الوحي في المسيحية - (3) معجزة الوحي في المسيحية

عظمة الإيمان المسيحي تكمن في كونه متأسس على شخص المسيح ذاته. فالمسيحية أقرب لمفهوم العلاقة عن كونها ديانة عقيدية. كل الكتاب المقدس موحى به من الله، ولهذا فكله مترابط
08 أكتوبر 2020 - 11:30 بتوقيت القدس

لا تأتي معجزة الوحي في الكتاب المقدس في الاتفاق الحادث بين كُتَّابه على كثرتهم، ولا تسلسل وتدرج الأحداث برغم طول زمن كتابته، ولا حتى في التوافق بين لغات تختلف جذورها ولكنها اتفقت في تسجيل ما أراد الله أن يبلغه للبشر، بل أن المعجزة الحقيقية لوحي الكتاب المقدس هي تلك الصورة المذهلة التي تحققت من خلالها النبوات التي سبق وتنبأ بها وكتبها رجال الله، في حين أنهم لم يعرفوا على وجه الدقة المعنى الدقيق والمقصود من هذه النبوات.

فمثلاً نجد في العهد القديم نحو 300 نبوة عن شخص السيد المسيح، كُتِبت قبل ميلاده بآلاف السنين وتحققت حرفياً وكاملة فيه، فعلى سبيل المثال ليس الحصر: تكلم 1بلعام بن بعور بهذه النبوة التي لم يفهمها حين نطق بها فقال: "وَحْيُ الذِي يَسْمَعُ أَقْوَال اللهِ وَيَعْرِفُ مَعْرِفَةَ العَلِيِّ. الذِي يَرَى رُؤْيَا القَدِيرِ سَاقِطاً وَهُوَ مَكْشُوفُ العَيْنَيْنِ. أَرَاهُ وَلكِنْ ليْسَ الآنَ. أُبْصِرُهُ وَلكِنْ ليْسَ قَرِيباً. يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ وَيَقُومُ قَضِيبٌ مِنْ إِسْرَائِيل فَيُحَطِّمُ طَرَفَيْ مُوآبَ وَيُهْلِكُ كُل بَنِي الوَغَى. وَيَكُونُ أَدُومُ مِيرَاثاً وَيَكُونُ سَعِيرُ أَعْدَاؤُهُ مِيرَاثاً...» (العدد 24: 16 - 19).

ومن المعروف أن هذه النبوة كان المقصود بها شخص يسوع المسيح.كذلك جاءت نبوات توضح أن المسيح المخلص سوف يأتي:
1) من نسل المرأة في (تكوين 3: 15) "وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ"، وقد تحققت هذه النبوة في (غلاطية 4: 4)، "وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ امْرَأَةٍ، ..". 

2) مولوداً من عذراء في (إشعياء 7: 14) "وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ»-الذي تفسيه الله معنا- وقد تحققت في (متى 1: 18، 23، 25، لوقا 1: 26 - 35) "هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ" (متى 1: 23). 

3) من نسل إبراهيم واسحق ويعقوب في (تكوين 22: 18، 21: 21 ) "وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي"، وقد تحققت في (متى 1: 1- 2، لوقا 3: 23، 33، 34، غلاطية 3: 16) "كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْراهِيمَ" (متى 1:1). 

4) من سبط يهوذا في (تكوين 49: 10) "لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ 2شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ" وقد تحققت في (لوقا 3: 23، 33، عبرانيين 7 : 14) "فَإِنَّهُ وَاضِحٌ أَنَّ رَبَّنَا قَدْ طَلَعَ مِنْ 3سِبْطِ يَهُوذَا، الَّذِي لَمْ يَتَكَلَّمْ عَنْهُ مُوسَى شَيْئاً مِنْ جِهَةِ الْكَهَنُوتِ" (عبرانيين 7: 14). 

5) من عائلة يسى في (إشعياء 11: 1، ميخا 5: 2) "وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ"، وقد تحققت في لوقا 3: 23، متى 1: 6). 

6) من بيت داود في (أرميا 23: 5، 2صموئيل 7: 16، مزمور 132: 11)، وقد تحققت في (لوقا 3: 23، 18: 38 - 39، متى 1: 1، 9: 27، أعمال الرسل 13: 22 - 23، رؤيا 22: 16). 

7) ويولد في بيت لحم في (ميخا 5: 2) «أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاًعَلَى إِسْرَائِيلَ وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ" وقد تحققت في (متى 2: 1، 4- 8، لوقا 2: 4- 7) ".. وَسَأَلَهُمْ: «أَيْنَ يُولَدُ الْمَسِيحُ؟». فَقَالُوا لَهُ: «فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ لأَنَّهُ هَكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِيِّ: وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي". 

8) يدعى رباً، ونبياً وكاهناً في (مزمور 110: 1، تثنية 18: 18، مزمور 110: 4) وتحققت في لوقا 2: 11، 20: 41- 44، متى 21: 11، عبرانيين 3: 1). 

9) يُصلب مع أثمة، وتثقب يداه ورجلاه، في (إشعياء 53: 12، مزمور 22: 16، وزكريا 12: 10) وقد تحققت في (متى 27: 38، مرقس 15: 27، لوقا 23: 33، يوحنا 20: 25). 

10) يقوم من الموت ويصعد إلى العلاء في (مزمور 16: 10، مزمور 30: 3، مزمور 68: 18) وقد تحققت في (أعمال الرسل 2: 31، 13: 33، لوقا 24: 46، أعمال الرسل 1: 9). 
في الحلقة القادمة سنستعرض شهادة المسيح والرسل للكتاب المقدس والوحي.


1- بلعام بن بعور من بلدة تدعى فتور في آرام النهرين، وكان نبياً عرافاً، وقد ذاع صيته حتى   أن بالاق أحد ملوك موآب الذين كانوا يحاربون بني إسرائيل، طلب مشورته وأن يتنبأ له على شعب إسرائيل ليهزمه، وقد قدَّم بلعام لبالاق مشورة شريرة جلبت العار والبلية على صفوف شعب إسرائيل فهُزم شر هزيمة، وبالرغم من ذلك تبنأ بلعام بنبوة رائعة عن مجئ وتجسد المسيح. و يُفسِّر علماء اليهود نبوَّة بلعام هذه بأنها تشير إلى شعب إسرائيل، ولكن من الواضح أنها تشير إلى أمر يتحقَّق بعد زمان ليس قريباً. لذلك فقد فسَّرها آخرون بأنها تشير إلى شخص ذائع الصيت «يُحطِّم طرفي موآب، ويهلك كل بني الوغى». فهي قد تشير جزئياً إلى داود الملك الذي انتصر على الموآبيين وقتل الكثيرين منهم وصاروا له عبيداً، وهكذا فعل مع الآدوميين (2صوئيل 8: 2). ولكن الحقيقة أنها تشير إلى تجسد المسيح الذي دُعِيَ ”كوكب الصبح“ (رؤيا 22: 16)، وهو الذي أُخضِعَت له كل الأمم. وفيه يتم قول المزمور: «قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك» (مزمور110: 1).

 2- شيلون كلمة عبرية معناها: "الذي له الكل"، وهي نبوة عن تجسد المسيح الذي كُتب عنه أنّ   له ستجثو كل ركبة في السماء وعلى الأرض ومن تحت الأرض (فيلبي 2: 10).  

 3- هذه الأية تُشير إلى أن المسيح حينما تجسد جاء من سبط يهوذا. 

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا