يستخدم القس الدكتور عماد شحادة المصطلح "طائفة الجهل" ليظهر القوم الذين يميلون إلى الكسل الفكري ومحاربة محبة الله من كل الفكر والعقل. لا شك أن طائفة الجهل موجودة في كنائسنا. وعندما يشرح أهل العلم أن بعض الترانيم تروج عقائد خاطئة، يهمل طائفة الجهل هذا الأمر. فمثلا، ما زال الكثيرون يرنمون قائلين: يا أبا الآب. وكأن للآب أبا. والتغيير بسيط إذ هو مجرد مدة فوق الألف لتصبح العبارة: يا آبا الآب. وهذا مثال واحد فقط.
وتصر طائفة الجهل على استخدام الآيات بدون فهم السياق. فيقول اتباعها: "ليتك كنت باردا أو حارا" (رؤ 3: 15). ويعلّق الكثيرون أن الله لا يريد منا أن نكون باردين في الروح مع أن الآية تقول بوضوح أن الله يرغب أن نكون باردين أو حارين وليس فاترين. ومن يجهل الخلفية التاريخية يحتار في فهم الآية ويستخدمها بصورة مغلوطة خاصة إن فضّل المفسر الكسل الفكري بدلا من مراجعة كتب التفسير لمعرفة المقصود. فالله يريد منا أن نروي العطشان كما تروي المياه الباردة النفس العطشانة ويريد منا أن نشفي الأمراض كما تشفي المياه الساخنة المرضى. وربما يقتبسون رؤ 3: 20 ليؤكدوا أن المسيح واقف على باب قلب الخطاة الذين لا يعرفون المسيح ويطلب منهم السماح له بالدخول إلى حياتهم بينما تتحدث الآية عن كنيسة رفضت المسيح فصار خارجها يقرع بابها. وآخرون يقتبسون متى 18: 20 "حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم" ليؤكدوا حضور المسيح في اجتماع الكنيسة. ويتغاضوا عن أن الآية تبدأ بصورة مختلفة: "لأنه حيثما اجتمع . . . ". ويتحدث السياق عن التأديب الكنسي وليس عن اجتماع الكنيسة للترنيم ودراسة الكلمة. مرة أخرى، هذه بعض الأمثلة التي تعبر عن ظاهرة الكسل الفكري وفضيحة العقل الإنجيلي في بلادنا الذي يرغب في المعرفة المعجزية ولا يسعى إلى دراسة كلمة الله باستخدام نعمة التفكير والعقل الذي منحنا إياه الله وخبرة رجال ونساء الله الذين دونوا لنا فهمهم لكلمة الله.
وتستبعد طائفة الجهل أهل الفكر والعلم ظانين أنهم غير "روحانيين". وكأن الروحانية هي أمر غير مفهوم ويستلزم ابعاد الطاقات الفكرية التي وضعها الله فينا. ويتناسى الكثيرون أن بولس تحدث إلى أهل كورنثوس اصحاب المواهب الكثيرة (الألسنة والنبوات وغيرها) ولكنه لم يستطع أن يكلمهم كروحيين (1 كور 3: 1). الروحانية الصحيحة مكافئة للنضوج الذي يقصده الله في علاقتنا معه ومع بعضنا بعضا ومع المجتمع. أخيرا، تميل طائفة الجهل إلى عقلية الجيتو أي العقلية الانعزالية. وهنا ارى فضيحة الضمير الإنجيلي إذ أن عشرات الآلاف في بلادنا يعانون بسبب الحروب والفقر والاضطهاد ويرفضون المسيح ويصر أهل طائفة الجهل أن النهضة حصلت لأن الكنيسة يوجد بها الآن 30 من الحضور بدلا من 20. فلقد لبسوا نظارات لا ترى الإنسان الجائع والعريان والمسجون خاصة إذا كان من خلفية فلسطينية أو كان مسلما. وفضلوا حياة الوهم بدلا من مواجهة آلام المجتمع بمحبة المسيح وحكمته.
من المناسب الآن الحديث قليلا عن أهل العلم. لاحظت في بعض كنائسنا هجرة العقول او اطفائها في الكنيسة. بالرغم من كثرة الشهادات الأكاديمية، تفتقر كنائسنا إلى الاحتراف والمهنية في تقديم خدمات الأطفال والمشورة وأخذ التقدمة والضيافة وغيرها. لقد استسلم العديد من المفكرين أمام جبروت التقاليد وسلطة غير المفكرين، وعلينا أن نلاحظ أن بعض غير المفكرين يحملون الشهادات الأكاديمية وبعض المفكرين لا يحملونها. وآن الأوان لنعلن الثورة الفكرية المسيحية التي تفحص وتدقق في كل شيء آملين تمجيد المسيح في كل شيء. ويفضل الكثيرون من أهل العلم عدم خوض المعارك. فيشكلون في بعض الأحيان الأغلبية الصامتة. أقول لهم: لقد خلق الله الكنيسة ويريد من كل الكنيسة أن تخدمه. استسلام فئة أهل العلم سيعطل نمو الكنيسة وفعاليتها في المجتمع.
واضيف، يميل بعض أهل العلم إلى الانتفاخ وذلك ليس بسبب العلم الصحيح، بل بسبب الخطيئة في حياتهم. فمثلا، يقول بولس "العلم ينفخ". وليس المقصود العلم الصحيح او العلوم الطبيعية (كيمياء وفيزياء وغيرها) او العلوم النفسية (علم النفس والمشورة وغيرها) او علم اللاهوت، بل يبين السياق أن المقصود هو علم محدد إذ يعلم البعض أنه ليس وثن في العالم وبالتالي يستطيعون أن يأكلوا كل شيء (1 كور 8: 1 – 13). فضلا عن ذلك اختلط هذا العلم بالكبرياء وفقر المحبة. في ذات الوقت، يؤكد بولس أهمية العلم والمعرفة إذ يستخدم العبارة "الستم تعلمون" سبع مرات (1 كور 5 – 6) ويؤكد على أهمية وجود الحكماء في الكنيسة ويتحدث عن أهمية المعلمين في الكنيسة. المشكلة إذا ليست العلم بل الخطيئة في العلم وغياب المحبة من العلم. والجهل مضر بالكنيسة مثله مثل العلم المنتفخ.
بإيجاز، يجب على طائفة الجهل وأهل العلم التوبة. تتوب طائفة الجهل عن الانغلاق الفكري والتعدي على العلم وعدم تشجيعه او الحديث ضده في الصفحات الالكترونية او في الكنائس. ويتوب اتباعها عن استبعاد الطاقات الفكرية التي وهبها الله لكنيسته. فبدون استخدام كل طاقاتنا الفكرية لمجد المسيح لن نتقدم كما يقصد الله لنا. ويتحدث بولس نفسه عن حكمة الله والحكماء في الكنيسة. وجودهم ضروري ومهم. ويجب على أهل العلم أن يتوبوا عن عدم ابداء المحبة في كل الظروف. فكل رفض هو فرصة للتعبير عن المحبة التي قصدها الله لكل شعبه. والمحبة قد تؤلمنا ولكنها ستشفي الكنيسة من مرض الجهل ووبأ تفضيل الجهل على العلم.