هدف هذا المقال هو محاولة لبلورة ما فيه مصلحة كنائسنا وامتداد الملكوت.الموضوع الذي سأطرحه فيما يلي حول هوية الكنيسة الانجيليه في البلاد وتوجهها والخطوط العريضة لسياستها واستثمارها الجهود في السنين القادمة لمجد المسيح يندرج في ذات الهدف .
أرحّب بالاعتراض وبالنقاش لنتوصل إلى معرفة مشيئة الرب لكنيسته في بلادنا فكما قال صاحب الأمثال:"الحديد بالحديد يحدّد والإنسان يحدّد وجه صاحبه" (1).
تعريفات
نقصد بالكنائس الإنجيلية تلك التي تنتمي ل-"مجمع الكنائس الإنجيلية في إسرائيل" (فيما يلي "المجمع") والتي تشمل الكنائس المعمدانية، الإخوة، جماعة الله،الناصري والمستقلين مع أن بعضا منها قرر عدم الانضمام للمجمع أو انه غير فعّال فيه. طبعا هناك توافق لاهوتي جوهري بين هذه الكنائس بالرغم من اختلافاتها في بعض الأمور اللاهوتية الجانبية ، الممارسة الكنسية أو النظام الإداري.
على أية حال، يمكن القول إن كنائسنا هي ما تسمى : "الكنائس الكتابية "وما اعتاد الناس تسميته "المتجددين".
الاسم "إنجيلي" يقابله في الانجليزي “Evangelical” وهو قد يؤدي بالعربية لإشكالية مع كنيسة الأنجليكان (Anglican) في بلادنا التي تسمى غالبا بلغة الناس "كنيسة البروتستانت" وأحيانا "الكنيسة الإنجيلية" أو "الكنيسة الأسقفية".شهدت هذه الكنيسة في بلادنا ابتعادا عن مبادئ الإصلاح البروتستانتي وتقاربا مع الكثلكة في النواحي اللاهوتية، الإدارية والطقسية بحيث انعكس ذلك في حذف الاسم "إنجيلي" واستخدام الاسم "الأسقفية" أو حتى "الأسقفية العربية".
تم تبني الاسم "الكنائس الإنجيلية" بقرار من ممثلي كنائسنا (وقد أصبح فيما بعد "المجمع") قبل أكثر من سنتين وربما كان من اللازم أن تقوم كل كنيسة بإضافة الصفة "الإنجيلية" على اسمها.
هدف الرب في الكنيسة
كإنجيليين نركز على الدور الشخصي للمؤمن: فالقرار المتعلق بالإيمان بالرب يسوع وعمله على الصليب هو أمر في منتهى الشخصانية ولا يختلف اثنان من الإنجيليين إن الأمر فعلا كذلك بحسب كلمة الرب.
لكن من الجهة الثانية ونظرا لمركزية الحق الكتابي الذي يؤكد ضرورة القرار الشخصي لتأكيد الخلاص فقد أهملت الناحية الجماعية-الكنسية وأهميتها في ملكوت المؤمنين في بلادنا.
منذ البداية قصد الرب يسوع أن تكون له جماعة مؤمنين.ففي زمن خدمته العلنية اتخذ له اثني عشر تلميذا (2) ودائرة أوسع من سبعين تلميذا (3) وبعد حلول الروح القدس أقام الرب يسوع كنيسته بالروح القدس (4) تماما كما وعد حين قال :"ابني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها"(5).
لم يكتف الرب بذلك وإنما أوعز لرسله بالروح القدس أن يشبّهوا الكنيسة بأنها جسده في حين انه رأسها(6), أنها هيكله (7), خرافه (8), فلاحته (9) وعروسه (10).
لذا نرى أن للرب قصدًا في جماعة المؤمنين وهو يعمل من خلالنا كجماعة (بمستويات مختلفة كالمحلية, القطرية أو حتى العالمية).انه يريد أن نسير معا لأجل تتميم قصده.
فالكنيسة تهيئ الطريق للفرد المؤمن للقيام بالدور الذي أوكلّه الرب اليه وواجبنا أن نرى إن كان ذلك يتم فعلاً.
بارتقاء كنائسنا الانجيلية للمستوى اللائق لتسديد الاحتياجات المركبة للناس في بلادنا في هذا الوقت ولسنين قادمة-يمكن عندها تصويب العظات المنادية بالتنشيط الروحي الفردي بفعالية كبيره.
من هنا فان التركيز هنا سيكون على الناحية المتعلقة بالكنيسة وليس على الناحية الروحية الشخصية مع أهمية الأخيرة.
هوية الكنيسة هي ليست شيئًا ثابتًا بل دينامكيًا متحركًا وهي تتبلور ثم تتطور بالإرتباط مع مكّونات داخلية وخارجية .سأتطرق في هذا الشأن إلى عدة عوامل تجدها في مسار الحياة الانجيلية الكنسية والتي تتفاعل مع شكل هوية كنائسنا وهي: اللاهوت وتأهيل الخدام (وهذا ما سأتطرق اليه في هذا المقال),الممارسة الإنجيلية, دوائر العلاقات والتنظيم.
اللاهوت وتأهيل الخدام
قال احدهم:"ما تؤمن به هو هويتك".من هنا فلكي نصقل هويتنا ,علينا معرفة لاهوتنا. بالإضافة لذلك, توضح كلمة الرب أن الضلال هو من نصيب من يهمل اللاهوت المتمثل عندنا- نحن الإنجيليين- بكلمة الرب.(11).
هناك شقين لذلك:فحص اللاهوت المعمول به بنظرة نقدية وتكوين لاهوت جديد مناسب والشق الثاني هو تدريس هذا اللاهوت /الكلمة للشعب.
بلورة لاهوت جديد
تأسست أغلب كنائسنا المحلية عن طريق إرساليات أجنبية أمريكية أو بريطانية أو على الأقل بتأثير منهم.
بطبيعة الحال تشكلت الكنائس على صورة المرسلين وحسب فهمهم .فاللاهوت الذي علّموه هو لاهوت الكنيسة المرسلة وكذلك الأمر بما يتعلق بالممارسة.وهكذا نشأ الرعيل الأول من المؤمنين على نفس النمط.
هناك تفاوت في مدى التأثير المستمر لهذه الإرساليات حتى اليوم وهناك حاجه لتقييم ما يجب التمسك به مما ورثناه وما يتوجب التخلي عنه إذ هو غير دقيق كتابيا-عقائديا أو أن الممارسة غير ملائمة لظروف حياتنا. أصبحنا في وضع يطلب منا أن نعيد دراسة كلمة الرب وتكوين لاهوت جديد ذي صله بالواقع في بلادنا.
فمثلا الإرسالية المعمدانية الجنوبية في امريكا هي من أقام الكنائس المعمدانية في البلاد.وبطبيعة الحال تبنت هي لاهوت المرسلين بأكمله وهو لاهوت أصولي. أما اليوم فهناك تأثير للحركة الخمسينيه على الكنيسة المعمدانية في الجليل من جهة ومن الكنائس المعمدانية الأوروبية متمثلة بكلية اللاهوت في براغ من جهة أخرى.بالاضافه للكنائس المعمدانية في انجلترا وكلها اقل أصوليه. الكتاب المقدس يرشدنا بهذا الخصوص أن نمتحن كل شئ ونتمسك بالحسن (12) وهكذا يتشكل لاهوت عربي مسيحي إنجيلي جليلي.
بهذا الصدد نشير إلى تحد آت لا محالة ويمكننا توقع مواجهته وذلك عن طريق التنبه الى ما يحدث في الغرب اليوم وهو تياراللاهوت الحر أي رفض وحي الكتاب المقدس باكلمه .لا شك ان هذه العقيدة الأساسية ستكون مدار نقاش لذا من الضروري التيقظ لمنع دخول معلمين من هذا الطراز "المتحرر" لكنائسنا ومدارس اللاهوت خاصتنا. سيكون لعلماء اللاهوت الإنجيليين دور في دراسة خصوصيات المجتمع العربي في اسرائيل بكافة فئاته (مسلمين، مسيحيين، دروز، الخ) وكيف يمكن بلورة اللاهوت الإنجيلي الجديد آخذا قضايا المجتمع والفئات الدينية الاخرى بعين الاعتبار. كما سيطرح أمام اللاهوتيين التراث العربي المسيحي وموقفنا كإنجيليين منه.
كليات ومراكز لتدريس اللاهوت
إن تأسيس مركز الناصرة للدراسات المسيحية (سيشار له فيما يلي ب- "المركز") لهو خطوة إستراتيجية في هذا الاتجاه لكل الإنجيليين في اسرائيل. إذ من المفترض أن تصبح كاسمها مركزا للدراسات وللاجتهادات اللاهوتية وتكوين لاهوت عربي فلسطيني خاص في داخل إسرائيل .الهدف يكمن في أن تقوم أفضل وامهر العقول الإنجيلية الدارسة بتمحيص الكلمة والتيارات اللاهوتية الكثيرة لتمّيز السمين من الغث.
إننا نتوخى أن يصبح المركز معهداً يلتف حوله ثله من علماء لاهوت متبحرين بالكلمة وبعالم اللاهوت,كتّاب قديرين ومعلمين ,يدرسّون اللاهوت للخدام,للمدعوين للخدمة المتفرغة وللعلمانيين على حد سواء.
يتوجب على الكنائس الإنجيلية على شتى طوائفها تقديم الدعم المعنوي والروحي للمركزلتتميم الهدف المرجو وهذا يتطلب ضم غير المعمدانيين للمركز بالإضافة لطاقم التدريس اذ بدون إشراك الآخرين فعليا لن يكون هناك شعور بملكية المركز الجديد (بالمفهوم الايجابي طبعا).
يذكر أنّ كلية بيت لحم للكتاب المقدس بمقرها الرئيسي في بيت لحم وفي فرعها في الناصرة أدت في السنين الأخيرة دورا طيباً في تسديد بعض الحاجات وعلى القائمين عليها تقييم مسار ورؤية الكلية في الشمال على ضوء تأسيس المركز المسيحي ليتم التعاون في تسديد الاحتياجات.
تأهيل وتزويد الخدام
أوصى الرب تلاميذه في المأمورية العظمى:"علّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (13). من ذلك ومن آيات أخرى كثيرة نتيقن أن على خدّام الرب معرفة الكلمة الحيّة ليعلمّوها للشعب. لأسباب عديدة لا مجال لذكرها هنا لم يحظ غالبية الخدام بالتعليم اللاهوتي الكافي أو لربما حصلوا على تأهيل لاهوتي قبل بداية خدمتهم لكنهم افتقروا لدورات الاستكمال خلال سنين الخدمة لتنشيط المعرفة وزيادتها. سيكون للمركز دور كبير في سد الفجوة في هذا الامر.
وعلى صعيد آخر, من الضروري تشجيع الطاقات الشابة الواعدة لطلب وجه الرب لفحص فيما اذا كانت هناك دعوة للخدمة المتفرغة للرب.هذا يتم بعدة طرق منها التنبيه والوعظ عنه, إشراك الشباب في الخدمة فيتم اختبار دعوة الرب للتفرغ على ارض الواقع وتأمين اجر معقول للخادم دون أن يحمل هم المعيشة لعائلته إذ كلمة الرب تعلّم أنّ "العامل مستحق أجرته" (14) وإنهم مستحقون "لكرامة مضاعفة"(15).
هناك حاجة كبيرة لخدام جدد بمستوى عال لأن مجتمعنا العربي في البلاد عامة اختبر قفزة كميّه ونوعية جبارة في مجال نسبة المتعلمين للشهادات العليا وفي مستوى هذه الألقاب. هذه ألقفزه موجودة أيضا في المجتمع الإنجيلي المؤمن في البلاد ولكني أخال أن الإجابة على السؤال فيما اذا ارتفع مستوى تعليم وتدريب خدام الكنائس بذات النسبة هي بالنفي.
إن الاطلاع والعلم المتزايد عند المواطنين بشكل العام أو عند المؤمن الإنجيلي بشكل خاص (وهم عمليا من اؤتمنت الكنيسة على رعايتهم ) يحتم على الخدام أن يرتقوا الى مستوى ما يتم تقديمه من معرفة,رعاية,إرشاد وتسديد الاحتياجات المتزايدة.
إن عنصري اللاهوت المحلي الأصلي وتأهيل خدام على أعلى المستويات أساسيان في تشكيل هوية الكنيسة الإنجيلية في بلادنا للعقود القادمة ويتوجب أخذها بجدية فائقة.
الشواهد
1. أمثال 27: 17.
2.متى 3:10
3.لوقا 1:10
4. أعمال 2: 42-41
5.متى 16 :18
6. أفسس 23:1-22
7. كورنثوس الاولى 3: 16
8. يوحنا 10: 16
9.كورنثوس الاولى 3 : 9
10. أفسس 5 : 25-27
11.متى 22: 29
12.تسالونيكي الاولى 5 :21
13.متى 28: 20أ
14.لوقا 10: 7 ب وأيضا 1 تيوثاوس 5: 18
15.تيموثاوس الاولى 5: 17