فن مُواجهة الأزمات

في هذا المقال سنناقش معا بعض الأفكار العمليّة التي يُمكنك بها أن تُواجه أزمات الحياة بكفاءة وفاعليّة.
11 أغسطس 2021 - 20:02 بتوقيت القدس
 فن مُواجهة الأزمات

هو صديقي العزيز لكنّه أعظم مني بكثير وأنا أتعلّم منه. هل تريد أن تعرف لماذا وما الذي أتعلّمه. أنا أتعلّم منه الثبات في مواجهة الشدائد والصعوبات، فمع أنّه مثل كل البشر ومثلي، إلاّ أنّه يختلف عنّي كثيرا، فأنا ما إن تأتيني مُشكلة إلا وأتوتّر وأفقد سلامي واتّزاني وثضطرب كُل أجهزة جسمي وأصير مُشوّشا عاجزا عن التفكير و.... أمّا هو فأنا أراه ثابتا راسخا رابط الجأش في مواجهة الشدائد والصعوبات. لذلك فأنا مُعجب به وأسعى جاهدا لأتعلّم منه فنّ مُواجهة الأزمات.

نعم عزيزي القارىء، لا تخلو حياة كائن من كان من مُضايقات ومُنغّصات تُعكّر صفوه وتعترض طريقه وتفقده ـ في أحيان كثيرة ـ أمنه وسلامه.

إحذر، فقد تكون أنت مسؤولا عن الكثير من المُنغّصات والأزمات!
نتسبّب نحن ـ في مرّات كثيرة ـ بأزمات نجُرّها على أنفسنا بسلوك غير مدروس أو بتهوُّر واندفاع من نوع ما نعمله، وإن كان الأمر كذلك فيجدر بنا من البداية أن نتحذّر جدّا لتصرُّفاتنا وسلوكيّاتنا حتّى لا نتعرّض لما لا يُحمد عُقباه، كذلك من الشجاعة والكياسة أيضا أن نتقبّل بصدر رحب ما يُمكن أن يأتينا من جزاء أو عقاب نظير أمر خطأ نكون قد ارتكبناه، وأمر كهذا لهو كفيل أن يُدرّبنا حتّى نتعلّم من أخطائنا ونتحذّر لسلوكيّاتنا وتصرُّفاتنا في المرّات التالية.

احتفظ بسلامك الداخلي في الأوقات الاعتياديّة، وادّخر طاقتك لتكون قادرا على مواجهة الأزمة.
يحتاج الإنسان في الظروف الاعتياديّة وحين لا يكون واقعا تحت ضغط أزمة أو مُشكلة أن يُدرّب نفسه جيّدا على الثقة بالنفس وأن يمتلك السلام الداخليّ، وأن يُدعّم معرفته وقُدراته وأن يُطوّر من نفسه وأن يكتسب مهارات ويتعلّم دروسا ومهارات جديدة يكون من شأنها أن تزيده قُدرة على التعامُل مع الأزمات والظروف الطارئة عندما تأتي. كذلك على الإنسان أيضا أن يتجنّب ـ قدر الإمكان ـ أيّ أمر يكون من شأنه أن يُعطّل تقدُّمه أو أن يُعيق قدرته على الثبات والاستقرار النفسيّ. إنّ تدريبا كهذا كما يقولون وقت السلم، سيكون له ـ من دون شكّ ـ فائدة عظيمة وقت الشدائد والصعوبات. 

اعلم أن أزمتك هذه، كثيرون قد واجهوها من قبل بنجاح وثبات، وأنت أيضا يُمكنك أن تعمل ذلك.
يعتقد الكثيرون أثناء مرورهم بضائقة أو أزمة سواء كانت تلك الأزمة ماديّة أو عاطفية أو نفسيّة، أن مُشكلتهم هي الأصعب وهي الأعقد، وأنّها فريدة من نوعها، بل هي فوق الطاقة، ولم يُقابلها بشر من قبلهم، وأنّهم لن يخرجوا منها أبدا وكأنّها ستطبق عليهم وتُمسك بخناقهم من دون فكاك أو أمل في النجاة. لكنّ الحقيقة ليست هكذا، فمُعظم المُشكلات التي تُقابل بني البشر هي من نفس النوعيّة، وبكلمات أخرى، ما تواجهه أنت وما أواجهه أنا ـ صديقي القارىء ـ من مُشكلات، إنّما من دون شكّ واجهه الكثيرون من قبلنا وسيواجهه الكثيرون من بعدنا أيضا. وما أكثر المرّات التي اعتقدنا أن نهايتنا قد أتت بحدوث مُشكلة ما، لكنّنا ما إن خرجنا منها ومضت، علمنا أنّها لم تكُن النهاية! بل إنّ الكثيرين أيضا قد عانوا منها بشكل أو بآخر ولمّا تأزّمت وبلغت شدّتها، فُرجت ونالوا الخلاص منها، وهذه هي طبيعة الحياة. إن إدراكنا لحقيقة كهذه لهو يُعطينا صلابة وقُدرة على تحمُّل الألم وتصديقا أنُها ليست أوّل ولا آخر أزمة نُقابلها في الحياة، لكنّها بالتأكيد ستنتهي كما انتهت الأزمات التي سبقتها. نعم، ثق أن الأزمة لا بُدّ وستنتهي، فهذه هي سُنّة الحياة.

لا تتّخذ قرارات انفعالية غير مدروسة أثناء الأزمة لأنّها قد تُكلّفك كثيرا.
إنّ أخطر قرارات الحياة هي تلك التي نتّخذها كرد فعل انفعالي غير مدروس لموقف طارىء أو لأزمة ألمّت بنا، بل والكثيرون منّا أيضا عندما يهدؤون وعندما يزول توتُّر الصدمة الأولى الناتجة عن مُواجهة الأزمة (لا سيّما إن أتت فجأة وبدون سابق توقّ منهُم أو انتظار) فإنّهم يستغربون من حماقة فعل قد ارتكبوه أو كادوا أن يعملوه. والكثير من الأزمات كان يُمكن ألا تتصاعد وتتضخّم لو كان الفرد قد تروّى ولو للحظات قليلة، أو لو كان قد انتظر حتّى يهدأ انفعاله وتخمد ثورته وتوتُّره الناتج عن الأزمة، فيكون بمقدوره وقتها أن يُقيّم الموقف بنظرة نافذة وبحكمة ورويّة، ومن ثمّ يتّخذ القرار الصحيح حياله.

اهدأ واحسب حساباتك جيّدا قبل اتّخاذ أيّ قرار.
لذا فالنصيحة الواجبة هُنا، هي، لا تجعل انفعالاتك تقودك للتهوُّر وللقرارات الخاطئة والمُدمّرة، بل حينما تواجهك أزمة، انتظر تماما حتّى تهدأ انفعالاتك وتكون قادرا على تقييم الموقف كلّه بحكمة ورويّة ومن ثمّ تكون قادرا على اتّخاذ القرار الصائب والناجح الذي يخرج بك لبرّ الأمان ويُقلّل كميّة الخسائر التي تتعرّض لها إن كان لا بُدّ لك من أمر كهذا.

استشر مُشيرا أمينا موثوق به.
إن كُنّا في كل حياتنا نحتاج لأصدقاء يسيرون معنا عبر دروب الحياة المُقفرة والموحشة ويُقلّلون لنا من مرارة الأيام ويُخفّفون من وعورة الطريق، فإنّنا عند ظروفنا الصعبة وآلامنا وجروحنا، نحتاج أكثر إلى صديق صدوق ومُشير مُخلص أمين نبث معه تحدياتنا وآلامنا بل وجراحنا وحتّى ضعفاتنا من دون أن نجد أيّ غضاضة في أمر كهذا. لذا أنا أُشجّعك عزيزي القارىء أن تتّخذ لك مثل هذا الصديق الأمين وتأكّد أن وجوده جوارك في أزماتك سيفقرق وسيعني معك الكثير.

اطلب المعونة الإلهيّة وكُن مُتأكّدا أنّك ستحصل عليها.
يبقى لنا في الختام أن نقول إن أصعب ظروف الحياة وأقسى الأزمات يُمكن التعامُل معها بطلب المعونة الإلهيّة، والله من جهته لا يتخلّى عنّا أبدا إن نحن طلبناه، وقلبه ينبض دوما بالحُب والتفهُّم تجاهنا ولا سيّما في أوقات آلامنا ومُعاناتنا، وهو من دون شك قادر أن يُذلّل أمامنا ما لا يُمكن لبشر أن يُذلّله، فياليتنا نتعلّم جميعنا صديقي القارىء كيف نعرف قلب الله الحنون وكيف نلجأ إليه في وقت الشدّة وفي أوقات الأزمات وهو من دون شكّ يعرف كيف يُخرجنا من الضيق إلى الرحب، ويالسعادة ذلك الإنسان الذي الربُّ مُتكله. آمين.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا