يتذكر الفلسطينيون في اسرائيل يوم النكبة في 15 / 5 من كل عام. فبحسب الرواية الفلسطينية، عانى الفلسطينيون سنة 1948 من نكبة كبيرة إذ دُمرت القرى الفلسطينية. وخسر الآلاف من الناس بيوتهم. بعضهم بقي في البلد التي صارت تُعرف لاحقا بإسرائيل واكثرهم تشرد وهرب إلى البلاد المحيطة آملين أن يعودوا فيما بعد. إلا أن أملهم صار مثل اوراق الشجر التي تشتتها الرياح العاصفة. وفي سنة 2009 منعت وزارة الثقافة الإسرائيلية استخدام كلمة "النكبة" في كتب التاريخ. وفي 23 – 3 – 2011 أقر الكنيست الإسرائيلي تقليص المساعدات المالية لكل مؤسسة خاصة تساهم في احياء ذكرى النكبة.
وكمسيحي احب الرب يسوع وشعب هذه البلاد، اتساءل ما هو موقف ابن الناصرة وابن الله الحي؟ وكيف يكون موقف المسيحي من يوم النكبة؟ من ناحية يجب علينا عدم الرضوخ والانصياع السلبي وعدم الموافقة على ظلم أي إنسان مهما كان. وأرفض أن تكون الكنيسة بلا رسالة إذ لا تشعر مع صراع الناس وتفهم عمق الألم الذي عانوه أو تكون منعزلة عن المجتمع فلا تدخل في حوار معه وتتعامل مع تحدياته ومشاكله. ومن ناحية أخرى، ارفض كمسيحي النضال العنيف والصدام المسلح إذ يتحول المؤمن والمؤمنة من أداة لنشر سلام الله ومحبته وعدالته إلى أداة حرب وقتل.
في ضوء ما سبق، أعتقد أن الكنيسة يجب أن تؤكد الحق الكتابي بالرغم من التحديات الكثيرة. أولا، يرفض الله سرقة أراضي الآخرين. يقول الكتاب: "ويل للمفتكرين بالبطل، والصانعي الشر على مضاجعهم! في نور الصباح يفعلونه لأنه في قدرة يدهم. فإنهم يشتهون الحقول ويغتصبونها، والبيوت ويأخذونها، ويظلمون الرجل وبيته والإنسان وميراثه . . . " (مي 2: 1 – 2). ويقول اشعياء النبي: "ويل للذين يصلون بيتا ببيت، ويقرنون حقلا بحقل، حتى لم يبق موضع. فصرتم تسكنون وحدكم في وسط الأرض (اش 8: 8). وهكذا يجب أن تدين الكنيسة اية سرقة أو اخذ للأراضي بالقوة وسلب الضعفاء ميراثهم وحقهم. ثانيا، بالإضافة إلى الإدانة الكلامية، تستطيع الكنيسة أن تقف مع المظلوم كما فعل إيليا النبي عندما تعدى آخاب الملك على كرم نابوت اليزرعيلي. لقد واجه إيليا النبي آخاب الظالم بكلمة الله (1 مل 21: 17 – 29). ثالثا، يجب أن تؤكد الكنيسة المحبة دون التخلي عن العدالة والحق. فمحبة الظالم لا تعني الموافقة على ظلمه، بل مواجهة ظلمه بمحبة المسيح.
أخيرا، لا أدعي في هذا المقال القصير أنني استوفيت الحديث عن هذا الموضوع الصعب. إلا أنني آمل أن تقودنا الكلمات المدونة أعلاه إلى تكثيف صلواتنا لأجل اليهود والفلسطينيين وإلى نشر الحق الإلهي في كل جوانبه وبكل طرقه. فلا نتأسف على الشر ونقف مكتوفي الأيدي أمام انتشاره. ولا يجب علينا أن نكتفي بالحديث عن السماء والحياة القادمة، بل يجب علينا أيضا الحديث عن القيم والقناعات الإلهية التي يريدنا الله ان ننشرها الآن وهنا. وادعو الله أن يقود كل من ساهم في تشريد الناس يوم النكبة إلى التوبة وأن يعين كل المشردين أن يغفروا للظالمين إثمهم وأن يمنحنا نحن اتباع المسيح أن ننشر محبته وعدالته وخلاصه لكن متألم ومحتاج. فالمسيح اختبر النكبة في صليبه وانتصر بمحبته وبره وبقيامته. ففتح الباب لكنيسته أن تكون خميرة حق ومحبة في عالم ظالم مليء بالشر والكراهية. وفتح ذراعيه لكل مظلوم وظالم، فهو وحده يستطيع أن يمنحنا القدرة على مسامحة من ظلمنا والتمتع بسلام الله العجيب. وهو يستطيع أن يتوّب كل ظالم ويحوله إلى رسول يخدم الله. وهو يريد أن يستخدمنا لنشر محبته وعدالته وسلامه.