دخول شعب إسرائيل لأرض كنعان -٤- صور صعبة ودماء

عندما نقرأ عن دخول شعب إسرائيل إلى أرض كنعان، نقف أمام صُوَرْ صعبة ومفاجئة؛ وهي قتل أناس أبرياء، مثل النساء والأطفال. فما هو السبب لسماح الله لهذا؟ ولماذا لم يعترض الله على هذا؟
26 أكتوبر 2011 - 10:23 بتوقيت القدس

عندما نقرأ عن دخول شعب إسرائيل إلى أرض كنعان، نقف أمام صُوَرْ صعبة ومفاجئة؛ وهي قتل أناس أبرياء، مثل النساء والأطفال. فما هو السبب لسماح الله لهذا؟ ولماذا لم يعترض الله على هذا؟

لكي نفهم هذه الصور الصعبة، نحتاج أن نفهم الكثير من الأمور الهامة:

١- الله بيده أرواح البشر وليس كالإنسان:

إن أكثر الأخطاء الشائعة التي نقع فيها في نظرتنا إلى عدالة الله، هي اعتبار أن الله هو إنسان مثلنا وما يجري عليه يجري علينا. وهذا المنطق كأنه يقول: "بما أنها جريمة للإنسان أن يقتل البشر، إذا فهي جريمة لله بأن يأخذ حياة البشر!!”.
هل هذا المنطق سليم؟
وفيه نحكم على عدالة الله، بناءً على مفاهيمنا ومعاييرنا البشرية للعدالة؛ بدلاً من أن يكون الله هو المقياس للعدالة.
إن الله ليس كالبشر الذين لا يمتلكون حياتهم أو حياة غيرهم، فالله يمتلك تمامًا حياة البشر وهي وديعة أعطاها لهم، ومن حقة أن يأخذها متى يشاء؛ كما تقول الكلمة في أيوب ١٢: " ١١ الذي بيده نَفَسُ كل حيِّ وروح كل البشر.”
فوديعة الحياة التي يهبها الله للإنسان هي تشبه إنسان له مبلغ من المال، وأودعه عند صديق، وبعدما رجع ليأخذ تلك الوديعة، غضب ذلك الصديق جدًا، لأن صاحب الوديعة جاء لكي يأخذها؛ هل هذا منطق سليم؟
إن الله وهو معطي الحياة، ويحق له بأن يأخذ حياة البشر كما يشاء، سواء كانوا صغارًا أم كبار. لكننا نعلم أن الله صالح، ومهما يعمل، فهو يعمله بهدف خلاص جميع البشر (ومن جهة برهان أن الله الذي كان وراء كل ما حدث، وليس مجرد ادِّعاء ليشوع، راجع المقال رقم ٢، بعنوان: "الله على رأس العملية" ).

٢- الله أراد أن يحافظ على أرواح الأبرياء:

يؤمن الكثير من اللاهوتيين (من أمثال: نورمان غايسلر وثوماس هو)، أن حياة الأطفال في العهد القديم محفوظة من الهلاك، ككونهم غير راشدين للاختيار. استنبطوا هذا الاستنتاج من ما قاله داود عندما، بعدما صام، مات ولده الأول الذي وُلد من بتشبع، وقال:
" ٢٣ ... هل أقدر أن أرده بعد؟ أنا ذاهب إليه وأمَّا هو فلا يرجع إليَّ.” ٢ صموئيل ١٢.
إذا اعتبرنا أن داود من شعب الرب الصالحين وله حياة ابدية؛ وفي نفس الوقت يقول بأنه سيذهب إلى الطفل، هذا يعني بأن حياة الطفل محفوظة في يد الله. أي أن الله عندما يسمح بأن يموت أناس أبرياء أو أطفال في عمر صغير، فذلك لكي يحفظهم من الهلاك الحتمي، بعدما ينشأوا في حضارة فاسدة كزمن الطوفان، أو كسدوم وعمورة، أو كجميع الأبكار في مصر، الذي يفترض أن الكثير منهم كانوا أطفالاً. فيعتبر الأطفال كأنهم ماتوا على رجاء المسيح؛ إلى أن يزورهم المسيح، ويكرز لهم في أيامه التي قضاها في القبر ليخلصوا (أفسس ٤: ٩ و١ بطرس ٣: ١٩-٢٠ و٤: ٦). لذلك بعدما تمم المسيح الفداء والعهد الجديد، قد أنهى الله تيار القتل والدماء، وأحل السلام ليملك على شعبه، لكي يصبح شعبه صانعًا سلامًا وليس حربًا.

٣- الله يستخدم نفس المعايير لشعبه كما لباقي الشعوب:

إن ما يجعلنا نثق بإلهنا، إله إبراهيم الحقيقي، هو أنه لا يستخدم معايير مزدوجة لشعبه وباقي الشعوب. فعندما تمردت جماعة من الشعب على موسى: قورح بن يصهار بين قهات بن لاوي وداثان وأبيرام وأليآب وأون بن فالت من بني رأوبين، مع مئة وخمسين رجلاً (سفر العدد ١٦). جعل الله الأرض تنشق وتبتلعهم مع عائلاتهم وكل ما كان لهم (مما يفترض موت أطفال معهم أيضًا٣١-٣٣).

وأيضًا عندما خالف عاخان أمر الرب، وأخذ من العنائم التي حرمها الرب، نفذ فيه يشوع قضاءً صعبًا، بنفس المعيار الذي أنزل على سكان أرض كنعان:
" 24 فَأَخَذَ يَشُوعُ عَخَانَ بْنَ زَارَحَ وَالْفِضَّةَ وَالرِّدَاءَ وَلِسَانَ الذَّهَبِ وَبَنِيهِ وَبَنَاتِهِ وَبَقَرَهُ وَحَمِيرَهُ وَغَنَمَهُ وَخَيْمَتَهُ وَكُلَّ مَا لَهُ.... 25 ... فَرَجَمَهُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ بِالْحِجَارَةِ وَأَحْرَقُوهُمْ بِالنَّارِ وَرَمُوهُمْ بِالْحِجَارَةِ." يشوع ٧.

وأيضًا لقد حكم شعب إسرائيل على قبيلة يابيش جلعاد، وهي من شعب إسرائيل؛ وذلك بسبب عدم توحدهم مع شعب إسرائيل ضد الرجاسة التي ارتكبت في جبعة بنيامين، وقتلوا جميع سكانها مع النساء والصغار (القضاة ٢١: ١٠).

وأيضًا إله إبراهيم القدوس العادل قد حذر شعبه من جميع هذا على يد موسى، بأنهم إذا تمردوا عليه ولم يطيعوا وصاياه، سوف يسلمهم إلى أمم أخرى ليتسلطوا عليهم، كما أسلم الأمم ليدهم، ويروا موت أبنائهم بأبشع ميتة.

" 47 مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ لمْ تَعْبُدِ الرَّبَّ إِلهَكَ بِفَرَحٍ وَبِطِيبَةِ قَلبٍ لِكَثْرَةِ كُلِّ شَيْءٍ. 48 تُسْتَعْبَدُ لأَعْدَائِكَ الذِينَ يُرْسِلُهُمُ الرَّبُّ عَليْكَ فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ وَعُرْيٍ وَعَوَزِ كُلِّ شَيْءٍ. فَيَجْعَلُ نِيرَ حَدِيدٍ عَلى عُنُقِكَ حَتَّى يُهْلِكَكَ.... 53 فَتَأْكُلُ ثَمَرَةَ بَطْنِكَ لحْمَ بَنِيكَ وَبَنَاتِكَ (ترى أولادك يموتون أمام عينينك بأبشع ميتة..." (تثنية ٢٨، راجع أيضًا تثنية ٣٢: ٢٥).

لقد رأينا هذا يحدث فعلاً في نصوص كثيرة، نستعرض البعض منها في أقرب فترة زمنية لهذه الكلمات، وهي من سفر القضاة:

فَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ، فَبَاعَهُمْ بِيَدِ كُوشَانَ رِشَعْتَايِمَ مَلِكِ أَرَامِ النَّهْرَيْنِ لمدة ثماني سنين (القضاة ٣: ٧-٨). وزاغ أيضًا إسرائيل عن طريق الرب، فشدد الرب عجلون ملك موآب، مع الأموريين وعماليق، عليهم وحكموهم لمدة ثماني عشرةَ سنة (القضاة ٣: ١٢-١٤). وفعل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب، فأسقطهم الرب بيد يابين ملك كنعان لمدة عشرين سنة، فاستنجد بنو إسرائيل بالرب، فأرسل لهم الرب النبية والقاضية دبورة (القضاة ٤). وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، فَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ لِيَدِ مِدْيَانَ سَبْعَ سِنِينَ." (القضاة ٦). فأرسل لهم جدعون. وتكرر نفس التمرد من بني إسرائيل مرارًا وتكرارًا، فسلمهم ليد الفلسطينيين والعمونيين لمدة ثماني عشر سنة (القضاة ١٠: ٦-٩)؛ كذلك أخضعهم لسيطرت الفلسطينيين لمدة أربعين سنة (القضاة ١٣: ١).
وبعد هذا أجرى الله قضاءً على بني بنيامين بسبب الرجاسة التي ارتكبوها باختصاب أحد نساء بني لاوي. فحرك الرب بني إسرائيل لتأديبهم فقُتل في ذلك اليوم خمسة وعشرين ألف وستمائة رجل (القضاة ٢٠)؛ وكان كنتيجة لهذا، أن قبيلة بنيامين بأكملها تقريبًا قُطعت من إسرائيل (القضاة ٢١: ٦-٧)؛ وانتهى سفر القضاة بتلك المأساة الكبرى.

ربما يقول قائلين من ديانات أخرى: "ونحن أيضًا تمر شعوبنا في حالة تسلط شعوب أخرى عليهم وألم لأنهم بعيدين عن الدين أو عن الله.”

إن هذا التوجه مختلف تمامًا عما نراه في تلك النوصوص، إن الشعب أُسلم إلى تسلط الشعوب الأخرى، مع وجود رسالة نبوية إليه، يفسِّر فيها الله للشعب لماذا حدث ما حدث. ليس كالديانات الأخرى، التي يتركهم إلههم الصامت حائرين، دون أي إعلان إلهي أو نبوي، يقول لهم لماذا حدث ما حدث، وماذا يريدهم أن يفعلوا. فنرى في كل فترة العهد القديم حوارًا مستمرًأ بين الله والشعب، مما يبرهن أنه بالحقيقة أن الله يحكم على شعبه بالشريعة الإلهية؛ على سبيل المثال، في قضاة ١٠:

" 10 فَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ: «أَخْطَأْنَا إِلَيْكَ لأَنَّنَا تَرَكْنَا إِلَهَنَا وَعَبَدْنَا الْبَعْلِيمَ». 11 فَقَالَ الرَّبُّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: «أَلَيْسَ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَبَنِي عَمُّونَ وَالْفِلِسْطِينِيِّينَ خَلَّصْتُكُمْ؟ 12 وَالصَّيْدُونِيُّونَ وَالْعَمَالِقَةُ وَالْمَعُونِيُّونَ قَدْ ضَايَقُوكُمْ فَصَرَخْتُمْ إِلَيَّ فَخَلَّصْتُكُمْ مِنْ أَيْدِيهِمْ؟ 13 وَأَنْتُمْ قَدْ تَرَكْتُمُونِي وَعَبَدْتُمْ آلِهَةً أُخْرَى. لِذَلِكَ لاَ أَعُودُ أُخَلِّصُكُمْ. 14 اِمْضُوا وَاصْرُخُوا إِلَى الآلِهَةِ الَّتِي اخْتَرْتُمُوهَا. لِتُخَلِّصْكُمْ هِيَ فِي زَمَانِ ضِيقِكُمْ». 15 فَقَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِلرَّبِّ: «أَخْطَأْنَا فَافْعَلْ بِنَا كُلَّ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكَ. إِنَّمَا أَنْقِذْنَا هَذَا الْيَوْمَ». 16 وَأَزَالُوا الآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ مِنْ وَسَطِهِمْ وَعَبَدُوا الرَّبَّ، فَضَاقَتْ نَفْسُهُ (أي نفس الرب) بِسَبَبِ مَشَقَّةِ إِسْرَائِيلَ."

ما أعظم إلهنا المبارك الحي الشخصي، نرى في هذه النصوص، ونصوص أخرى كثيرة، حوارًا مستمرًا ما بين الله والإنسان. حقًا أنها شريعة إلهية؛ دور الله وصوته المستمر، واضح فيها. من خلاله يفسر الله للإنسان خطأه، ويفتح له المجال للتوبة لكي يرحمه بالحق، لأنه إله مُحب ورحيم، لكنه إله حق وعدل أيضًا، لكنه يدير الحق بالرحمة والمحبة.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا