هوية المجموعات

ماذا يقول لنا الله هنا؟ يمكننا أن نتحول من هذه الأفكار الرديئة التي تأتينا من "الإنسان العتيق"، ونسمح لروح الله من خلال "الإنسان الجديد" أن يشغلنا بالمسيح. ونحن نشكر الله أنه من خلال عمل الرب يسوع
07 مارس 2019 - 16:07 بتوقيت القدس

في تجربة بحثية أدخلوا أشخاصًا لغرفة فيها لوحتين، وطلبوا من كل واحد على حدة أن يشير إلى أكثر لوحة أحبها، وعلى هذا الأساس وزعوا الأشخاص لمجموعتين، مجموعة اللوحة الأولى ومجموعة اللوحة الثانية. أعضاء كل مجموعة لم يلتقوا معًا، ولكن كل منهم عرف تصنيفه لمجموعته المبنية فقط على اختياره للّوحة، ثم أعطي مبلغ مالي لكل شخص على حدة، وقيل له أنه لا يمكنه استخدامه لمتعته الذاتية، بل عليه أن يوزعه على المجموعتين وفقًا لما يراه مناسبًا.

هذا البحث تمّ في العديد من دول العالم، وأشارت نتائجه إلى أن توزيع المبلغ المالي حصل بثلاث طرق:
ربح متساوٍ: تقسيم المبلغ بشكل متساوٍ بين المجموعتين (وقد كان معدل النتائج بخصوص استخدام هذه الطريقة بنسبة أقل من 5%).

الربح الأعلى: أعطى الشخص لمجموعته قسمًا أكبر قليلًا من المبلغ الذي أعطاه للمجموعة الأخرى، أي تقسيم شبه متساوٍ مع تفضيل قليل لمجموعته (كان معدل استخدام هذه الطريقة بنسبة 20%-35%).

الفجوة الكبرى: أعطى الشخص لمجموعته القسم الأكبر من المبلغ وأعطى للمجموعة الأخرى قسمًا ضئيلًا جدًا (كان معدل استخدام هذه الطريقة بنسبة 60%-80%).

الاستنتاج: التوجّه البشري يخدم غالبًا تعظيم الهوة بين مجموعتي والمجموعة الأخرى، حتى ولو كان الرابط ضعيفًا ووهميًا بين أعضاء المجموعة، وحتى وإن لم تجمعهم أية علاقات أو أهداف مشتركة، فكم تكون هوة التفرقة والتمييز أكبر لو كانت هنالك أهدافًا حقيقية أو مصيرية بين أعضاء المجموعة، أو في حالة وجود صراع مصيريّ بين المجموعتين. على ما يبدو من البحث أن التوجه ربح- ربح، أي الحفاظ على الفائدة والربح الأكبر للمجموعتين معًا، ليس قويًا في عالمنا الواقعي. 

يمكننا أن نرى صحّة هذا النتائج في الحياة اليومية وعلى كل المستويات: السياسية، القومية، الدينية، الطائفية، العقائدية، العائلية، المجتمعية، الإقتصادية، الثقافية، المهنية، وغيرها... فقط اختر أحد المجالات فتجد فيضًا من الأمثلة والنماذج.

حتى بيننا نحن المؤمنين الذين وُهِبنا طبيعة جديدة، طبيعة سماوية، نرجع في كثير من الأحيان للطبيعة القديمة، طبيعة التمييز والانقسامات فيما بيننا، كما أبدع الوحي من خلال بولس الرسول في توثيق هذا الأمر في أروع تصوير في عتابه بل توبيخه للكورنثيون "لأَنِّي أُخْبِرْتُ عَنْكُمْ يَا إِخْوَتِي مِنْ أَهْلِ خُلُوِي أَنَّ بَيْنَكُمْ خُصُومَاتٍ. فَأَنَا أَعْنِي هذَا: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَقُولُ: «أَنَا لِبُولُسَ»، و«َأَنَا لأَبُلُّوسَ»، وَ«أَنَا لِصَفَا»، وَ«أَنَا لِلْمَسِيحِ». هَلِ انْقَسَمَ الْمَسِيحُ؟ أَلَعَلَّ بُولُسَ صُلِبَ لأَجْلِكُمْ، أَمْ بِاسْمِ بُولُسَ اعْتَمَدْتُمْ؟" (1 كورنثوس 1: 11-13).

حقًّا حان الوقت لنرتقي لطبيعة أسمى، طبيعة سماوية معطاة لنا بالنعمة الإلهية، ترى في كل إنسان قيمته الرائعة الفريدة التي ثمنه بها شخص الرّبّ يسوع بموته لأجله على الصليب. فلنخرج لمجتمعنا وللناس من حولنا، دون أن نُصنفهم أو نميزهم في مجموعات، مقدمين لكل إنسان منهم المحبة وكلّ خير. ولنطلب نعمة وحكمة سماوية في هذا الأمر ليعيننا الرّبّ، وليكن افتخارنا ليس مرتكزًا على مجموعاتنا، مع أنّ وجود المجموعات وانتماءنا لها ليس سلبيًا بحدّ ذاته، بل فيه الكثير من الإيجابيات، لكنّ سلبياته تتفوق على إيجابياته عندما نغذي روح التقوقع أو الإكتفاء بمجموعتنا، أو اعتبارها فوق كل اعتبار، أو التعصّب والعنصرية، فليكن افتخارنا دومًا وأبدًا في الرّبّ. «مَنِ افْتَخَرَ فَلْيَفْتَخِرْ بِالرَّبِّ» (1كورنثوس 1: 31).

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا