المسيحيون في سوريا أمام خطر الزوال: محو ثقافي واضطهاد يهدد حضورهم التاريخي

يواجه المسيحيون في سوريا خطرًا متزايدًا يهدد وجودهم التاريخي وسط العنف والاضطهاد. ومع تراجع أعدادهم واستهداف كنائسهم، تتصاعد التحذيرات من محو ثقافي قد يفرغ البلاد من أحد أقدم جذورها الروحية.
قبل 3 ساعات
المسيحيون في سوريا أمام خطر الزوال: محو ثقافي واضطهاد يهدد حضورهم التاريخي
لينغا

المسيحيون في سوريا يعيشون واحدة من أحلك المراحل في تاريخهم الحديث، حيث يواجهون خطر الزوال الثقافي والوجودي من أرض كانوا فيها منذ ألفي عام. بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، برزت موجة جديدة من العنف الممنهج ضد الأقليات الدينية، وفي مقدمتها المسيحيون، إلى جانب العلويين والدروز. هذا العنف لم يكن عشوائيًا، بل يُنظر إليه كحملة إرهاب مقصودة تستهدف اقتلاع هذه المكوّنات من جذورها. الجماعات المتشددة والجهاديون، إلى جانب ميليشيات محلية مدفوعة بالانتقام، نفذوا عمليات قتل جماعي وخطف منظم، شملت النساء اللواتي أُجبر بعضهن على الزواج القسري أو بيعهن في سوق الرق الجنسي، ما يضيف إلى المشهد قسوة مضاعفة وانتهاكًا فاضحًا لكرامة الإنسان.

من الأحداث التي صدمت الرأي العام تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق يوم 22 يونيو، حينما فجّر انتحاري نفسه أثناء القداس الصباحي، مسقطًا أكثر من عشرين ضحية بين قتيل وجريح. هذا الهجوم لم يكن مجرد استهداف لمكان عبادة، بل رسالة واضحة تهدف إلى بثّ الرعب ودفع من تبقى من المسيحيين إلى الرحيل. ومع استمرار هذه الاعتداءات، تقلّص عدد المسيحيين في سوريا بشكل درامي؛ فبعد أن كانوا يشكلون نحو عشرة بالمئة من السكان، أي ما يقارب مليوني شخص قبل اندلاع الحرب، لا يتجاوز عددهم اليوم ثلاثمئة ألف، وهو تراجع ينذر بفقدان أحد أقدم المجتمعات المسيحية في العالم.

الناشطون المدافعون عن الحريات الدينية يرون أن ما يحدث هو عملية محو ثقافي وديني متسارعة، وليست مجرد أحداث عنف عابرة. فغياب المسيحيين عن المشهد السوري يعني خسارة جسر تاريخي وثقافي يربط بين الشرق والغرب، ويهدد بقطع جذور تراث روحي وحضاري ساهم في تشكيل الفكر المسيحي منذ القرون الأولى. من هنا تأتي المطالبات بضرورة تحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل، سواء من خلال فرض آليات للمساءلة على مرتكبي الانتهاكات، أو عبر ضمان حقوق الأقليات الدينية في أي نظام سياسي قادم، بما في ذلك حرية العبادة والمشاركة الكاملة في الحياة العامة. كما يشدد ناشطون على أهمية إصلاح مؤسسات الأمن وتفكيك الميليشيات المسلحة لصالح بناء أجهزة رسمية قادرة على حماية جميع المواطنين دون تمييز.

المأساة التي يعيشها مسيحيو سوريا اليوم ليست مجرد أزمة محلية، بل قضية إنسانية عالمية تستدعي اهتمامًا ومواقف واضحة. استمرار نزيف الوجود المسيحي في هذا البلد يعني خسارة جزء لا يُقدّر بثمن من التنوع الإنساني والحضاري، ما يجعل واجب التضامن والدفاع عن هذه الفئة المضطهدة مسؤولية مشتركة للكنائس والمنظمات الحقوقية والحكومات على حد سواء.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا