إله التعويضات والبركات

نكمل في قصة راعوث التي صممت على ملازمة حماتها نعمي بعد ان نزلت الكوارث بها ورجعت من بلاد موآب لانها سمعت في بلاد موآب ان الرب قد افتقد شعبه ليعطيهم خبزا.
04 يوليو 2020 - 11:25 بتوقيت القدس

لازمت راعوث فتيات بوعز في الحقل، وكانت نشيطة وامينة في العمل، وقد سمع بوعز عن شهادة راعوث الحسنة، وكيف انها تركت ارضها وتبعت حماتها نعمي.

نقرأ كيف قدم بوعز الخبز لراعوث، وكيف أكلت وشبعت وفضل عنها (راعوث 14:2).
نرى هنا امانة الله وكيف انه لا يترك اولاده الطالبين وجهه، وكيف اشبع راعوث خبزًا حتى فضل عنها، وكيف قدمت ايضا لحماتها وكانت سبب بركة لها.

هذا هو حال كل من يتبع الله من كل القلب، لا يحتاج الى الخبز بل يشبع هو وذريته، ويكون سبب بركة للآخرين وخاصة للعائلة كما كانت راعوث لحماتها، وكما نقرأ في كتاب المزامير ان الاشبال احتاجت وجاعت، اما طالبو الرب فلا يعوزهم شيء من الخير (مزمور 10:34)، ويشهد ايضا: "كنت فتىً وقد شخت، ولم أرَ صدّيقًا تُخُلِّيَ عنه، ولا ذرية له تلتمس خبزًا، اليوم كله يترأف ويقرض، ونسله للبركة.

شبعت راعوث خبزًا وكانت سبب بركة لحماتها، والأهم من الخبز المادي هو الروحي، لذلك علينا ان نشبع من كلمة الله لكي نتبارك روحيًا ونكون سبب بركة لكثيرين، خاصة اذا كنا ليس سامعين الكلمة فقط، بل عاملين فيها.

في الاصحاح الثالث نقرأ كيف شجعت نعمي راعوث، بأن تنزل الى البيدر حيث كان يذري بوعز.

هذا هو دور كل مؤمن بالمسيح، ودور الكنيسة بشكل عام، ان نشجع احدنا الآخر بان نلازم بيدر بوعز، لانه هناك فقط نختبر القوة الحقيقية، من خلال الشركة مع المسيح بالروح القدس، وكما اضطجعت راعوث عند رجلي بوعز (راعوث 9:3) هكذا علينا كافراد وككنيسة ان نمكث عند اقدام السيد، ونختبر هذه الشركة المباركة مع شخصه الكريم.

لم تُهمل راعوث نفسها عندما نزلت الى بيدر بوعز، بل اغتسلت وتدهَّنت ولبست ثيابها.
ان نعتني باجسادنا ونظافتها انه لامر هام وضروري، لكن كم بالحري علينا ان نغتسل كل يوم بماء الكلمة، لكي نتطهر من ضعفاتنا وزلاتنا، وان نتدهن بزيت الروح القدس العامل فينا والمقدس قلوبنا واجسادنا، لكي نكون اواني للكرامة لخدمة السيد، وان لا يكون جُل اهتمامنا فقط المظهر الخارجي ونُهمل الداخل، وان نجتهد من كل القلب ان نحافظ على "نظافة" ثوب البِر الذي البسنا اياه المسيح، لكي لا نسمع ذاك اليوم صوت الملك قائلًا: "يا صاحب، كيف دخلت الى هنا وليس عليك لباس العرس ؟ حينئذٍ قال الملك للخدام : اربطوا رجليه ويديه، وخذوه واطرحوه في الظلمة الخارجية، هناك يكون البكاء وصرير الاسنان، لان كثيرين يُدعون وقليلين يُنتخبون!" (متى 11:22).

الحياة المسيحية هي ليست فقط كتاب وتعاليم ووصايا، بل هي شهادة عن عمل المسيح في حياتنا، لان روح النبوة هي شهادة يسوع (رؤيا يوحنا 10:19)، ولا يحاول المؤمن البتة ان يلفت الانظار عليه، بل ان يتمجد المسيح في حياته ومن خلاله، ولا يحاول ان يمدح نفسه امام الاخرين، ولا حتى ينتظر مديح الاخرين له، بل كل همه ان يرضي مخلصه وربه وسيده، وهكذا يشهد الرب بذاته لابنائه الامناء، كما شهد بوعز لراعوث: "انك مباركة من الرب يا بنتي لانك قد أحسنت معروفك في الاخير اكثر من الاول، اذ لم تسعي وراء الشبان، فقراء كانوا او اغنياء، وان جميع ابواب شعبي تعلم انك امرأة ٌ فاضلةٌ".

هكذا هي حياة كل مؤمن حقيقي ابن لله، يسير من مجد الى مجد ومن قوة الى قوة حتى النهاية بمعونة الرب، كما احسنت ايضا راعوث المعروف في الاخير اكثر من الاول، وكما "ابقى" صاحب عرس قانا الخمر الجيد حتى النهاية بعمل معجزة الرب يسوع، هكذا علينا ان نحفظ الخمر الجيد والشهادة الحسنة حتى النهاية...

وكما قال بوعز، هكذا تعلم جميع ابواب شعبي انك امرأة فاضلة، هكذا يجب ان يزيد بِر الكنيسة عن بِر الكتبة والفريسيين، لانه بالفعل، امرأة فاضلة من يجدها؟! غيره هو وحده رب المجد يسوع المسيح، الذي جعل من عروسه الكنيسة أمرأة فاضلة، يفوق ثمنها اللآلىء (امثال 10:31).

نقرأ في الاصحاح الرابع كيف اشترى بوعز كل ما لاليمالك وكل ما لكليون ومحلون من يد نعمي، وكذا راعوث الموآبية امرأة محلون قد اشتراها امرأةً.

هناك من هو اعظم من بوعز، الذي لم يشتري حقول واراضي وامرأة، بل بدمه الكريم الذي سُفك على عود الصليب، اشترانا لله ابيه من كل قبيلة ولسان وشعب وامّة، لنكون ملوك وكهنة لمجد اسمه، ونكون العروس ملكه له وحده، الذي له السماء والارض وكل ما فيها، لم يهبنا فقط حقول واراضي وبيوت، بل وهبنا بالايمان السماء الجديدة والارض الجديدة، حيث يسكن البِر الى الابد.

واليوم اخوتي، كل بيت يسكنه المسيح يسوع الرب، لا بُد ان يسكنه السلام والفرح والمحبة والبِر، رغم كل تحديات الحياة الصعبة، وكما كانت راعوث سبب بركة لبوعز كما كانت راحيل وليئة، اللتين بنتا بيت اسرائيل، هكذا كل امرأة فاضلة وكل مؤمنة حقيقية تبني بيتها على كلمة الرب، وكما كانت راعوث سبب بركة وفرح لزوجها، هكذا كل امرأة تكون سبب راحة وسلام لزوجها، وهكذا الكنيسة تكون سبب بركة لكثيرين باسم المسيح.

وفي النهاية، اقول بالفعل ان الهنا هو اله التعويضات والبركات، الروحية منها قبل المادية، هو الذي اكرم ايمان راعوث الموآبية وضمَّها الى شعبه، ووهبها زوج مبارك مثل بوعز، وهو الذي عوَّض نعمي عن السنين التي اكلتها الجراد.

من كان يُصدق، انه من نسل راعوث الموآبية، هذه المرأة الفقيرة الارملة والغريبة الجنس، كان سوف يولد عوبيد، ثم يسّى وبعدها داود الملك (راعوث 21:4 ، متى 5:1) ومن هذه النسل جاء يسوع المسيح بالجسد ليكون مخلص العالم، مخلصي، ومخلصك!!!.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا