مثقف غير آبه!

لكن الشخص المثقف في القرن الواحد والعشرين يتميز بحب الاستطلاع، انه يسأل كثيراً ويهتم بامور الحياة. انه مطلّع على امور الحضارات المختلفة والسياسة وعلم الاجتماع والاقتصاد. انه قارئ ومتنبه لأخبار الدنيا. للمثقف اطلاع في شؤون كثيرة.
06 يوليو 2012 - 12:44 بتوقيت القدس

يتشدق كثير من المثقفين من المسيحيين العرب بكونهم لا يأبهون بأمور الايمان (أو "الدين"- وهو المصطلح الذي يفضّل البعض استخدامه ولن اتطرق هنا للفرق بينهما). سأخص بالذكر هنا الفئة منهم التي تجهل امور دينها المسيحي من قريب ومن بعيد وتتحلى بالصدق لكي لا تدعّي انها مطلّعة على شؤونه وتفاصيله. رغم ثقافتها وإلمامها بشؤون كثيرة غير ان هذه الفئة تجنبت عمداً امور دينها. بحسب توجهها - الدين هو سبب الفرقة والخلافات بين الناس. لكون المسيحيين اقليّة عدديه، فإنها ترى ان التنصل من ايماننا المسيحي وحتى عدم الاطلاع عليه هو مساهمة من طرفنا لتقارب ابناء الشعب الواحد. انها تطمح ان يتنصل ابناء الديانات الاخرى من دياناتهم وهكذا نجتمع جميعاً على اساس ثقافة غير دينية مشتركة وهكذا يطيب العيش.

اعتقد ان هذا التوجه مؤسس على خطأين جسيمين ينتميان لمستويين مختلفين. احدهما خطأ مصيري والثاني ارضي.

بما يختص بالأول، طبعاً لا يمكن الالمام أو حتى الاطّلاع البسيط على كل شؤون الحياة اذ هي لا نهائية والمعلومات فيها لا نهائية ايضاً. لكن الشخص المثقف في القرن الواحد والعشرين يتميز بحب الاستطلاع، انه يسأل كثيراً ويهتم بامور الحياة. انه مطلّع على امور الحضارات المختلفة والسياسة وعلم الاجتماع والاقتصاد. انه قارئ ومتنبه لأخبار الدنيا. للمثقف اطلاع في شؤون كثيرة.

هل كنا نقول عن شخص ملم للغاية بشؤون المغنين ولاعبي كرة القدم فقط بأنه مثقف؟ اعتقد ان الاجابة سلبية، والسبب هو اننا نتوقع من المثقف ان يطلّع على امور اكثر اهمية ومصيرية من مجرد ترفيه الغناء والرياضة. ومن هنا فانه من المفروض ان يولي المثقف اهمية للشؤون المهمة والاساسية في الحياة. الديانات على اصنافها هي الوحيدة الذين تدّعي وجود حياة بعد الموت. قوام الحياة على الأرض سبعين أو ثمانين عاماً على الأكثر، بينما ما توعده الديانات هو حياة رغد من السنين اللانهائية بعد الموت. هل اهمال موضوع بهذه الاهمية القصوى وحتى عدم الاطلاع عليه، يناسب شخص يدّعي انه مثقف؟ حين حفروا بأيديهم هذا الشق من الجهل بامور دينهم - خلع هؤلاء عن ذواتهم صفة المثقفين.

الخطأ الثاني لهؤلاء المثقفين يتعلق بمدى تطبيقه ونجاحه على الارض الواقع. فالدين اصلا هو عنصر هام للغاية من هوية كل انسان ولا يمكن نزعه من مكونات الشخصية بشكل اصطناعي. بتر مميزات عنصر الدين من الهوية لارضاء الآخرين لا يكسبنا احترام الغير وخاصة في مجتمعنا الشرقي. التنصل من الايمان المسيحي وحتى عدم الاطلاع عليه عند هؤلاء المثقفين لم يقد في الماضي لتكوّن شريحة لا دينية من ابناء الديانات المختلفة –شريحة متسامحة لا تشوب علاقاتها ببعض شائبة الدين المختلف والمفرّق. فالحق يقال ان المثقفين العرب المسيحيين هم الوحيدين تقريباً الذين اتخذوا هذا الموقف المتنكر لدينه، بينما لم يتنازل المثقفون من ابناء الديانات الاخرى عن موروث دين اباءهم واجدادهم.

حرى بالمثقف الحقيقي اخذ الدين -أي دين- على محمل الجد وفحص مصداقيته. المعرفة ستقود حتماً لقرار مصيري.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا