المسيحيّة: هل هي دين أم ماذا؟ - الجزء الثاني

‏لا بد لنا أولا أن نعرف ما هو الدّين، ثم نعرف ما هي المسيحيّة من مصدرها الحقيقي والوحيد، أي الكتاب المقدّس. بعد ‏ذلك نقارن بين المسيحيّة والدّين لنكتشف إن كان تعريف الدّين ينطبق على المسيحيّة أم لا...
13 فبراير 2016 - 20:15 بتوقيت القدس

هل المسيحية دين ام ماذا؟

المسيحيّة وديانات العالم: عنوان هذه الدراسة الموجزة هو "المسيحيّة: هل هي دين أم ماذا"؟ وللجواب على هذا السؤال، ‏لا بد لنا أولا أن نعرف ما هو الدّين، ثم نعرف ما هي المسيحيّة من مصدرها الحقيقي والوحيد، أي الكتاب المقدّس. بعد ‏ذلك نقارن بين المسيحيّة والدّين لنكتشف إن كان تعريف الدّين ينطبق على المسيحيّة أم لا، وبذلك نجيب على السؤال ‏المطروح أمامنا.‏

تناولت في الجزء الأول من هذه الدراسة الموجزة تعريف كلمة "دين" لغويّاً، واستخدامها في الكتاب المقدّس. وفي هذا الجزء، ‏سأناقش معنى وتعريف الدّين بشكل عام، وخاصّة في استخدام الكلمة في حياة النّاس اليوميّة، وما تقوله العلوم المختلفة ‏والفلسفة عن الدّين. وفي الجزء الثالث والأخير سأقدم تعريفاً كتابيّاً للمسيحيّة ومفارقتها لديانات العالم.‏

ما هو الدين؟: هل يوجد تعريف لكلمة أو مصطلح "دين" يتفق عليه جميع الناس في العالم؟ وهل وجد مثل هذا الإتفاق على ‏تعريف "الدّين" في أي عصر من عصور التّاريخ؟ إن الجواب البسيط والمباشر لهذا السؤال هو: لا. فمنذ سقوط آدم وحواء في ‏خطية عصيان الله، وحتى يومنا هذا، اختلف الناس في طرق التعبير عن قناعاتهم ومحاولاتهم في الوصول الى الله أو الآلهة المتعددة ‏التي ابتكرها العقل البشري. وكانت هذه الإختلافات وما تزال سبب انقسامات وصراعات وحروب وغدر وقتل وموت ودمار. ‏حتى في المرحلة الجنينيّة الأولى من وجود الإنسان على الأرض، ارتكب قايين جريمة قتل أخيه هابيل، وذلك لأن قايين أراد ‏التّقرب الى الله بطريقته الخاصّة، أي عن طريق دين اخترعه لنفسه، وذلك بتقديم قربان من ثمار عمله في الأرض، بدلاً من تقديم ‏ذبيحة دمويّة للتكفير عن خطاياه. ومع أن الله أعطاه فرصة للتوبة، إلا أن قايين رفض دعوة الله وارتكب اوّل جريمة في التّاريخ. ‏أي أن الدين والتّدين كان سببا في إيجاد الحقد والحسد والقتل منذ بدأ تاريخ البشريّة.‏

وحتّى اليوم، وبعد ان قطعت البشرية مشواراً طويلا في البحث، وبعد ان ازدادت المعرفة بشكل هائل، لم يتفق النّاس، ولن ‏يتّفقوا أبداً، على وضع تعريف محدد للدّين. بل يمكنني القول وبملء الفم، أن كل إنسان في الوجود له تعريفه وفهمه الخاص ‏للدّين، وكيف يجب أن يؤدي طقوس الدّين ويتتم واجباته الدّينية.‏

يعتبر الدين في نظر الكثير من المتدينين بأنه شيء مقدّس وحقل للمعرفة مستقل تماماً عن باقي حقول المعرفة في نظرته للخلق ‏وللوجود وللكون وللانسان. وهو موضوع نقاش وجدال وصراع بين الناس. وتعتبر عقائد وطقوس ومواضيع الدين من ‏المواضيع المثيرة للجدل، والتي تخضع لتحليل العلماء والفلاسفة والمفكرين، طبقا لنظرياتهم في الفلسفة والمعرفة. وعادة يقود ‏البحث في الدين إما الى الإيمان والقبول به، أو الى الشك به ورفضه وبالتالي الإلحاد. ‏
‏ 
تعريف الدين كما هو في واقع الحياة العمليّة: هو عبارة عن مجموعة شرائع ووصايا وأوامر يجب أن تطاع وتتبع، وذلك ‏بغض النظر عن أنواع هذه الشرائع وتعددها، وأحياناً تناقضها، ومصدرها وقيمتها المعرفية، وعقلانيتها ومنطقها. ويرتكز نوع ‏من الوعي الديني على الإعتقاد بوجود قوة فوق طبيعية خلقت البشر وتتحكم بمصائرهم حسب إرادتها ومشيئتها، وما عليهم ‏سوى الخضوع لهذه الإرادة العليا وتنفيذ أوامرها. كما ويرتكز الوعي الديني أيضا على الإيمان برسل وأنبياء ودورهم فى هداية ‏الناس، معتبراً البشر مجرد أتباع للدين.‏

الدين عند الملايين في شرق آسيا هو مجموعة حركات رياضية، وحوار مع الطبيعة، وطاقة نفسية، وتراث السلف وكتبهم ‏وطقوسهم. أي أن هذا النوع من الدين لا يرتكز على وجود المقدس أو الإله، ومع ذلك يسمي جملة ما يتبناه ديناً.‏

الديانة التوتمية حسب علماء الأنثروبولوجي، هي من أقدم الديانات التى تعبر عن عبادة الإنسان للطبيعة فى شكل عبادة توتم ‏حيواني أو نباتي. ويسمى أبناء القبيلة فى الديانة التوتمية بإسم إحدى النباتات أو الحيوانات التى يعتقدون انهم جاءوا منها، ‏ويحرمون على أنفسهم قنص الحيوان التوتم أو قتله أو أكله،كما يحرمون إستعماله أو قطفه إن كان نباتا. ويصل التحريم أحيانا ‏إلى حد حظر لمس التوتم و مناداته بإسمه أو النظر إليه. ويتخذ التوتم شعارا للقبيلة وأساسا للقرابة بين أفرادها. ويؤمن عابدي ‏التوتم فى قدرته على حماية القبيلة من الأخطار والأعداء.‏

إذا درسنا جوانب المعرفة المختلفة والعلوم المتعددة التي استنبطها أو اكتشفها أو ابدعها العقل البشري، فإننا سنجد أن كل ‏حقل من حقول المعرفة قد وضع مجموعة غير محددة من التعاريف لكلمة "دين". فعلى سبيل المثال، لو أخذنا المدارس ‏الفلسفيّة المختلفة، فإننا سنجد أن كل مدرسة فلسفية لها تعاريفها الخاصّة للدّين. وهذا الكلام ينطبق على علم الإجتماع ‏بتفرعاته ومدارسه الكثيرة، وكذلك علم النفس، وعلم الإنسان (‏Anthropology‏)، والعلوم السّياسيّة الكثيرة، وغيرها ‏من العلوم.‏

علم النفس والدين: إختلفت تعاريف علماء النفس للدين بسبب تنوع مواقفهم واتجاهاتهم الفلسفية. ولكون مدارس علم ‏النفس متباينة ومتعددة، فهنالك من اعتبر الدين عرضا للأمراض والصراعات النفسية التي يجب علاجها. وهنالك من رأى فيه ‏نزعة مغروسة في أعماق النفس الإنسانية وغريزة موجودة عند جميع البشر. ‏
‏ 
يقول عالم النفس والفيلسوف الألماني الأمريكي إريك فروم بأن الدين:"مذهب للفكر والعمل تشترك فيه جماعة بشريّة ما ‏ويعطي للفرد إطارا للتوجه وموضوعا للعبادة". ‏
‏ 
والدين عند الطبيب النمساوي سيجموند فرويد، هو رد فعل لجريمة قديمة ونوع من الوهم، وذلك لإرتباطه بالرغبات وليس ‏بالحقيقة. ويضيف فرويد بأن الدين ظهر بدافع جنسي وذلك عندما أحس أبناء الجيل الأول للبشرية برغبة جنسية جامحة تجاه ‏أمهم. ولكن عنف وسلطة الأب منعهم من تحقيق عملهم الجنسي مع الأم، لذلك أقدم الأبناء على قتل الاب ليستأثروا بالأم. ‏ولكن الذي حصل بعد ذلك هو ندم الابناء على قتل أبيهم، لذلك قرروا تقديسه وعبادته ليتخلّصوا من الصراع النفسي في ‏ذواتهم، وليكفروا عن جريمتهم البشعة بحق أبيهم. فنشأ الدين وطقوسه المختلفة.‏
‏ 
علم الإجتماع والدين: ينظر علم الاجتماع الى الدين كظاهرة اجتماعية يصنعها البشر بهدف إيجاد مخرج وحلول للمشاكل ‏التي تواجه الناس في حياتهم. والدين كظاهرة اجتماعية وواقع، غير الدين كعقيدة وشريعة، وذلك بسبب تنوع طرق ممارسة ‏الدين في الاماكن والدول المختلفة. وحتى داخل الطوائف المتعددة لكل دين.‏

يقول عالم الإجتماع الفرنسي اميل دوركايم، وهو أحد مؤسسي علم الإجتماع الحديث، بأنه يجب أن ينطبق تعريف الدين على ‏جميع الديانات، ولتحقيق ذلك ينبغي البحث عما هو مشترك بين جميع الديانات المعروفة. لذلك فقد عرف الدين بكونه: ‏مجموعة من المعتقدات والرموز والممارسات المتأسسة على المقدّس، والتي توحد بين المومنين في مجتمع ديني اجتماعي. وبما أن ‏الدين يرتكز على المقدّس، فإنه في رأي الدكتور إميل دوركايم، لا يجب الإعتقاد بإن المقدّس يعني "الإله" فقط، بل هو أي شيء ‏يعظمه البشر. لذلك فالمقدّس قد يعني اله أو بشر أو رموز أو سلوكيات أو كائنات معينة. أي كل ما يملأ قلوب الناس رهبة ‏وخشية، ويحرم المساس به إذا كان الاقتراب منه لا يهدف إلى عبادته وتقديسه. وهذا التقديس يقوم على الصلاة وعلى ‏التقرب للمقدّس طلبا للعون وتحقيق مطالب دنيوية أو أخروية.‏

يرى العالم الأسكتلندي جيمس فريزر بأن الدين هو نشاط بشري سببه خوف الناس من الظواهر الطّبيعيّة، وحاجتهم للسكن ‏والطعام. وقد ظهر الدين بعد السحر بقصد التوسل لقوى ما وراء الطبيعة. (راجع كتابه الضخم "الغصن الذهبي").‏
‏ ‏
الفلسفة والدين: تقدم الفلسفة أقوالاً وتعاريفاً لا تحصى في ما يخص الدين. وفهم الفلاسفة للدين يكون إمّا لتعظيمه أو ‏الانتقاص منه وإزدرائه والحط من شأنه. ومن أقوال الفلاسفة:‏
‏*الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون: الدين رد فعل تقوم به الطبيعة ضد الإنحطاط الفردي والتفكك الإجتماعي.‏
‏*الفيلسوف الألماني أندرياس فيورباخ: ينظر الى الدين كغريزة تدفعنا نحو السعادة . ‏
‏*الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط: الدين يعني معرفة الواجبات كلها بإعتبارها أوامر إلهية.‏
‏*الفيلسوف الألماني جورج فلهم فردريك هيغل: الدين هو سمو الروح من المتناهي الى اللا متناهي. ‏
‏*الفيلسوف الألماني كارل ماركس: الدين مرحلة من مراحل تطور الفكر البشري، وهو أداة للاستغلال الإقتصادي ووسيلة ‏لضمان مصالح الطبقة الحاكمة. أي أن الدين في الفكر الماركسي الشيوعي هو تقليد أسطوري غير علمي وغير تقدمي. فالدين ‏فكر ظلامي يتبناه الفقير والمسكين والمخدوع تسكينا للآلام و إنتظارا للسعادة في عالم ما بعد الموت الذي لن يتحقق حسب ‏الماركسية. ولذلك فعلى البلوريتاريا، أي الطبقة العاملة، أن تنظم نفسها في حزب سياسي حتى تستطيع الثورة على الطبقة ‏المستبدة، ومن ثمة القضاء على الدين والنظام الرأسمالي، و إحلال العلم محل الأسطورة وبناء مجتمع سعيد. ‏
‏*الفيلسوف الألماني فريديرك إنجلز: كل دين هو إنعكاس وهمي فى دماغ البشر للقوى الخارجية التى تسيطر على وجودهم ‏اليومي. هذا الإنعكاس الذى تتخذ فيه القوى الأرضية شكل قوى فوق أرضية. فهو يعتبر الدين نتاجا أرضيا مثله فى ذلك ‏مثل كل أشكال الوعي الأخرى. فالدين يجد تفسيره لا فى السماء بل فى الأرض فى واقع البشر وفى شروط حياتهم المادية. ‏

من جملة تعاريف الدين يمكننا استنتاج ما يلي:‏

‏*لم يكن هنالك دين في جنة عدن، وليس هنالك دين في ملكوت الله.‏
‏*الدّين مرتبط بسقوط الإنسان في الخطيّة.‏
‏*الدّين هو محاولة بشريّة لمعرفة ما يريده الله وما لا يريده. ‏
‏*الدّين هو محاولة بشريّة للصعود إلى الأعلى، بينما وحي الله الحقيقي يأتي من الأعلى إلى أسفل. فالله جاء إلى البشر بصورة ‏إنسان، أما البشر فإنهم يحاولون بجهودهم البشريّة الخاصّة الوصول إلى الله.‏
‏*الدّين هو محاولة استبدال عمل الله بالجهود البشريّة. ‏
‏*الدّين يعني تحدي إرادة الله، لذلك فكل دين البشر فاشل.‏
‏*الدّين يعبّر عن غرور النّاس، ولكن دون أي رجاء.‏
‏*في الدّين والتديّن يضع النّاس خططاً وبرامج. وبذلك يبتعدون عن إعلان الله بإعطاء البديل البشري ورفض ما يريده الله.‏
‏*لا يمكن للدّين أن يعبّر عن الحق، بل هو باطل بالكامل حيث لا علاقة للدّين مع الله.‏
‏*الدّين هو وضع ما يصنعه النّاس في مكان وحي الله المقدّس، وأن يصنع النّاس إلهاً على صورتهم.‏
‏*الدّين لا يستطيع أن يصمد أمام نعمة الله. في حين أن وحي الله ينكر ويلغي الدّين.‏
‏*يضبط الدين سلوك الأفراد بمجموعة من المعايير والقيم الأخلاقية ذات الطابع المطلق التي تطلب من الناس القناعة والرضا ‏وطاعة أولى الأمر.‏
‏*الدّين فاشل لأنّه نشاط بشري ناقص وساقط، فقد فشل الدّين في الماضي، وهو بلا أمل في المستقبل.‏
‏*الدين من القضايا المقدسة، وقلما ينتقده الإنسان بمسؤولية وموضوعية.‏
‏*الدين لا يعرف المساواة ولا يقرها، حتى بين أتباعه أنفسهم.‏
‏*الدين يميز ويفرق بين الناس، من منطلق اجتماعي وأخلاقي ظاهري وسطحي.‏
‏*الدين لا يأمر أتباعه بإعطاء أتباع الأديان الأخرى نفس المعاملة التي يعطونها لأخوتهم في الدين؟
‏*للدين تأثير هائل في حياة الناس وقلوبهم وعقولهم وتوجيه سلوكهم ومصيرهم في الحياة الدنيا والآخرة. ‏
‏*الدين عند الناس لا يقبل التعدد ولا يقبل النقد أو المحاكمة.‏
‏*الدين إرث يصعب على الناس الشك فيه أو إخضاعه للمساءلة لأنه بحسب فكرهم رسالة من الخالق للبشر.‏
‏*الدين سلاح خطير يستخدم لتخدير الناس و ترويضهم ودفعهم للإستسلام.‏
‏*أتباع أي دين لديهم عقلية الخضوع والخنوع لكل ما هو سائد بإعتباره نابعا من المشيئة الإلهية.‏
‏*تغيير دين شخص واعتناقه لدين آخر يعتبر جريمة في نظر المتدينين، لأنه يهدد كيانهم ويولد لديهم الإحساس بالهزيمة ‏والفشل، لذلك يشرّع الدين جريمة قتل الناس بحجة الارتداد عن الدين.‏
‏*كثرة الأديان و تناقضها كانت وستبقى سببا لإلحاد الكثيرين ورفضهم للدين وعقائده.‏
‏*يصور الدين الكون وكأنه لغز يعجز الإنسان عن فهمه، وهو بذلك يكرس السلبية فى المجال المعرفي، ويقف أمام أي إستعمال ‏خلاق للفكر البشري، وأمام أي تفكير نقدي بإعتباره تحديا للإله وسقوطا فى الرّدة والزندقة.‏

بشاعة الدين: الدين هو أحد المكونات الرئيسية للإيديولوجيا السائدة فى الوطن العربي، ومن خلاله تتحصن الطبقات ‏المهيمنة تجاه كل نقد يمكن أن يطال ممارساتها على مختلف الأصعدة. أي أن إضفاء الشرعية الدينية على حكمها يجعلها في ‏مركز لا يرقى اليه الشك أو القدح. أي أن الحكام ورجال الدين يجدون في الدين وسيلة وسلاح إيديولوجي تستعمله بما يوافق ‏مصالحها لتخدير الشعب وإبعادهم عن التفكير بالواقع. ويقبل الناس دين قادتهم تسكينا لآلامهم وهروبا من واقعهم. وما ‏تزال الإيديولوجيا الدينية تسيطر منذ قرون عديدة على عقول الناس، فالغباء الإيديولوجي يتخذ من الدين سلاحا له. وما ‏تزال الجماعات الدينية الموغلة فى ظلاميتها تبرر الأوضاع الاجتماعية القائمة باستخدام الدين، وتعمل على عودة الجماهير إلى ‏عهود منحطة تسميها أفضل القرون.‏

الدّين كان ولا يزال السبب الاول والأكبر لمعظم المجازر والحروب التي عصفت بالبشرية. وفي كل بلد يتحكم فيه دين معين، ‏تتحول البلد مباشرة الى دولة دموية قاتلة وفاشلة. ويستغل الدين لتبرير الظلم والشر والجرائم والمؤامرات والقتل والسرقة ‏والإغتصاب والزنا واحتلال أراضي الغير وسحق كرامة وإنسانية الناس خدمة لرب الدّين. كما ويستخدم الدين في قهر ‏أجناس من الناس بسبب عرقهم ولونهم وأصلهم،. ويتم إذلال النّاس وزجهم في السّجون وحتّى قتلهم بابشع الصّور بحجة ‏الكفر والإلحاد والزندقة. فالدين يجعل الإنسان يرى الاخر بعين حاقدة بسبب اختلافه معه في دينه او مذهبه او عقيدته. أي ‏أن الدين هو سبب بشع للجرائم والمؤآمرات وشتم الناس وقتلهم وطردهم من أوطانهم وسرقة بيوتهم وكل مقتنياتهم. الدّين ‏لعنة على الجنس البشري.‏

يكذب رجال الدين في ادعائهم بأنه لا يجبر الناس على البقاء في دين آباءهم وأجدادهم، أو ادخالهم في الدين غصباً. ويردون ‏على نقادهم باقتباس عبارات من كتب دينهم. ولكن حقائق التّاريخ الدّامغة تقول بأن ملايين من الناس أرهقتهم الجزية ‏والمعاملة غير الكريمة فدخلوا مجبرين في الدين. ومع ذلك يدعي رجال الدين بحريّة الدين. حتى الطّقوس والأعمال الدّينية ‏تفرض على الناس بالقوة، مثل الصوم والصّيام وارتداء ملابس محددّة وأكل وشرب أنواع من الطعام والشّراب دون غيرها.‏
‏ 
الدين لا ولم ولن يؤثر على أخلاقيات الناس حتى بعد قرون عديدة من وجوده، وذلك لأنه مفروض بالوراثة أو الخوف وليس ‏بالاقناع أو نتيجة للدراسة والبحث واستخدام العقل. في الواقع إن الدين يحتقر العقل ويعتمد على النقل. ويجب على الناس ‏أن تحترم الدين قسراً وأحياناً كثيرة عن طريق الضرب والتهديد بالحرمان والمقاطعة وحتى بالقتل.‏

يخشى القائمون على الدين من تحول أتباعهم عنه إذا سمحوا لأتباع الديانات الأخرى بنشر دينهم في المناطق الخاضعة لهم. ‏فالقائمون على الدين لا يضعون أي اعتبار لعقول الناس، حتى المتعلمين منهم. ولا يثقون في مقدرتهم على الثّبوت أمام حجج ‏الفريق الآخر، ولذلك تكون أفضل وسيلة لحفظ الناس في حظيرة الدين هي المنع التام للدعوة أو للتبشير بدين آخر. أي أن ‏منع الدعوة لدين آخر جاء حفاظاً على هذا الدين الهش. والإغرب من ذلك هو منع التبشير بمذهب آخر لنفس الدين. ‏فيبدو أن إيمان المتدين بدينه إيمان ضحل لا يقوى حتى على مقارعة المتدينين من مذاهب أخرى، ناهيك عن ديانات أخرى.‏

يعرف رجال الدين أن بقاء الناس في الحظيرة مرتبط بجهلهم بالديانات الأخرى وبدينهم نفسه، زيادةً على التخويف من ‏العذاب، لذلك يحرصون على حجب أتباعهم من الاطلاع على أي شيء فيه نقد لدينهم أو إشادة بدين آخر، ويشددوا على ‏أن عقاب ذلك هو القتل. أي أنه كلما زاد الجهل في العالم،كلما ضمن رجالات الدين بقاء الناس في الحظيرة وعدم خروجهم ‏منها حتى لا يتبعوا الديانات الأخرى. فدين يكون بهذه الهشاشة لابد أن يُفرض على الناس عن طريق الجبر والإكراه والعصا ‏كي لا يتركوه.‏

ولأن الدين فُرض بقوة السيف واستمر ويستمر عن طريق الإكراه وليس الاقناع، يشعر رجال الدين بمركّب نقص أمام الأديان ‏الأخرى، ولذلك نجدهم يهاجمون بقية المعتقدات ويتهكمون على أتباعها ويعتقدون أن تهميشها يؤدي إلى تقوية دينهم. ‏والأنظمة الحاكمة والمستفيدة من تحكم رجالات الدين في الجماهير تساعدهم على ذلك.‏

يحتاج الدين الى عدد ضخم من رجال الدين وغيرهم ممن يعملون في هيئات دينية متنوعة. أي أن الدين يحتاج إلى جيش مهمته ‏خدمة ذلك الدين. والمشكلة الكبرى في الدين هي برمجة عقول المتعلمين من المتدينين ولو عن طريق الإكراه. ويظل المتدينون ‏في الحظيرة بالإكراه والدجل والشعوذة واستحضار الشياطين. ومن يجرؤ على الخروج من الحظيرة يقتلوه أو يسجنوه أو يجردونه ‏من كل ممتلكاته ويقاطعونه اجتماعياً واقتصادياً، ويحتقرونه ويصفونه بأبشع وأحط الصفات.‏

أنشد الشاعر الضرير أبو العلاء المعري ضد فرض الدّين على النّاس بالقوة قائلاً:‏

أتوكم بأقوالهم والحسا م يسد به زاعم ما زعم
جلوا صارماً وتلوا باطلاً وقالوا صدقنا، فقلنا نعم

أي أن الشاعر المعري انتقد استخدام السيف الصارم وتلاوة الكلام الباطل، والإدعاء بأنه كلام صادق. وبسبب الخوف من ‏سيف الدين المسلط على الرّقاب، يخضع الناس ويقولون "نعم" لمن يحمل السيف.‏

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. عاطف نادر 14 فبراير 2016 - 16:47 بتوقيت القدس
مقال رائع مقال رائع
سمك لبن تمر هندى