السامري الصالح روعة البساطة (ج1)

قصة السامري الصالح تبدأ بسؤال أحد علماء الناموس، وجّهه للرّبّ يسوع بهدف أن يجربه ويوقع به. الرّب بنعمته تابع مع السائل لأهمية وخطورة محتوى السؤال وارتباطه بمصير كل إنسان
15 مايو 2018 - 00:37 بتوقيت القدس

(لوقا 10: 25 -37)

قصة السامري الصالح

ما أحوج عالمنا اليوم لأشخاص يتمثلون بموقف وسيرة السامري الصالح، بدل أن تكون الصبغة الشائعة صبغة اللصوصية القاتلة، والفوقية الاستعلائية، والأنانية اللامبالية.

السامري الصالح

قصة (مثل) السامري الصالح تبدأ بسؤال أحد علماء الناموس، وجّهه للرّبّ يسوع بهدف أن يجربه ويوقع به، ومع علم الرّبّ بهدف السؤال، ولكنه بنعمته تابع مع السائل لأهمية وخطورة محتوى السؤال وارتباطه بمصير كل إنسان، فاستخدمه الرّب ليكون مفتاحًا لنور متزايد. استفسر السائل عن كيفية الحصول على الحياة الأبدية، «يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟»، فحفّز الرّبّ السائل على استخراج جُددًا وعتقاء من كنز الكلمة المقدسة، إذ سأله في كيفية فهمه لجواب الناموس على السؤال الذي طرحه، وفعلًا أجاب الناموسيّ إجابة وافية شافية، «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ»، وقد شهِد لصحتها الرّبّ يسوع، وتحداه للعمل بموجبها «بِالصَّوَابِ أَجَبْتَ. اِفْعَلْ هذَا فَتَحْيَا»، أما هو فإذ حاول أن يزكي نفسه، وأن يُخفي عُظم الهوة الواقعة ما بين الادراك الذهني للأمور وما بين التطبيق العملي الحياتيّ، تهرّب بطرح سؤال آخر «وَمَنْ هُوَ قَرِيبِي؟»، ولتحنن الرّب علينا وطول أناته لم يوبّخه، ولم يعطه جوابًا فلسفيّ من برج عاجيّ، بل قصّ له قصة تدخل قلب كل انسان صادق، يفهمها البسطاء كالحكماء. حكى له قصة الانسان المسكين الذين وقع في أيدي لصوص، فنهبوه وضربوه وتركوه مطروحًا على حافة الموت، وكيف أنّ الكاهن واللاوي لم يتقدما لمساعدته، ولكنّ سامريًا قدم له كل ما باستطاعته وأخذه معه ليعتني به حتى يتعافى. وكانت رغبة الرّب أن يقود السائل لإدراك أهم الحقائق الروحية، وليتمثل بالقدوة الصالحة لعمل الرحمة والخير «اذْهَبْ أَنْتَ أَيْضًا وَاصْنَعْ هكَذَا».

فيما يلي بعض الوقفات والتأملات في رحاب متنزّه السامري الصالح:

1. أهم سؤال على الإطلاق:

لقد سأل الناموسي الرّبّ يسوع: «يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟» (لوقا 10: 25)

يعتبر هذا السؤال أهم وأخطر سؤال على الإطلاق لأنه يتعدى الاهتمام بالحياة الحاضرة الزائلة، إذ أنّ "أَيَّامُ سِنِينَا هِيَ سَبْعُونَ سَنَةً، وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْقُوَّةِ فَثَمَانُونَ سَنَةً، وَأَفْخَرُهَا تَعَبٌ وَبَلِيَّةٌ، لأَنَّهَا تُقْرَضُ سَرِيعًا فَنَطِيرُ" (مزمور90: 10)، فهو سؤال يتعدى الاهتمام بأمور دنيوية مهمة، يرتفع فوق الاستفسار عن أمور حياتية ضرورية: كيف سأعيش على هذه الأرض؟ ماذا سأتعلم؟ من سأتزوج؟ ماذا سأشتغل؟ وكيف سيكون مستقبلي وحياتي هنا؟ وكيف سيكون مستقبل أفراد عائلتي؟

نعم إنه سؤال يُعبر عن امتداد البصر والبصيرة إلى إدراك مفهوم الحياة الحاضرة ودورها الأساس في تمجيد الله والارتقاء نحو الله وطلب الحياة العتيدة والاستعداد لها.

هنالك تنوع ما في مجموعة نصوص لنفس مضمون السؤال، ونجدها مغروسة هنا وهناك في صفحات كتاب الحياة، وهي صادرة عن مقاصد مختلفة لتنوع بشري، وفيها إشارة لحاجة أعمق وأعظم من الحياة الحاضرة. فعلى سبيل المثال وجّه رئيس لليهود وقد كان غنيًا جدًا سؤالًا مشابهًا ليسوع بقوله «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟» (لوقا 18: 18 ومتى19: 16)، وقد عبّر بولس الرسول عن حالة التيهان والضياع التي امتلكته إذ أدرك تعاسة واقعه، فسأل الرّبّ الذي أعلن ذاته له في الطريق لدمشق «يَا رَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟» (أعمال9: 6، 22: 10)، وتوجّه حافظ السجن في فيلبي لبولس وسيلا المسجونين بعد أن لمس مجد الرّبّ وعظمته في أرجاء السجن، وَقَالَ: «يَا سَيِّدَيَّ، مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ لِكَيْ أَخْلُصَ؟» فَقَالاَ: «آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ». (أعمال16: 30-31)، كما أنّ حوار الرّبّ يسوع مع نيقوديموس في (يوحنا 3: 1 - 21) ينصبّ في هذا المضمون ويلقي عليه نورًا سماويًا، فمع أن نيقوديموس لم يُدرك كيف يصيغ السؤال ليعبر عن الحاجة الحقيقة، ولكن الرب يسوع بحوار متفهم مشوّق يوضح له ضرورة الولادة الجديدة، أي الولادة من فوق لنيل الحياة الأبدية.

2. دليل الحياة المُطلق: كلام الرّبّ

بالرغم من علم الرّب وادراكه للهدف الخبيث المتخفي في سؤال الناموسي، ورغبة منه في كشف طريق الحياة الأبدية له، يقوده الرّب في ردّ على سؤاله الهام بسؤال في غاية الدّقة، فَقَالَ لَهُ: «مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ. كَيْفَ تَقْرَأُ؟» (لوقا 10: 26)، في هذا السؤال يوجّه الرّب عالم الناموس ليدرك الحقّ وطريق الحياة المُعلن في كلام الرّبّ، فكلام الرّبّ ربّ الكلام، وبذلك يؤكد له أن الجواب على أهم سؤال على الاطلاق يجده في الكتاب، فيحثه على التفكير وفهم روح كلمة الحياة، مؤكدًا له غنى هذا الكنز المُتاح بين يديه. فالكتاب ليس عبارة عن صحيفة للتصفح، بل هو كتاب دليل الحياة، هو بوصلة الاتجاه الصحيح للعلاقة مع الرّبّ، هذا السؤال «... كَيْفَ تَقْرَأُ؟»، يأخذنا مباشرة لسؤال المبشر فيلبس عندما وجّهه روح الرّبّ ليلتقي مع الوزير الحبشي وهو في طريق عودته من أورشليم إلى بلاده، وقد كان يقرأ نبوات تصِف وتُصَوِّر آلام وموت الرّبّ وقيامته المجيدة في سفر اشعياء (ص 53)، فسأله «أَلَعَلَّكَ تَفْهَمُ مَا أَنْتَ تَقْرَأُ؟» (أعمال8: 30)، فطلب الوزير الحبشي ارشاده ليزيح الستار ويكشف له شخص المتنَبأ عنه، "فَفَتَحَ فِيلُبُّسُ فَاهُ وابْتَدَأَ مِنْ هذَا الْكِتَابِ فَبَشِّرَهُ بِيَسُوعَ." (أعمال8: 35).

نعم، كلمة الرّبّ من التكوين إلى الرؤيا، تُبيّن لنا محبة الله العظيمة التي بانت وتجسدت في شخص الرّبّ يسوع، الذي هو موضوع أسفار الكتاب. لذلك يمدح بولس معرفة تلميذه تيموثاوس فيشجعّه قائلًا: "وَأَمَّا أَنْتَ فَاثْبُتْ عَلَى مَا تَعَلَّمْتَ وَأَيْقَنْتَ، عَارِفًا مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ. وَأَنَّكَ مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ، الْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ، بِالإِيمَانِ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ" (2تيموثاوس3: 14 -17). فاقرأ كلمة الرّبّ بروح الصلاة، ليكشف لك روح الرّبّ المقاصد الإلهية المخصصة لك شخصيًا، صلِّ: "اكْشِفْ عَنْ عَيْنَيَّ فَأَرَى عَجَائِبَ مِنْ شَرِيعَتِكَ" (مزمور119: 18).

(يتبع...)

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا