أشارككم بقصة من تراث والدي سمعان، الذي ينعم الآن برفقة السماء، سمعتها أكثر من مرة وفي عدة محاضر، فكان يقول: يُحكى أنه في قديم الزمان توسَّل شاب لصديقه ليأخذه معه للحرب لرغبته الشديدة في مشاهدة الحرب عن كثب، وكان صاحبه يرفض ذلك ويؤكد له أن الحرب ليست لعبة أو مسرحية للمشاهدة والتسلي ولا تجربة ممتعة بل هي مخاطرة كبيرة قد تودي بالحياة، ولكن لكثرة توسله وإلحاحه انصاع لرغبته وأخذه معه. وما أن اقترب من ساحة المعركة وإذا سهم يخترق جمجمته، فتمّ نقله للطبيب. عندما رأى الشاب وهو في حالته هذه حيرة الطبيب وهو يتفحصه، سأله: ما الوضع؟ فأجابه الطبيب، أن السهم دخل عميقًا في جمجمته وبالتالي يخاف أن يخرجه تحسُبًا لحصول ضرر للدماغ. عندها قال الشاب للطبيب: "ولا يهمك يا دكتور، أخرج السهم دون خوف، لأنه لو كان عندي دماغ أصلًا ما ذهبت للحرب."
يظن البعض أن عليهم تجريب كل أمر ليحكموا عليه بأنفسهم، فمنهم من يتورط بالمخدرات والسُكر والانفلات الجنسي وغيرها...
لست ضدّ المغامرات، ولكن قبل كل مغامرة يجب حساب النفقة، تحكيم العقل وتفعيل ميزان الفرص مقابل المخاطر. الحكيم هو من يقدّر خطورة الأمور من خلال المعرفة وتجارب الآخرين. لذلك علينا أن نأخذ حياتنا على محمل الجدّية، لئلا ندخل في تجربة "اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ، وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ." (مرقس14: 38)، ولكيلا نجرّب الرّبّ إلهنا "قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «مَكْتُوبٌ أَيْضًا: لاَ تُجَرِّب الرَّبَّ إِلهَكَ»". (متى4: 7، لوقا4: 12)، ولندرك أننا نحن أنفسنا غالبًا ما نكون سبب مصائبنا، "لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: «إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ»، لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا. وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ. ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا." (يعقوب1: 13-15)، إذ "لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ. وَلكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا." (1كورنثوس10: 13)، وبالتالي علينا الاهتمام بالآخرين ومساعدتهم ״أَيُّهَا الإِخْوَةُ، إِنِ انْسَبَقَ إِنْسَانٌ فَأُخِذَ فِي زَلَّةٍ مَا، فَأَصْلِحُوا أَنْتُمُ الرُّوحَانِيِّينَ مِثْلَ هذَا بِرُوحِ الْوَدَاعَةِ، نَاظِرًا إِلَى نَفْسِكَ لِئَلاَّ تُجَرَّبَ أَنْتَ أَيْضًا." (غلاطية6: 1)، ولننتبه من تجربة محبة المال، فالمال بركة من الرّبّ ما دام وسيلة كريمة للعيش ولكنه سرعان ما يتحول للعنة عندما يُصبح هدف الحياة، "وَأَمَّا الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ، فَيَسْقُطُونَ فِي تَجْرِبَةٍ وَفَخٍّ وَشَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ وَمُضِرَّةٍ، تُغَرِّقُ النَّاسَ فِي الْعَطَبِ وَالْهَلاَكِ. لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ." (1تيموثاوس6: 9-10)، لذلك لنرفع قلوبنا بالصلاة طالبين "وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ." (متى6: 13)