إشارات إلى العهد القديم – ج9‏: جواز فعل الخير يوم السبت

يتضمّن الأصحاح الثاني عشر، في الإنجيل بتدوين متى، خمس نقاط رئيسية؛ 1 إلقاء المسيح ‏ضوءً على روح الشريعة أمام الفَرِّيسِيينَ حينما قالوا له إن تلاميذه قطفوا سنابل وأكلوا، ما لا ‏يحلّ عمله يوم السبت...
24 نوفمبر 2015 - 21:46 بتوقيت القدس

يتضمّن الأصحاح الثاني عشر، في الإنجيل بتدوين متّى، خمس نقاط رئيسية؛ 1 إلقاء المسيح ‏ضوءً على روح الشريعة أمام الفَرِّيسِيِّينَ حينما قالوا له إن تلاميذه قطفوا سنابل وأكلوا، ما لا ‏يحلّ عمله يوم السبت 10 إبراء المسيح رَجُلًا يابس اليد في السبت 22 إبراؤه مجنونًا أخرس ‏وأعمى فتكلّم وأبصر 38 جوابه على سؤال الكتبة والفريسيين إذْ طلبوا إليه أن يريهم آية- ‏معجزة 50 ألّا تَحُول تعلّقات الطبيعة دون خدمة الله! فكلّ مَن يعمل مشيئة الله هو أخو المسيح ‏وهي أخته وهي أمّه. وتاليًا توجد في هذا الأصحاح خمس إشارات إلى العهد القديم، هي التالي:

ـــ ـــ ـــ

الإشارة الأولى

في قول المسيح: {أمَا قَرَأْتُمْ مَا فَعَلَهُ دَاوُدُ حِينَ جَاعَ هُوَ والَّذِينَ مَعَهُ؟ كَيْفَ دَخَلَ بَيْتَ اللهِ وأَكَلَ ‏خُبْزَ التَّقْدِمَةِ الَّذِي لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ لَهُ ولاَ لِلَّذِينَ مَعَهُ، بَلْ لِلكَهَنَةِ فقطْ}+متّى 12: 3-4 مشيرًا إلى ‏سِفر صموئيل الأوّل 21: 6 وإلى سِفر اللاويين 24: 5-9 عِلمًا أنّ خُبْزَ التَّقْدِمَةِ هو الإثنا ‏عشر رغيفًا الموضوعة قدّام قدس الأقداس في هيكل الله.

الإشارة الثانية

في قول المسيح: {أَوَمَا قَرَأْتُمْ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ الْكَهَنَةَ فِي السَّبْتِ فِي الْهَيْكَلِ يُدَنِّسُونَ السَّبتَ وهُمْ ‏أَبْرِيَاء؟}+متّى 12: 5 ومعنى قوله أبرياء: لا خطيئة محسوبة عليهم مِن جرّاء هذا العمل. ‏والإشارة إلى سِفر العدد 28: 9 ‏

الإشارة الثالثة

في قول المسيح: {فلَوْ عَلِمْتُمْ مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحةً، لَمَا حَكَمْتُمْ عَلَى الأَبرِيَاء!}+متّى ‏‏12: 7 والإشارة إلى سِفر صموئيل الأوّل 15: 22 وسِفر هوشع 6: 6 وسِفر الجامعة 4: 17 ‏وهذه (أي آية الجامعة 4: 17) موجودة في بعض ترجمات الكتاب المقدَّس المنشورة على ‏الانترنت، كالمشتركة والكاثوليكية، بينما لم تدوَّن في ترجمة فاندايك المنشورة على الانترنت ‏ولا في كتاب الحياة، ولا أدري السبب. عِلمًا أنها الآية الأخيرة في هذا الأصحاح. لذا اقتضى ‏التنويه.‏

الإشارة الرابعة

في قول المسيح: {أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ يَكُونُ لَهُ خَرُوفٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ سَقَطَ هذا فِي السَّبْتِ فِي حُفْرَةٍ، ‏أَفَمَا يُمْسِكُهُ وَيُقِيمُهُ؟ فالإِنسَانُ كَمْ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْخَرُوفِ! إِذًا يَحِلُّ فِعْلُ الخَيرِ في السُّبُوت}+ ‏متّى 12: 11-12 والإشارة إلى التثنية 22: 4 ‏

أمّا بعد فقد اقتطفت من تفسير القمّص تادرس يعقوب ما معناه: [لقد سمح السيّد المسيح ‏لتلاميذه بأن يقطفوا سنابل للأكل في السبت، ما أثار حفيظة الفرّيسيّين (1) فهُمْ لم يعترضوا ‏على قطف سنابل الغير، لأنّ الشريعة في التثنية 23: 25 قد سمحت به محبة ورحمة، لكنهم ‏اعتبروا هذا نوعًا من الحصاد والتذرية (2) الممنوعَين يوم السبت. لذا أراد السيّد أن يرتفع ‏بالفرّيسيّين إلى ما فوق مفهوم السبت الحرفي، كاشفًا لهم أنّ الله، حتى في السبت، قد سمح ‏بأفعال المحبة والرحمة والخير التي تبدو في حَرفيّتها محرَّمة. كذا داود النبي والملك؛ ما كان ‏متهاونًا بالوصيّة ولا متراخيًا، لكن لم يكن أمامه طريق آخر! فلم يُحسب بأكلِه من ذلك الخبز ‏كاسرًا الوصيّة سواء هو ومَن معه. عِلمًا أنّ السيّد المسيح قدَّسَ السبت بقوله عن نفسه، في ‏الآية التالية مباشرة، إنه رَبُّ السَّبْت] انتهى.‏

ولم ينشغل السيد عن عمل الخير، على رغم اعتراض الفرّيسيّين! فنقرأ في الآية التالية مباشرة ‏أيضًا: {ثُمَّ قالَ لِلإِنسَان: مُدَّ يَدَك. فمَدَّها. فعَادَتْ صَحِيحَةً كالأُخرى} آمين.‏

يسوع وتلاميذه بين السنابل

الإشارة الخامسة

نقرأ تاليًا في الآية 14 من الأصحاح وما بعدها: {فلَمَّا خَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ تَشَاوَرُوا عَلَيْهِ لِكَيْ ‏يُهْلِكُوهُ، فعَلِمَ يَسُوعُ وانصَرَفَ مِنْ هُناك. وتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ فَشَفَاهُمْ جَمِيعًا. وأَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ ‏يُظْهِرُوهُ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعياءَ النَّبيّ القائِل: هُوَذا فَتايَ الَّذِي اخْتَرتُهُ، حَبيبي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ ‏نَفسِي. أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ الأُمَمَ بالْحَقّ...} وقول إشعياء النَّبيّ مدوَّن في سِفره، وتحديدًا ‏بداية الأصحاح 42‏

أمّا بعد فقد تخطر في ذهن القارئ-ة الأسئلة الأربعة التالية عمّا تقدَّم: ‏
1. لماذا أراد الفريسيون قتل السيد المسيح؟
والجواب: حسدًا! لأن حجّة السيد كانت أقوى من حجّتهم، كما جرت العادة، وتعليمه أسمى من ‏تعليمهم. فقد نظر السيد في أعماق الشريعة، مبيِّنًا معناها الجوهري وهدفها السّامي. أمّا هم فلم ‏ينظروا إلى أعمق ممّا على سطحها وتقيَّدوا بالحرف واهتمّوا بالمعنى الظاهري. وهنا؛ قال ‏القمّص تادرس في تفسيره: [لمّا حسد إخوة يوسف أخاهم تمجّد هو، أمّا هم ففقدوا سلامَهمْ] ‏وقد أضاف إلى تفسيره قول القدّيس يوحنّا الذهبي الفم في الحسد: [إنك لا تضر مَن تحسده ‏وإنما تضرب داخلك بالسيف] وأضاف أيضًا قول القدّيس باسيليوس الكبير: [كما يُفسِد الصدأ ‏الحديد، هكذا يبدّد الحسد النفس التي يسكنها ويهلكها تمامًا. فالحسد ألمٌ ينبع عن نجاح الغير، لذا ‏فإنّ الحاسد لن يعيش بغير ألم ولا تفارقه كآبة الذهن] انتهى

‏2. كيف عَلِم يسوع بما تشاور الفريسيّون؟
والجواب: لأنّ يسوع ربّ! أنْ {ليس أحد يَقْدِرُ أن يقول "يسوع رب" إلّا بالروح ‏القدس}+1كورنثوس 12: 3 والرب {هُوَ الفاحِصُ الكُلَى والقُلُوب}+رؤيا 2: 23 لذا عَلِم ما ‏في قلوبهم في أزيد من مناسبة وسَمِع تشاورهم، ما لم يخطر في بال أحد منهم. ‏

‏3. لماذا انصرف يسوع من هناك؟
والجواب: لأسباب عدّة؛ منها أوّلًا: {لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ ‏الْعَالَمُ}+يوحنّا 3: 17 ثانيًا: أن ساعته، أي ساعة تسليمه لليهود، لم تأتِ بعد. ثالثًا: لم ينصرف ‏عنهم خوفًا- حاشا- لأنّ سلطانه عظيم (3) رابعًا: لتعليم السيد المسيح أتباعه عرض الخدّ ‏الآخر في الخصام (لوقا 6: 29) خدّ المحبة مجبولًا بالوداعة والتسامح والعفو عند المقدرة، ‏فهو القائل: {اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً ‏لِنُفُوسِكُمْ}+ متّى 11: 29 خامسًا: لكي يعلِّم أتباعه ألّا يقاموا الشّرّ، بل الانصراف عنه ‏والابتعاد والهرب. ومعلوم أن العائلة المقدَّسة قد هربت إلى مصر لأَنَّ هِيرُودُسَ المَلِك كان ‏مُزْمِعًا أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ (متّى 2: 13) فمكتوب: {ليَ النَّقْمَةُ أَنا أُجَازِي يقول ‏الرب}+رومية 12: 19 في العهد الجديد والتثنية 32: 35 في العهد القديم.‏

والسؤال الرابع والأخير: لماذا أوصى ألّا يُظْهِرُوهُ؟
والجواب بقلم هنري أ. أيرونسايد: [تبعَتْ يسوعَ جماهيرُ غفيرة من عامّة الشعب. كثيرون ‏منهم كانوا مرضى، شفاهم جميعًا. لكنّه أوصاهم ألا يُذيعوا أنباء قدرته المذهلة والعجيبة. فهو ‏لم يأتِ لكي يُثير دهشة في أذهان الناس بقدرته على صنع المعجزات، بل جاء ليُظهِر تلك ‏الوداعة والتواضع اللذين كان أشعياء النبي قد تنبأ بأنّهما سيتجلَّيان في المَسِيّا عندما يظهر] ‏انتهى.‏

 

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا