العبرانيون كانوا الشعب الذي اختاره الله ليكون لهم الها، ويكونوا له شعبا . يعبدونه ويعلنوا اسمه للعالم كله ويحفظوا وصاياه وشرائعه ، ويعلنوا للعالم كله من هو الله .
أختار الله في العهد القديم رجلا صالحا من سكان العراق اسمه ابرام ، وطلب منه أن يترك وطنه و أهله الوثنيين ويرحل بعيدا الى حيث يريد له الرب موطنا جديدا . بارك الرب ابرام وابدل اسمه الى ابراهيم اي اب لجمهور كبير. وبعد أن اصبح ابراهيم شيخا كبيرا في السن هو وزوجته العاقر سارة ، منحه الرب طفلا ، و وعد ان يكثر ذريته فتكون بعدد نجوم السماء وكرمل شاطئ البحر، وقال الله له : ( بذريتك تتبارك جميع الأمم ) . وكان له ولد اسمه اسحق، تزوج من فتاة اسمها رفقه. وأنجب منها ولدين تؤام عيسو ويعقوب . تزوج يعقوب من من ليئة وراحيل ابنتي خاله لابان، و تزوج من جاريتيهما وخلف من الزوجات الأربعة اثني عشر ولدا ذكرا ، وبنت اسمها دينا . من ابناء يعقوب الأثني عشر تكون اسباط اسرائيل وعشائرهم . وسكنوا مصر وتكاثروا فيها بناء على طلب ابن يعقوب الصغير يوسف بعد ان تبوأ اعلى مراكز القيادة في الدولة المصرية ، وكان الرجل الثاني في مصر بعد فرعون . فصاروا عشائر كثيرة العدد. من بين احد اسباط اسرائيل ولد موسى الذي يعني اسمه (المنتشل من الماء) ، وتربى في قصر فرعون مصر، وتعلم الحكمة والعلم حتى اصبح رجلا . قتل موسى احد المصريين دفاعا عن احد العبرانيين . فخاف ان يعاقب ، فهرب الى برية فاران في صحراء سيناء . وعاش هناك اربعين سنة، تزوج من ابنة كاهن مديان وانجب . ثم دعاه الرب في سيناء وكلمه طالبا منه أن يكون رسولا من الله الى شعبه ليخرجهم من ارض مصر الى بلد يفيض لبنا وعسلا، بعد أن استعبدهم المصريون ، وقد سمع الرب اصوات شكواهم وتذمرهم.
بعد معاناة كبيرة مع فرعون الذي رفض خروج العبرانيين من مصر، استطاع موسى ان يقود شعبه عبر البحر الأحمر الى صحراء سيناء لينقلهم الى الأرض التي وعد الله ان يعطيها لهم. وقد عمل الرب معهم معجزات كثيرة بعد ان وجه عشر ضربات الى فرعون وشعبه من أجل ان يطلق عشائر واسباط يعقوب .وسهل الرب لهم عبور مياه البحر الأحمر بسحب مياه البحر الى الجنبين و اظهار قعر البحر لهم فعبروا بسلام مع أمتعتهم وماشيتهم . وفي صحراء سيناء اشتكى الشعب من العطش والجوع ، ففجر الله لهم عين ماء نبعت من الصخر ، وارسل لهم طيور السلوى و المن من السماء طعاما لهم. ولم تكن ملابسهم تبلى .
واعطى الله لموسى الوصايا العشرة والشرائع ليتبعها الشعب ويعيش بموجبها ، لكن شعب موسى كان غليظ القلب عنيدا ، فكثير منهم ارتدوا عن عبادة الله وعبدوا الأوثان رغم رؤيتهم المعجزات الكثيرة التي عملها الرب لهم . ارسل الله لهم العديد من الأنبياء ليعدل مسارهم ويهديهم الى عبادة الرب الذي انقذهم من العبودية واختارهم شعبا له، لكنهم فضلوا عبودية الاوثان . ولم يسمعوا صوت الله ورسائل الأنبياء ، فابتعدواعن الله .
قال الرب في نبوءة اشعيا : " هذا الشعب يكرمني بشفتيه ، أما قلبه فبعيد عني "
لقد ابلغ موسى شعبه بأنه سيظهر بينهم نبيا من بين إخوتهم وله يسمعون ، وتنبأ كثيرٌ من الأنبياء بنبؤات عن ظهور المخلص الذي يخلص الشعب من خطاياهم ويؤسس لهم طريق ملكوت السماوات . وكان اليهود ينتظرون ظهور المخلص بينهم في زمن ما .
في ملء الزمان ولد يسوع المسيح المخلص بين شعبه اليهودي، جاء من نسل داؤود الملك ، وفي بيت لحم اليهودية ولد كما تنبأ الأنبياء ، لكن شعبه لم يقبله ولم يؤمن به مخلصا . منهم القليل من آمن به واتبعه، والكثير رفضوه رغم انه عمل الاف المعجزات امامهم من شفاء المرضى و طرد الشياطين و اقامة الموتى وغفران الخطايا و تفتيح عيون العميان .
لقد كانوا شعب الله المختار، وكانوا الأولين الذين اختارهم الله شعبا له، لكنهم رفضوا هذا الإمتياز فاصبحوا الآخرين لإبتعادهم عن الله . ةلتوضيح ذلك قال لهم يسوع المسيح مثل شجرة التين التي لا تثمر: جاء صاحب الحقل الى شجرة التين ولثلاث سنوات متتالية يطلب ثمرا، لكنه وجدها عقيمة لا ثمر فيها سوى الأوراق . فطلب من المزارع (يسوع المسيح) أن يقطعها، إلا أن حنان الرب يسوع ورافته جعله يطلب من الله أن يؤجل ذلك لسنة أخرى حيث سيقوم بقلب التربة حولها ويضع سمادا لعلها تثمر في السنة القادمة، اي سيعمل يسوع جاهدا ان يصلح هذا الشعب، لكنه بقى عقيما لا يثمر . وبقت شجرة التين بلا ثمر . علّم الرب و كرز بين ابناء هذا الشعب الغليظ العقل وعديم الإيمان لثلاث سنوات متتالية وعمل المعجزات ليبرهن لهم انه ابن الله القادم من السماء لنجدتهم وخلاصهم، وهو المخلص الذي تنبأ عليه الأنبياء ، وقد كتبوا عنه في كتبهم و اخبرهم ان موسى نفسه تنبأ عنه في التوراة، و مع كل هذا لم يرجع الشعب ويتوب الى الله ولم ينتج ثمرا روحيا ورفض ان يرث ملكوت السماء . وبقى شعبا غليظ القلب لا يثمر فلعنه الرب كما لعن شجرة التين ويبست في الحال .
قال الرب يسوع المسيح : " أنا الكرمة الحقيقية وابي هو الكرّام ، كل غصن فيّ لا ينتج ثمرا يقطعه . وكل غصن ينتج ثمرا ينقيه لينتج المزيد من الثمر" . يوحنا 1:15
وضرب يسوع مثلا آخر على الشعب الغير مثمر و المتمرد فقال : " الملح جيد ولكن إن فقد الملح ملوحته فبماذا تعود اليه ملوحته ؟ ، إنه لا يصلح لا للتربة ولا للسماد فيطرح خارجا " . لوقا 34:14
هذا معناه ان الشعب الذي لا يثمر روحيا ويؤمن بالرب المخلص ولا يتفاعل مع الله ولا مع انبيائه لنشر الكلمة المقدسة ، فلا فائدة ترجى منه ، إلا أن يطرح خارجا .
جاء المسيح الى خاصته ، وخاصته لم تقبله، جاء المسيح الى شعبه اليهودي، الذي هو من سلالته، إلا انهم رفضوه ، وخاصة من ادعى انهم المتمسكون بالشريعة وأسفار موسى و الأنبياء، اي الفريسيين وكتبة التوراة فأنتقدهم السيد المسيح وقال لهم : " ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون ، لأنكم تنقّـون خارج الكاس و الصحفة، وهما من داخل مملؤآن اختطافا ودعارة " " الويل لكم يا علماء الشريعة فإنكم خطفتم مفتاح المعرفة فلا انتم دخلتم ولا تركتم الداخلين يدخلون "
" ويل لكم ايها الكتبة والفريسيّون المراؤون، لأنكم تشبهون قبورا مبيّضة تظهر من خرج جميلة ، وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة " !
" الويل لكم يا علماء الشريعة ، فإنكم تحمّلون الناس أحمالا مرهقة ، وانتم لا تمسوها باصبع من اصابعكم، الويل لكم فإنكم تبنون قبور الأنبياء وآبائكم قتلوهم " .
هذا هو الشعب اليهودي الذي أنكر السيد المسيح الفادي الذي جاء ليخلصهم من خطاياهم ويشفيهم من امراضهم الروحية والجسدية، لكنهم طالبوا بقتله و صلبه !
مثل السامري الصالح :
ضرب يسوع مثل السامري الصالح ليفضح قساوة قلوب اليهود وعصيانهم حتى لشرائعهم و وصايا الله لهم.
فقال : " كان إنسان مسافرا فهجم عليه لصوص وسرقوه وجرّحوه وتركوه بين الحياة والموت. وكان بحاجة لمن ينقذه ويضمد جراحه . فمر بقربه كاهنا من رجال الدين اليهودي الذي يعرف جيدا الشريعة والناموس ويعلمها للآخرين ، لكنه رآه و جاوزه الى الجانب الآخر !
ثم مرّ بقربه رجل آخر من اللاويين، وهم من سبط لاوي المكلفين من قبل الله ليكونوا خدما لكلمته، ومسؤولون عن الخدمات الدينية في خيمة الإجتماع و في هيكل سليمان ، وهم المكرّسون من أبناء يعقوب للمهام الدينية ومنهم فقط يخرج الكهنة لحمل رسالة التوعية الدينية للشعب . إلا أن هذا اللاوي نظر الى الرجل المصاب وتجاوزه الى الجانب ألآخر ولم يقدم له اي مساعدة !
مر سامري مسافرٌ وهو من الشعب الذي كان اليهود ينبذونهم ويكرهوهم، جاء السامري الى الرجل المصاب ، فأخذته الشفقة عليه وتقدم اليه وربط جراحه وصب عليها زيتا وخمرا ، ثم أركبه على دابته، واوصله الى الخان واعتنى به " . لوقا 30:10
يوضح هذا المثل أن اللاويين و كهنة اليهود لم يطبقوا شريعة الله التي اعطاها لهم موسى، فأنحرفوا بعيدا عنها وهي (أحب قريبك كما تحب نفسك) . فنزل عليهم غضب الله ، وصاروا عنده الآخرين بعد أن كانوا الأولين . اما السامري الرجل الغريب وهم من الأمم صاروا ابناء الله وهم الأولين عند الله .
قال الله : " سأنتقم من المنافقين " اشعياء 13:29
"إن إسرائيل شعب متمرد ابناءه كذبة يأبون الإستماع الى شريعة الرب " اشعياء 9:30.