أدلة على وجود الله - القيم الأخلاقية الموضوعية

هنالك عدة قيم أخلاقية شخصية تتغير من شخصٍ لآخر بناء على العائلة، المجتمع، الدين أو حتى البيئة. أمّا النظرة الموضوعية فهي نظرة عامة، خارجية غير متعلقة بآراء الناس الشخصية
18 نوفمبر 2012 - 09:55 بتوقيت القدس

سأبدأ كلامي بالقول إن المقال لم يأتِ للمسّ في اﻷشخاص الذين لا يؤمنون بالله. لدي العديد من الأصدقاء الملحدين، يحبونني وأحبهم، ومن هنا أشهد أن لأغلبيتهم قيمًا أخلاقية عالية جدًا، تفوق قيمًا يدّعيها أشخاص “متدينون” كثيرون. وسوف أستخدم هذه القيم الأخلاقية الموجودة لدى جميع البشر وأشير بها إلى وجود الله.

لاحظتم أن العنوان هو حول القيم الأخلاقية الموضوعية، مع التشديد على الموضوعية (Objective). فما المقصود بها؟ الموضوعية هي عكس الشخصية أو الذاتيّة (Subjective). فهنالك عدة قيم أخلاقية شخصية تتغير من شخصٍ لآخر بناء على العائلة، المجتمع، الدين أو حتى البيئة. فمثلاً، ربما يعتبر البعض تقديم فنجان القهوة في مرحلة مبكرة من الزيارة قلة أدب، وآخرون لا! أمّا النظرة الموضوعية فهي نظرة عامة، خارجية غير متعلقة بآراء الناس الشخصية. فمثلاً، إن قلنا إنّ النظرة الموضوعيّة للمحرقة النازيّة كانت شرًّا، فستبقى كذلك حتّى لو استطاع هتلر أن يحتل العالم، ولو نجح في غسل أدمغة الجميع، أو القضاء على معارضيه بحيث اتفقت المسكونة كلّها على "صلاح" المحرقة. فمع كل ذلك، لبقيت تلكَ شرًا غير متأثرٍ بأي حدث أو رأي.

جوهر هذا المقال هو النقاش المنطقي التالي:
1. إن كان الله غير موجود، فإن القيم الأخلاقية الموضوعية غير موجودة.
2. القيم الأخلاقية الموضوعية موجودة.
3. لذلك ينتج، منطقيا، أن الله موجود.
النقاط أعلاه تطرح معادلة منطقية، ولتسهيل فهمها سأعطي نفس مبنى المعادلة بمتغيرات أبسط:
1. إن كنت غير جائع، فلن آكل.
2. أنا آكل الآن.
3. لذلك ينتج اني جائع.
فلنلاحظ معا، أنه في حال أظهرنا صحة النقطة الأولى والثانية، تنتج الثالثة تلقائيا. لذلك سنحاول أدناه إلقاء الضوء على النقطتين الأولى والثانية.

النقطة الأولى (إن كان الله غير موجود، فإن القيم الأخلاقية الموضوعية غير موجودة):
بحسب النظرة الإلحادية (بدون وجود الله)، البشر هم فقط حيوانات متطورة لا يميزهم عن باقي الأحياء إلا الذكاء. ولكن هل لدى الحيوانات قيم أخلاقية؟ عندما يصطاد الفهد الغزال ويلتهمه، هل تُحاكمُهُ شرطة الأسود لأنه مُدان بجريمة قتل؟ أو عندما يأتي القط الذكر ويُخضِع الأنثى رغمًا عنها بهدف التكاثر، أهو مدان بالاغتصاب؟ هل يأتي أخو القطة ليدافع عنها؟ كلا! فإن الحيوانات تتصرف بالفطرة والغريزة ولا تفعل الشر وتخطئ خطيئة القتل أو الاغتصاب. فمن الواضح أنه لا يوجد للحيوانات أي مقياس يقيّمون بحسبه الخير والشر.

بدون وجود الله كالمقياس المطلق للقيم الأخلاقية، يصبح كل شيء نسبيًا، وكل شيء مسموحًا، وتكون القيم مجرد أنماط سلوكية متأصلة نتيجة تطور الجنس البشري بيولوجيًا واجتماعيًا. فكما يحب البعض شراب التوت وآخرون الليمون سيفضّل البعض السلوك بطريقة معينة وآخرون بطريقة مختلفة، لأن المسألة أصبحت مسألة ذوق. وبالتالي بدون الذات الإلهية كمرساة للقيم، تـُلغى موضوعية الشر والخير. وهذا فعلا ما قاله الملحد ريتشارد دوكنز: لا يوجد شر ولا خير، لا يوجد تصميم، لا يوجد هدف للحياة، هنالك فقط اختلافات عديمة الرحمة، نحن فقط آلات لنشر الحامض النووي (DNA) . فدوكنز هنا يثني على جوهر النقطة الأولى ألا وهو، بدون وجود الله، لا توجد قيم أخلاقية مطلقة.

النقطة الثانية (القيم الأخلاقية الموضوعية موجودة):
إلى هنا، عرضنا أنه بدون وجود الله ﻻ توجد مصداقية للقيم الأخلاقية الموضوعية. لننظر إلى النقطة الثانية الآن: هل هذه القيم موجودة؟ البعض يدعي أن القيم تتغير على مرّ التاريخ نتيجة للعوامل البيولوجية والاجتماعية، مما يجعلهم يشكّكون في موضوعيّتها. إن كان لهذه العوامل تأثير، فهل يمكن أن تؤثر أيضا على حقيقة القيم نفسها؟ كلا! فمثلا المحبة ، تعريفها وماهيتها ﻻ يمكن أن تتغيّر نتيجة لتلك العوامل البيولوجيّة الاجتماعيّة، التي بدورها قد تكون مؤثّرة في طريقة تعلّمنا للمحبّة والوصول إليها أو اكتسابها أو التعبير عنها. من هنا فالطريقة التي اكتسبنا فيها هذه القيم لا تـُلغي وجود القيم نفسها.
ولربما يصر البعض على أن القيم تغيرت فيعطون مثال المثلية الجنسية، بأنها قبل عشرات السنوات اعتـُبِرت بالشيء المشين أو حتى مرض نفسي! أما الآن فالقانون تغير، وهي مسموحة ومُباحة، بل ويُشجَّع المثليون على هذا النهج في العديد من دول. وهنا يُطرح السؤال: من يقرر ما هو الصحيح؟ هل القوانين البرلمانية الدولية هي التي تقرر الخطأ والصواب؟ هل إذا سنّ قانون يسمحُ بالتحرش الجنسي بالأطفال، وأصبح ذلك الأمر مقبولُا بل مُحبّذًا في العالم، هل سيصبح ذلك الأمر فضيلة أو خيرًا!؟ كلا وألف كلا! فإن التحرش الجنسي بالأطفال كان وسيبقى شرًا مُطلقًا رغمًا عن أنف الجميع، مهما تغيرت الأحوال وإن انقلبت القوانين! أو لنأخذ مثلا عكسيا، إذا سن قانون بمنع مساعدة الفقراء، هل تصبح المساعدة شرًا؟

هل عدد الأشخاص هو الذي يقرر ما هو الصواب؟ وهل القيم هي أمر ديموقراطي؟ إذا نظرنا إلى تقليد هندي قديم لوجدنا أن لديهم عادة مقبولة (Sati) وهي إن مات الرجل يُحرق، وتُحرَق معه امرأته حيّة! لربما الأسباب التي دعتهم لفعل ذلك كانت الضغط الجماعي أو التهديد أو أي عامل آخر. ولكن وجود أشخاص عديدين مارسوا هذه العادة بالماضي، لا يُبرر صحتها. فهل هنالك من يجرؤ على الدعوة إلى ممارسة هذا التقليد الآن؟
الفيلسوف فريدرك نيتشي أنكر وجود هذه القيم الأخلاقية الموضوعية، وبالتالي أنكر قيمة الإنسان نفسه. بالمقابل، فإن الأغلبية الساحقة من البشر تعترف بوجود هذه القيم الأخلاقية الموضوعية، ربما البعض بحاجة إلى القليل من الضغط ليقتنعوا بوجودها. ومثل هذه الأمثلة تجبرهم على مواجهة الحقيقة.

ختامًا وكما رأيتم لم أتكلم كثيرا بهذا المقال عن علاقة الله الإيجابية المباشرة بالقيم الأخلاقية لدى جميع البشر، لربما يُكتب عنها في مقال آخر ولكن، كما سبق وكتبت، إن ظهرت صحة النقطتين الأولى والثانية في المعادلة المنطقية أعلاه، فالثالثة تنتج تلقائيا. رأينا أنه إن كان الله غير موجود، فلا وجود للقيم الأخلاقية الموضوعية، ورأينا أيضًا، أن هذه القيم موجودة! لذلك لا مهرب من النتيجة المنطقية المحتومة: الله موجود.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. بشارة ديب 18 نوفمبر 2012 - 16:07 بتوقيت القدس
رائع رائع
ننتظر بفارغ الصبر المقال القادم