نشرت منظمة International Christian Concern في السادس والعشرين من أيلول/سبتمبر 2025 تقريرًا موسعًا حول أوضاع المسيحيين في الشرق الأوسط، تناولت فيه التمييز القانوني الذي يتعرض له المسيحيون في الشرق الأوسط. التقرير ركّز بالاسم على أربع دول هي السعودية واليمن وتركيا وإيران، واعتبرها نماذج واضحة على سياسات رسمية تعيق ممارسة المسيحيين لإيمانهم وتضعهم في موقع المواطنين من الدرجة الثانية.
في السعودية يُمنع بناء الكنائس أو ممارسة أي شعائر مسيحية علنية، ويُعد التحول عن الإسلام جريمة عقوبتها قد تصل إلى الإعدام. وفي اليمن يضطر المسيحيون إلى ممارسة عبادتهم سرًا خوفًا من الملاحقة القانونية أو تهديدات الجماعات المتطرفة، فيما تبقى الردة جريمة بموجب القوانين النافذة. أما في إيران فيواجه المسيحيون، خصوصًا المتحولون من الإسلام، تهمًا تتعلق بـ“الأمن القومي” إذا اجتمعوا للصلاة أو وزعوا الكتاب المقدس بالفارسية، وتوثق منظمات دولية عشرات حالات الاعتقال سنويًا. وفي تركيا تُستخدم قوانين التجديف وذرائع الأمن القومي كأدوات لتقييد نشاط الكنائس، وتم تسجيل طرد قساوسة أجانب ومنع بعض الأنشطة الكنسية.
ورغم أن التقرير ركّز على هذه الدول الأربع، إلا أن منظمات حقوقية أخرى مثل Open Doors و Coptic Solidarity و USCIRF تشير إلى أن أوضاع المسيحيين في دول أخرى ليست أفضل كثيرًا. ففي سوريا، وبعد أكثر من عقد من الحرب، تقلص الوجود المسيحي بسبب التهجير والدمار، وسُجلت اعتداءات دامية مثل التفجير الانتحاري في كنيسة مار إلياس بدمشق في حزيران/يونيو 2025 الذي أوقع أكثر من 20 قتيلاً وعشرات الجرحى. كما أن بعض الأحياء المسيحية مثل باب توما اضطرت لتشكيل لجان حماية محلية بعد غياب الثقة في مؤسسات الدولة.
وفي العراق، تراجع عدد المسيحيين من 1.5 مليون قبل عام 2003 إلى أقل من 300 ألف اليوم، بعدما دمّر تنظيم داعش بلدات مسيحية بأكملها في الموصل وسهل نينوى وهجّر عشرات الآلاف. ورغم جهود إعادة الإعمار، ما زالت الهجرة مستمرة بسبب الخوف من الميليشيات والتهميش.
أما في مصر، حيث يشكل الأقباط أكبر طائفة مسيحية في المنطقة (8–10% من السكان)، فإن التحديات تتنوع بين القيود على بناء الكنائس رغم صدور قانون 2016، والاعتداءات الطائفية التي تُحل غالبًا بجلسات عرفية لا توفر العدالة. وتبرز قضية أكثر خطورة وهي اختطاف نساء وفتيات مسيحيات وإجبارهن على اعتناق الإسلام أو الزواج قسراً، وسط اتهامات للدولة بعدم توفير الحماية اللازمة وتقاعس أجهزة الأمن عن ملاحقة الجناة، ما يولّد شعورًا عميقًا بالتمييز وفقدان الثقة.
في الأردن يتمتع المسيحيون بحرية دينية نسبية ويشاركون في الحياة السياسية عبر مقاعد برلمانية مخصصة، لكن القوانين تمنع التبشير والتحول من الإسلام، كما تواجه بعض الطوائف غير المعترف بها صعوبات قانونية تحد من نشاطها. أما في لبنان فيحتفظ المسيحيون بدور سياسي محوري بموجب النظام الطائفي (حيث يشترط أن يكون رئيس الجمهورية مارونيًا)، لكن الأزمات الاقتصادية والهجرة تقلل من ثقلهم الديموغرافي وتضعف حضورهم التاريخي.
وفي دول الخليج مثل قطر والإمارات والكويت والبحرين وعُمان، يُسمح للمسيحيين بممارسة عبادتهم داخل كنائس مرخّصة، غير أن التبشير محظور تمامًا والحريات الدينية خاضعة لقيود صارمة.
هذه الصورة المتنوعة تكشف أن المسيحيين في الشرق الأوسط يواجهون درجات مختلفة من التمييز، تبدأ من التضييق القانوني وصولاً إلى العنف المباشر، ما يدفع كثيرين إلى الهجرة ويهدد بتقليص وجودهم التاريخي في المنطقة التي شهدت ولادة المسيحية قبل ألفي عام.