مِنْ أَجْلِ هَذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ."
والفهم العام لهذا النص في الكنائس الإنجيلية، هو أخذا جسد الرب مع وجود أي خطية غير تائب عنها، في حياة المؤمن. وهذا الفهم يضع الكنيسة في متاهات عديدة: فالبعض يؤمن بأن المؤمن ممكن أن يكون في حالة من القداسة، تؤهله ليكون مستحق من أن يشترك في مائدة الرب. أما البعض الآخر يقوك: "هل يوجد إنسان مستحق بأن يأخذ من جسد الرب ودمه؟ فجميعنا خطاة وغير مستحقين، مهما عشنا في قداسة، أستحقاقنا هو فقط بواسطة دم المسيح." ولكن هذا لا يحل مشكلة النص، حيث أنه يتجنب النص الذي يقدم هذا التحذير الواضح. والبعض الآخر من المؤمنين يخافون بأن يتناولوا من جسد الرب، لأنهم يخافون من وقوعهم بنفس الخطية بعد أن يتوبوا عنها، ولأنهم لا يريدون أن يكونوا مجرمين في جسد الرب ودمه، فيمتنعون. وهذا يجعلهم يرتكبون جريمتين في حق جسد الرب ودمه، وهما:
الأولى: لأنهم يكسرون وصية الرب الذي قال: "اصنعوا هذا لذكري".
والثانية: كأنهم يعلنون بأن دم المسيح غير مؤهل لتطهيرهم من خطيتهم، فما هو رجاءهم في إيمانهم بالمسيح إذًا؟
أعتقد إن الوحي هنا لا يتكلم عن خطايا في حياة المؤمن يتصارع معها بشكل خاص. إن الوحي يتكلم عن خطايا معينة يرتكبها المؤمنين، وتؤدي إلى التخريب في كنيسة المسيح. هذا ما يقصد به: "يَكُونُ مُجْرِماً فِي جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ".
سأحاول بنعمة الرب أن أقدم تفسيرًا للنص بحسب دراستي للرسالة.
إن أحد أكبر الشعارات البارزة في الرسالة الأولى لكورنثوس، هي الخطايا التي تؤول إلى هدم وتخريب الكنيسة، ومنها مثلاً انتشار الخصومات، التحزب والانشقاق:
" ١١ لأَنِّي أُخْبِرْتُ عَنْكُمْ يَا إِخْوَتِي مِنْ أَهْلِ خُلُوِي أَنَّ بَيْنَكُمْ خُصُومَاتٍ. 12 فَأَنَا أَعْنِي هَذَا: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَقُولُ: «أَنَا لِبُولُسَ وَأَنَا لأَبُلُّوسَ وَأَنَا لِصَفَا وَأَنَا لِلْمَسِيحِ». 13 هَلِ انْقَسَمَ الْمَسِيحُ؟...” ١ كورنثوس ١.
" 3 لأَنَّكُمْ بَعْدُ جَسَدِيُّونَ. فَإِنَّهُ إِذْ فِيكُمْ حَسَدٌ وَخِصَامٌ وَانْشِقَاقٌ أَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ وَتَسْلُكُونَ بِحَسَبِ الْبَشَرِ؟" ١ كورنثوس ٣.
هذا ليس التحذير الوحيد:
إن هذا الموضوع ليس سهلاً، فالتحذير الذي يقدمه الوحي، في الأصحاح ١١: "مِنْ أَجْلِ هَذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ." ممكن أن تكون نيتجته وخيمة، حتى المرض والموت. لكن هذا التحذير هو ليس الوحيد في هذه الرسالة؛ ونحن نحتاج أن نستعرض جميع التحذيرات التي تصب في نفس السياق من جميع الرسالة، لكي نفهم العنصر المشترك بينها؛ وهو خطية التخريب في جسد الرب أي كنيسة المسيح.
" 16أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟ 17 إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدُهُ اللهُ لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الَّذِي أَنْتُمْ هُوَ." ١ كورنثوس ٣.
لاحظ هنا يتكلم عن الكنيسة "أنتم هيكل الله"، وليس عن الفرد.
أيضًا يتكلم مثلاُ عن حالة زنى في الكنيسة ويقول:
" ٥ أَنْ يُسَلَّمَ مِثْلُ هَذَا لِلشَّيْطَانِ لِهَلاَكِ الْجَسَدِ لِكَيْ تَخْلُصَ الرُّوحُ فِي يَوْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ." ١ كورنثوس ٥. لماذا ممكن أن يكون مصير هذا المؤمن الموت، "هلاك الجسد"، لأن خطيته تشكل عنصرًا مدمرًا للكنيسة كما يتابع الوحي ويقولك: " ٦... أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ خَمِيرَةً صَغِيرَةً تُخَمِّرُ الْعَجِينَ كُلَّهُ؟".
أيضًا من جهة أكل ما ذبح للأوثان، فيقول:
" 9 وَلَكِنِ انْظُرُوا لِئَلاَّ يَصِيرَ سُلْطَانُكُمْ هَذَا مَعْثَرَةً لِلضُّعَفَاءِ... 11 فَيَهْلِكَ بِسَبَبِ عِلْمِكَ الأَخُ الضَّعِيفُ الَّذِي مَاتَ الْمَسِيحُ مِنْ أَجْلِهِ. 12 وَهَكَذَا إِذْ تُخْطِئُونَ إِلَى الإِخْوَةِ... تُخْطِئُونَ إِلَى الْمَسِيحِ." ١ كورنثوس ٨.
فهدف الشركة في جسد المسيح ودمه هي إعلان أننا جميعًا جسد واحد، وليس إعلانًا على نزاعاتنا وخلافاتنا المعلقة التي لا نريد أن نحلها ونُصلحها:
" 17فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ جَسَدٌ وَاحِدٌ لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ." ١ كورنثوس ١٠.
لذلك يركز أيضًا الوحي على رفض أي شيء لا يؤدي إلى بنيان الجسد:
" ٢٣...كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تَبْنِي.... ٣٢ كُونُوا بِلاَ عَثْرَةٍ لِلْيَهُودِ وَلِلْيُونَانِيِّينَ وَلِكَنِيسَةِ اللهِ. " ١ كورنثوس ١٠.
وفي الأصحاح ١١ نفسه، يوجد بعض الدلائل التي تدل على وجود حالة عامة من التخريب في جسد الرب؛ وهي أمور يعملها المؤمنون تؤول إلى تراجع الكنيسة:
" ١٧ وَلَكِنَّنِي إِذْ أُوصِي بِهَذَا لَسْتُ أَمْدَحُ كَوْنَكُمْ تَجْتَمِعُونَ لَيْسَ لِلأَفْضَلِ بَلْ لِلأَرْدَإِ...٢١ لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَسْبِقُ فَيَأْخُذُ عَشَاءَ نَفْسِهِ فِي الأَكْلِ فَالْوَاحِدُ يَجُوعُ وَالآخَرُ يَسْكَرُ. 22 أَفَلَيْسَ لَكُمْ بُيُوتٌ لِتَأْكُلُوا فِيهَا وَتَشْرَبُوا؟ أَمْ تَسْتَهِينُونَ بِكَنِيسَةِ اللهِ وَتُخْجِلُونَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ؟ مَاذَا أَقُولُ لَكُمْ! أَأَمْدَحُكُمْ عَلَى هَذَا؟ لَسْتُ أَمْدَحُكُمْ! "
إذًا، إن كنت مؤمنًا تتصارع مع الشهوات ويوجد خطايا خاصة في حياتك، وتعتقد أنك لو تناولت من المائدة، ستعود وتكرر نفس الخطية. لا تمتنع، امتحن نفسك، تُب واشترك في المائدة؛ إن دم المسيح صالح للتطهير الدائم، وليس صالح لتطهير خطية معينة، لمرة واحدة فقط. إن النص لا يتكلم عنك، بل يتكلم عن خطايا أخوة يقودوا انشقاقات، خصومات، بدع، علاقات مكسورة مع خدام وأخوة، وأموة كثيرة مُعثرة للأخوة ولشهادة المسيح في المجتمع. وحتى هذه الخطايا، لها حل، وهو مؤكدًا ليس الامتناع عن المائدة، بل امتحان النفس والتوبة والاشتراك: “وَلَكِنْ لِيَمْتَحِنِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ وَهَكَذَا يَأْكُلُ مِنَ الْخُبْزِ وَيَشْرَبُ مِنَ الْكَأْسِ."
ليكن لجميعكم عيد فصح مبارك... المسيح مات على الصليب وقام بالحقيقة.