إن الكنائس الإنجيلية في البلاد عادةً ترى أهم أمر يميِّزها عن الكنائس التقليدية هو، طاعتها للمأمورية العظمى. وبهذا أشعر أن الكنيسة الإنجيلية تحتاج أن ترى الأمور بمنظار صحيح وقريب للواقع. لذلك قمت بطرح هذا السؤال:
هل الكنيسة الإنجيلية تطبق المأمورية العظمى فعلاً في هذه الأرض ؟
إن خدمة الكنيسة الإنجيلية في البلاد تقتصر تقريبًا على المسيحيين العرب؛ وهم يشكلون حوالي نسبة ٢٪، ولا توجد عندهم رؤية للوصول الكنسي للمسلمين العرب، الذين يشلكون نسبة تزيد على ٩٥٪ من العرب في البلاد.
هل هذا تطبيق للمأمورية العظمى؟
في الوقت التي تشعر فيه الكنائس التقليدية أن الإنجيليين هم خاطفي الخراف؛ وهم عادةً يتحدوننا باستهزاء قائلين: لماذا تستهدفون المسيحيين الذين ينتمون إلى كنائس ويؤمنون بالمسيح؛ لماذا لا تبشروا المسلمين الذين لا يؤمنون بخلاص المسيح؟
وأنا أقول للكنائس الإنجيلية أيضًا:
نعم، لماذا لا نذهب إلى المسلمين في العمل الكنسي، وليس إلى المسيحيين فقط؟
أعرف أن البعض يبشرون المسلمين أيضًا، وهذا يقودنا إلى سؤال أصعب.
لماذا لا نكرس ٩٥ ٪ من طاقتنا للوصول إلى المسلمين العرب، بناءً على نسبة عددهم؟
عادةً يجيب الكثير من القسوس على هذا التساؤل قائلين: "إن أغلبية المسيحيين يحتاجون لمعرفة الخلاص، وهم يحتاجون لأن يُبَشَّروا”؛ أو ربما يقول قِس آخر: “أنا مدعو للوصول إلى المسيحيين فقط". يا له من أمر غريب؛ كيف يدعو المسيح الحكيم كنيسته لتكرس أكثر من ٩٥٪ من طاقتها للوصول إلى الـ ٢٪ المسيحيين فقط؟
هل غيَّر المسيح دعوته للكنيسه، عندما قال: “فإذهبوا وتلمذوا جميع الأمم...” (متى ٢٨: ١٩)؛ “..اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها.” (مرقس ١٦: ١٥). هل الخليقة كلها تشمل المسلمين أيضًا؟ أم لا زلنا نريد أن نخدع أنفسنا قائلين: “إننا نطبق مأمورية المسيح العظمى". أريد أن أقول للكنيسة الإنجيلية أننا في أحسن الحالات، ربما نطبق ٢٪ فقط من المأمورية العظمى. لذلك يجب أن نخجل ونتوب وننسكب أمام الله ليقوينا ويشعرنا بكم نحتاج أن نتغير ونُلبس قوة من الأعالي. ونتخلص من الافتخار على الكنائس التقليدية؛ وندرك أن الكنسية الانجيلية في البلاد لا زالت في حالة ما قبل البداية؛ حالة التلاميذ في مرحلة ما بعد الصلب. نحن لم ندخُل بعد حياة أعمال الرسل، ولم نبدأ بعد العمل الكنسي المتحرر من التقوقع والخوف والأبواب المغلقة.
إن دعوة المسيح للتلاميذ لم تكن أقل خطورة من دعوته لنا اليوم في إسرائيل وفلسطين. قال المسيح للرسل:
"لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهود في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة، وإلى أقصى الأرض.” أعمال ١: ٨.
هل كانت تلك الدعوة سهلة؟
لنحلل ما سمعه التلاميذ في ذلك الوقت ونعقب على أمرين:
١- وتكونون لي شهود في أورشليم:
لم ينسى بعد التلاميذ ما حدث في أورشليم، من قساوة مشاهد الآلام والصلب؛ ربما البعض منهم، في ذلك الوقت، لم يزل يرى كوابيس مثل أفلام الرعب في نومه، عن الصليب والموت والعار. ونرى فعلا كم كان التلاميذ بعد الصلب خائفين ومرتعبين مما رأوه يحدث للمسيح. ومع هذا، يأتي المسيح ويقول لهم أن يكونوا له شهود في أورشليم!!! هل تلك الدعوة كانت أسهل من دعوته لنا اليوم؟ لا أعتقد.
٢- كل السامرة:
هل كان التلاميذ يحبُّون السامريين؟ ربما كانت السامرة آخر مكان يفكر التلاميذ بالوصول إليه. بالنسبة لليهود، السامريين هم أعداء، مُحتقرين، مَكروهين، ومُقاطَعين. أيضًا عندما كان اليهود يريدون أن يشتموا إنسانًا بأقصى شتيمة، كانوا يقولون له أنه سامري؛ كما قالوا مرة للمسيح (يوحنا ٨: ٤٨). هل العلاقة بين المسيحيين العرب والمسلمين العرب، أسوأ من تلك التي كانت بين اليهود والسامريين؟ لست أعتقد.
إن دعوة المسيح للتلاميذ كانت صعبة جدًا، وكانوا يدركون استحالتها تمامًا، وهذا هو السر لمكوثهم في العلية بانسكاب، إلى أن يُلبسوا قوة من الأعالي. إن قوة الروح القدس لم تؤدي إلى إزالة الخطر عنهم، لكن مكَّنتهم من الثقة بالله خلال الخطر. لقد أُهينوا، سُجنوا، جُلدوا، قُتلوا، لكن مع هذا نجحوا في تتميم مأمورية المسيح العظمى دون أي مساومة.
لم أقصد بهذا المقال أن أُدخل الكنيسة الإنجيلية في حالة إحباط، ولست أحتقر عمل الله المبارك الحقيقي الذي عمله من خلال الكنيسة الإنجيلية في البلاد، على مدار المئة وعشرين عام الماضية؛ لكن أهداف هذا المقال هي:
١- أن يعطي الرب بصيرة للكنيسة لكي ترى حقيقة أين هي تقف من المأمورية العظمى؛ لكي تخرج من حالة الافتخار، وتدخل حالة الخجل والتواضع وإدراك التقصير الذي نعيش فيه.
٢- ان تبدأ الكنيسة بإدراك حاجتها إلى قوة الروح القدس والصلاة، لكي تتمكن من طاعة تلك المأمورية العظمى، الصعبة، لامتداد ملكوت المسيح لجميع الشعوب والخلفيات.
أشكر الرب من أجل إقامة كنيسة له في هذه الأرض؛ أشكر الرب من أجل جميع الخدام والمؤمنين؛ وأصلي بأن يعطينا الرب نعمة وحكمة ومحبة ويقظة للشروع بإتمام المأمورية العظمى.