الصليب في الحياة والمَلاعـب

أصبح الصليب رمزًا مسيحيًّا حَيًّا للتديّن ومصدر فخر واعتزاز لكل متديّن-ة، لأنه يرمز إلى الفداء والخلاص اللذَينِ بِهِما خصّ الله- جلّ شأنه- البشر أجمع.
26 يونيو 2014 - 01:14 بتوقيت القدس

أصبح الصليب رمزًا مسيحيًّا حَيًّا للتديّن ومصدر فخر واعتزاز لكل متديّن-ة، لأنه يرمز إلى الفداء والخلاص اللذَينِ بِهِما خصّ الله- جلّ شأنه- البشر أجمع، بعدما كان الصلب أحد الوسائل التقليديّة البشعة لتنفيذ حكم الإعدام، سواء قبل ميلاد السيد المسيح- له المجد- وبعده. وبعدما كان كلُّ مَن عُلِّق على خشبة ملعونًا من الله (تثنية 23:21 وغلاطية 13:3) لماذا؟ لأنّ الملعون هو الذي "لم يسمع لصوت الرب إلهه ليحرص أن يعمل بجميع وصاياه وفرائضه" – تثنية 15:28 وليس هذا فحَسْبُ؛ إذ تعدّت معاني الصليب الأبعاد الماديّة صوب الرّوحيّة منها.

تأمّلات في صليب المسيح

ومن التأمّلات الروحيّة: [اشتهى اليهود صَلب السيد المسيح للتخلّص منه بالصليب، بينما كان الأنبياء يشتهون أن يجلسوا تحت ظل المصلوب، قائلين على لسان العروس: "تحت ظِلِّه اشتهيت أن أجلس وثمرتُهُ حُلوة لحَلْقي" (نشيد الأنشاد 2: 3) هذا الصليب الذي سَحَبَ قلوبَ المؤمنين ليترنموا مع الرسول بولس قائلين: "وأمّا من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلّـا بصليب رّبنا يسوع المسيح الذي به قد صُلِبَ العالَمُ لي وأنا للعالم" - غلاطية 6: 14 ...
وقد حَمَل السَّيِّدُ المسيحُ صَليبَه (يوحنّا 19: 17) على كتِفه علامة مُلكه كقول إشعياء النبي: "وتكون الرئاسة على كتفه" (إش 9: 6) وقد رُمِز له بإسحق الذي حمل خشبة المحرقة إلى موضع الذبيحة (تكوين 22: 6) وفي الطريق إذ سقط السيد تحت ثقل الخشبة مرات عدّة سُخِّرَ الجندي سمعان القيرواني ليحمل الصليب (مرقس 21:15) فصار يُمثّل الكنيسة التي تشارك عَريسَها آلامَه لتنعم بقوّة قيامته وشركة أمجاده السماوية...] انتهى (1)

هندسة الصليب

وقد تأمّلتُ، شخصيًّا، في عَظَمة محبّة الله حين تساءلت: لماذا اختار الربُّ موتَ الصليب تحديدًا، في وقت اخترع البَشَرُ وسائلَ للإعدام لا حصر لها، منها ما يبدو أقسى من الصّليب وأبشع؟ فاستوحيت من دراستي فصل اللاهوت العقائدي، في لبنان، أنّ الرب قد مهّد في أقوال كثيرة لفهم معنى صليب الآلام في قوله: { ومَن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقّني} - متّى 38:10 فأين التمهيد؟ إنه في الآيات اللائي سَبَقن الآية الثامنة والثلاثين في الأصحاح العاشر عينه. وأين ثِمار هذا الصليب؟ إنّهُنّ في الآيات اللاحقات مباشرة. لذا أدعو إلى مراجعة هذا الأصحاح لتقصّي الحقائق. لكنّ معدن صليب الآلام هذا هو المحبّة. كيف؟ والجوابُ- تأمُّلًـا لا تفسيرًا: لقد رَسَمَ الرَّبُّ يسوعُ صليبَهُ في إجابتِهِ أحَدَ ناموسِيِّي الفَرِّيسِيِّين إذ سألَ الرَّبَّ عن أعظم وصايا الناموس- أي الشريعة: {الأُولى والعُظْمَى: تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ... والثّانِيَةُ مِثْـلُها: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ} – متّى\ الأصحاح 22 وغيره (2) فتأمّلت في الوصيّة الأولى فوجدتُ رَسْمَها في الخشبة العمودية، لأنّ حُبّ الله نَشَاطٌ متجّه إلى أعلى بالفكر والقلب. أمّا رسم الوصية الثانية ففي الخشبة الأفقية، لأنّ هذا النشاط يتّجه أفُقيًّا صَوبَ القريب، الأخ الإنسان؛ أيًّا كان عِرقُه ولونُه وجنسُه وفِكرُه وعقيدته. فإذا اعتُبر الصليب من الأشكال الهندسيّة فإنّ الكلمة التي تجب كتابتها فوق منطقة تقاطع الخشبتين (أي تلاقيهِما) هي المحبّة. وأمّا مهندسُ الصليب فهو الله يقينًا، مِن أجْل إتمام الفِداء فالخَلـاص.

الصليب في الحياة

لقد قرّرت الهجرة إلى خارج العراق في بداية التسعينيّات لأن الحياة في الوسط الذي عشت فيه باتت صعبة ومهدّدة بالخطر. فتوجّهتُ إلى البوّابة الوحيدة والمشروعة آنذاك صوب الأردنّ. وقد اضطُررتُ إلى تجديد الإقامة المؤقتة أزيد من مرّة والأوضاع في العراق تتغيّر من سيّء إلى أسوأ. فقلتُ لكاهن عملت معه في أحد أديرة الأردنّ: لقد ضقت ذرعًا بقانون التجديد المذكور فساعدني في الحصول على تأشيرة سفر إلى الدولة "الفلانية" فقال لي: أينما ذهبت فهناك صليب ما بانتظارك! فقلت: لعلّي أجد هناك صليبًا أخفّ حملًـا. وفي النهاية وصلت إلى ما أردت، حتّى تحقّقت نبوءة الكاهن المذكور. فلم أجد مكانًا خاليًا من الصلبان إلّـا المكان الخالي تمامًا من ظلال البشر؛ لأنّي أحببت البحث والدراسة ولا مدرسة خالية من الصليب. وأحببت العمل ولا معمل بلا صليب ولا مزرعة ولا مستشفى ولا أيّة دائرة رسمية أو شبه رسمية. وأحببت السفر ولا سفرة واحدة بدون صليب. وأحببت الموسيقى والأدب والعلم والرياضة وفي كل منها صليب بدرجة معينة من الثقل. لذا فلا حياة بدون صليب. لكنّ الحقّ يُقال: إنّ المكان الخالي من الصلبان لا راحة فيه ولا خدمة ولا بهجة، إنّما الهدوء فقط وهذا يسهل الحصول عليه حتّى في أكثر المدن ضجيجًا. فمَن قال إنّ مدينة أفلاطون الفاضلة قامت بدون صلبان، أم تمّ بناء جنائن بابل المعلَّقة وأهرام مِصر وسور الصّين العظيم وسائر عجائب الدنيا القديمة والحديثة بدون صلبان؟ لذا فإنّ الصليب موجود ضمنيًّا قبل الميلاد.

الصليب في الحياة

الصليب في الملاعب

سأخصّ ملاعب كرة القدم لأنّ هذه الكرة أكثر شعبية عندنا من سِواها. فقلّما تابعت مباراة غربيّة بدون رصد عدد من اللاعبين وهم يرسمون علامة الصليب حين يدخلون إلى الملعب وحين يخرجون منه. ورسم هذه العلامة يدلّ على إيمان اللاعب بوجود الله، متّبعًا طريق السيد المسيح، حتّى إذا كان بعيدًا عن مظاهر التديّن الأخرى كالصلاة الجَماعيّة والصوم. وقد يسأل سائل اثنين: ما أهميّة رسم هذه العلامة في الملعب وأمام الجمهور؟ وإذا أدّى اللاعب واجبه خلال المباراة فما سبب رسمه العلامة بعد الخروج من المستطيل الأخضر؟

فجوابًا على السؤال الأوّل- كما أظنّ: قبل بدء المباراة؛ يسأل اللاعب الرب الإله، بغضّ النظر عن الجمهور، أن يدعمَهُ صحيًّا ومعنويًّا كي يؤدّي دوره في الملعب بنجاح. كأنما يقول: "علَيكَ تَوَكَّلتُ فلا أخزَى ولا يَشمَتُ بي أعدائي" – مزمور 2:25 لكنّ خصوم الملعب ليسوا بأعداء، إلّـا إذا اعتبر الخصمُ نفسَهُ عَدُوًّا أو اعتبر خصمَهُ عدوًّا. وهذا يُخالف التعاليم المسيحية التي حثّت على محبّة القريب والمعاملة بالمثل إيجابيًّا (عامِلِ الآخَرين كما تتمنّى أنْ يُعاملوك) التي اختلفت عن المعاملة بالمثل سالبيًّا (العين بالعين...) بل حثّت على محبّة الأعداء أيضًا: {أحِبّوا أعداءَكم...} – من موعظة الجبل في بشارة متّى \ الأصحاح الخامس.

أمّا جوابي على السؤال الثاني؛ لعلّ المراد برسم علامة الصليب بعد الخروج من المستطيل المذكور هو أنّ اللاعب توجّه لله بالشكر عرفانًا بجميل الدعم القويّ والمتواصل من لَدُن الله. والشكر فعل واجب في جميع الظروف والأحوال، أي حتّى الصعبة منها. فغالبًا ما كنت أشكر الرّبّ على الصّليب الذي أهدانيه لأنه لم يُحمِّلني صليبًا أثقل منه كالذي خصّ به غيري. لكنْ هنيئًا لمن سأل الله صليبًا ثقيلًـا أو أثقل الصلبان، تيمّنًا بصليب السيد المسيح إذ فاقت آلامُه قدرة احتمال الإنسان كثيرًا، ابتداءً بالمحاكمة فالجَلد فطريق الجلجثة فالصّلب. وقد لاحظت من خلال تجارب شخصيّة أن الله حمّلني صُلبانًا غالبًا ما استطعتُ حملها أو تحمّلها فشكرًا جزيلًـا لله. وفي حالة الصليب الثقيل كنتُ ألجأ إلى الربّ نفسه لأنّه قال: {تعالوا إليّ يا جميع المُتعَبين والثقيلي الأحمال وأنا أُريحُكُمْ} – متّى 28:11

أخيرًا؛ لهذا وذاك، بقِيَ صليب المسيح حَيًّا في الحياة وفي الأذهان، كلّ وقت وكلّ مكان.

1
من تفسير القمّص تادرس يعقوب بشارة مرقس \ الأصحاح 15 وتوجد تأمّلات كثيرة، في معرض تفسير هذا الأصحاح، في مواقع التفسير المسيحي المنتشرة عبر الإنترنت.

2
أنظر-ي لطفًا مرقس\ 12 ولوقا\ 10 ورسالة الرسول بولس إلى روما 9:13 ورسالته إلى غلاطية 14:5 ورسالة الرسول يعقوب 8:2

انا للمسيح - كاكا

 I BELONG TO JESUS
أنا أنتمي إلى يسوع

 

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا