مثال النبي يونان والمسيح (١)

يستخدم الكثير من النقاد قصة يونان للطعن في حقيقة موت وقيامة المسيح؛ فتوجد ثلاث قضايا يستخدمها النقاد عادة من مثال قصة يونان، الذي أورده المسيح؛ سأرد على الأولى منها في هذا المقال
14 ابريل 2013 - 20:29 بتوقيت القدس

يستخدم الكثير من النقاد قصة يونان للطعن في حقيقة موت وقيامة المسيح؛ فتوجد ثلاث قضايا يستخدمها النقاد عادة من مثال قصة يونان، الذي أورده المسيح؛ سأرد على الأولى منها في هذا المقال، وهي:

هل مكث المسيح في القبر فعلاً ثلاثة أيام وثلاثة ليالٍ، كما قال؟

والفقرة التي يستشهد يها النقاد، هي عن قول المسيح:
" ٤٠ لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال.” متى ١٢.

بدايةً، من الضروري أن نعرف ماذا تعني كلمة "يوم"، بحسب النصوص الكتابية ؟

أول معنى لكلمة "يوم" هو نهار – أي من الشروق إلى الغروب:

فأول كلمة "يوم" (وهي نفسها في العبرية)، وردت في الكتاب المقدس، هي في تكوين ١: ٥؛ فعندما قال الله ليكن نور، وفصل بين النور والظلمة يقول: “وَدَعَا اللهُ النُّورَ نَهَارًا (بالعبري "يوم")، وَالظُّلْمَةُ دَعَاهَا لَيْلاً. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا وَاحِدًا.” إذًا نرى في الآية السابقة معنيين لكلمة "يوم"؛ فساعات نور النهار تسمى "يوم" (وهي حوالي ١٢ ساعة)؛ والنهار والليل معًا، يسمى "يوم" أيضًا (وهو ٢٤ ساعة).

وهنا نجد أمثلة كتابية استخدمت كلمة "يوم" ("هيميرا" ياليونانية)، للدلالة على ساعات النهار؛ كمثل الذي استأجر فعلة لنهار عمل في كرمه؛ متى ٢٠: 2 و6 و12 و19.

لكن ثاني معنى لكلمة "يوم" تعني نهارًا وليلاً معًا، أي ٢٤ ساعة:

كما رأينا في النص السابق بوضوح: “وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا وَاحِدًا” (أي ٢٤ ساعة).

فعندما نتعامل مع النصوص الكتابية التي عاصرت تلك الحضارات، يجب أن نحلل عن المدة الزمنية لمصطلح "يوم”. لذلك نرى أن الكتاب المقدس عندما يستخدم كلمة "ثلاثة أيام" للدلالة على ثلاثة أيام كاملة؛ بعد كمالها عادةً يقول النص: “ وفي اليوم الرابع..” وليس في اليوم الثالث؛ مثل: قضاة ١٩: ٤-٥ و٢ أخبار ٢٠: ٢٥-٢٦.
لكن في أحيان أخرى في النصوص، يستخدم مصطلح "ثلاثة أيام" للدلالة على ثلاثة أجزاء من أيام: كما هو في تكوين ٤٠:

" ١٢ فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ (للساقي): «هذَا تَعْبِيرُهُ: الثَّلاَثَةُ الْقُضْبَانِ هِيَ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ. ١٣ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَيْضًا يَرْفَعُ فِرْعَوْنُ رَأْسَكَ وَيَرُدُّكَ إِلَى مَقَامِكَ،.. ١٨ فَأَجَابَ يُوسُفُ وَقَالَ (للخباز): «هذَا تَعْبِيرُهُ: الثَّلاَثَةُ السِّلاَلِ هِيَ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ. ١٩ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَيْضًا يَرْفَعُ فِرْعَوْنُ رَأْسَكَ عَنْكَ، ....” وعند تحقيق الحلمين، يقول الوحي في الآية التي تليها: “ ٢٠ فَحَدَثَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، يَوْمِ مِيلاَدِ فِرْعَوْنَ،...” ونرى من النص، أن فرعون رفع الساقي، وأعدم الخباز في اليوم الثالث، وليس بعد ثلاثة أيام كاملة، أي ٧٢ ساعة.

وماذا عن مصطلح "ثلاثة ايام وثلاثة ليالٍ"؟ هل ممكن أن يعني أجزاء من أيام أيضًا؟

الجواب هو نعم، ونرى هذا من خلال قصة مردخاي وأستير، عندما قالت لمُردخاي:
“ ١٦ «اذْهَبِ اجْمَعْ جَمِيعَ الْيَهُودِ الْمَوْجُودِينَ فِي شُوشَنَ وَصُومُوا مِنْ جِهَتِي وَلاَ تَأْكُلُوا وَلاَ تَشْرَبُوا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لَيْلاً وَنَهَارًا.... ” أستير ٤.
يقول الوحي: “ ١ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ لبسَتْ أَسْتِيرُ ثِيَابًا مَلَكِيَّةً وَوَقَفَتْ فِي دَارِ بَيْتِ الْمَلِكِ الدَّاخِلِيَّةِ مُقَابِلَ بَيْتِ الْمَلِكِ، ....” أستير ٥.
وعندما وضَّح الوحي بالتدقيق كم هي الفترة الزمنية بالضبط التي صامها الجماعة إلى أن تدخل الله؛ والتي دل عليها الوحي بـ " ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لَيْلاً وَنَهَارًا”، قال الوحي، أنها كانت يومين وليس ثلاثة أيام كاملة ليلاً ونهارًا:

" ٢٧ أَوْجَبَ الْيَهُودُ وَقَبِلُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى نَسْلِهِمْ وَعَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ يَلْتَصِقُونَ بِهِمْ حَتَّى لاَ يَزُولَ، أَنْ يُعَيِّدُوا هذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ حَسَبَ كِتَابَتِهِمَا وَحَسَبَ أَوْقَاتِهِمَا كُلَّ سَنَةٍ، ٢٨ وَأَنْ يُذْكَرَ هذَانِ الْيَوْمَانِ وَيُحْفَظَا فِي دَوْرٍ فَدَوْرٍ وَعَشِيرَةٍ فَعَشِيرَةٍ وَبِلاَدٍ فَبِلاَدٍ وَمَدِينَةٍ فَمَدِينَةٍ. وَيَوْمَا الْفُورِ هذَانِ لاَ يَزُولاَنِ مِنْ وَسَطِ الْيَهُودِ، وَذِكْرُهُمَا لاَ يَفْنَى مِنْ نَسْلِهِمْ.” أستير ٩.

فممكن على سبيل المثال، أن تكون أستير قد كلمت مردخاي ظهر يوم الثلاثاء، ودخلت للملك ظهر يوم الخميس، فكانت الفترة يومين، إلا أنها عُدَّت ثلاثة أيام ليلاً ونهارًا؛ لأنها أخذت جزء من يوم الثلاثاء؛ يوم الأربعاء كامل؛ وجزء من يوم الخميس.

وهذا ما حدث للمسيح منذ الدفن إلى القيامة تمامًا؛ فوُضع في القبر جزء من يوم الجمعة؛ كل يوم السبت (وهو من غروب يوم الجمعة إلى غروب يوم السبت)؛ وجزء من ليل يوم الأحد (أي من غروب السبت إلى أن قام). فهذا كما رأينا من نصوص العهد القديم، يعتبر ثلاثة أيام؛ لأنه شمل أجزاء من ثلاثة أيام. فبحسب النصوص في أستير، حين أطلقوا صومًا ثلاثة أيام ليلاً ونهارًا، رأينا أنهما كانا يومان فقط في المدة. لذلك فمصطلح ثلاثة ايام وثلاثة ليالٍ قد تعني أنه سيمكث في القبر يومين؛ سيقوم في اليوم الثالث؛ كما قال لتلاميذه قبل الصلب:

" ٢١ مِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرًا مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ.” متى ١٦ (كذلك في متى ١٧: ٢٣ و٢٠: ١٩ ومرقس ٩: ٣١ و١٠: ٣٤ ولوقا ١٨: ٣٣). فاليوم الثالث قد يعني بعد يومين؛ وأكد على ذلك الملاكان الذان ظهرا للنساء بعد القيامة أيضًا، أنه قام في اليوم الثالث، وليس بعد ثلاثة أيام كاملة (لوقا ٢٤: ٧). وأيضًا أكد على هذا المسيح بنفسه بعد قيامته وقال للتلاميذ:
" ٤٦ ... هكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ" لوقا ٢٤.

فلماذا إذًا ذكر المسيح فترة ثلاثة أيام وثلاثة ليالٍ معًا؟
ألا تؤكد عبارة، "وثلاث ليالٍ"، على حرفية وكمال الثلاثة أيام ؟

في الواقع، كما رأينا في أستير، قد لا يعني هذا ثلاثة أيام كاملة؛ ولو عنى هذا، لقال الكتاب أنه في اليوم الرابع قام؛ كما رأينا في نصوص كتابية أخرى أعلاه.

لكن أعتقد أن الثلاثة أيام وثلاثة ليالٍ في قصة يونان (يونان ١: ١٧)، هي تعبير مجازي يعني أنها ثلاثة أيام أو أجزاء منها، لكنها أيام سوداء مثل الليل؛ سوف لا يرى فيها نورًا؛ فتكون أيام مكوثه في جوف الحوت ليالٍ، بسبب الظلمة والموت الذي رآه. وهكذا كانت أيام يونان وهو في جوف الحوت فعلاً، كما نقرأ من صلاته (يونان ٢). وهذا هو التشبيه الذي شبه المسيح به نفسه؛ لقد قضى المسيح في القبر ثلاثة أيام، أو أجزاء منها، لكنها كانت أيام سوداء؛ حيث قال الكتاب عنه أنه ذاق الموت فيها لأجل كل واحد منا (عبرانيين ٢: ٩). إذًا كلمة ثلاث ليالٍ، هي مصطلح مجازي يتكلم عن ظلمة الثلاثة أيام التي سيقضيها المسيح في القبر، مثل أيام يونان أيضًا المظلمة التي قضاها في جوف الحوت. والتي بعدها أخرج الله من موت يونان، حياة لشعب نينوى الذي عدده إثني عشر ربوة (أي عشرة آلاف)؛ وهو عشرة آلاف مرة العدد ١٢، الذي يمثل اكتمال خلاص عدد البشر. هذه هي الآية التي أعدها الله لجميع معانديه، موت المسيح وقيامته من الأموات، ليعطي حياة لجميع المؤمنين به. لأن جميع معجزات العالم سوف لا تخلص الإنسان، لكن فقط معجزة موت وقيامة المسيح، هي التي تخلص البشر من مصيرهم الحتمي، وهو جوف الحوت والهاوية؛ إلى الحياة والنعيم الأبدي.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
مقالات تابعة للسلسلة نفسها: