عندما أُسال عن هويتي الكنسية فعادةً أُجيب : أنا مسيحي! المسيح هويتي! لكن غالبًا ما لا يكتفي السائل بهذه الإجابة إذ يعتبرها إجابة بسيطة او ساذجة.
يوماً ما كنتُ أكرز في اجتماعٍ بيتيٍ، وكان الموضوع "شخص المسيح ومجده"، وكانت معونة ومسحة الروح القدس على الكلمة. فسألني شخص مقاطعًا بسؤال غير متّصل بسياق الحديث، قائلاً: "ما هي طائفتك يا أخ؟"
سكتُّ قليلاً، فبادرني بتعليق ساخر أمام الحضور: هل نسيتَ اسم طائفتك!؟
فاجبتُ: الحقيقة، نعم، نسيت فعندما أتحدث عن مجد المسيح أنسى كل شيء.
لكنه تابع ليأخذ إجابة على سؤاله الهام. فأجبته: "أنا مسيحي إنجيلي" وأردفت: "أنا انجيلي ليس على مستوى طائفي بل ببساطة لأنّي اتبع الانجيل."
فتابع قائلاً :" لكن توجد طائفة مستقلة تسمي الإنجيلية تحاول أن تأخذ الأعضاء من طوائفهم الأصلية."
اجبتُ : "الإنجيلية هي اكثر من مجرد طائفة. الإنجيلية هي طاعة لوصايا الرب. بأن نكرز بالإنجيل وبأن نعيش فقط حسب انجيل المسيح. ويجب على كل كنيسة أن تكون انجيلية، هذا هو الواجب المقدس."
اضطررت لإنهاء النقاش والرجوع إلى السياق لتكملة حديثي لإنجاح الاجتماع.
لكن حدثت فيما بعد تعليقات وحوارات ومفادها كالاتي:
انتشر الايمان المسيحي في كل العالم طاعة لوصية الرب: "اذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس" (متى 28 :19). ثم امتدت الكنيسة الى كل العالم وصارت طوائف ومذاهب كثيرة. هل كثرة هذه الطوائف هي أمر شرير؟ أم هي أمر مبارك؟ أم هي أمر حتمي يتطلبه التطور الطبيعي والامتداد العالمي؟
فهناك من رأى أن كثرة هذه الطوائف هي أمر من الشرير يجسد الطائفية والتحزب والغيرة المُرّة كما قال الكتاب : "لانه حيث الغيرة والتحزب هناك التشويش وكل أمر رديء" يعقوب 3 : 16. ومثل هذا الفكر يذهب دائمًا لمثال برج بابل في سفر التكوين الإصحاح الحادي عشر. بمعنى ان هذه الطوائف تنشأ من الكبرياء البشري وعدم الخضوع لفكر الله وتُسبّب البلبلة التي على اسمها سميت "بابل". والدلالة الروحية لـِ : "بابل" في كلمة الله "التشويش الديني". ووصاية الرب هي: الخروج من بابل.
لكن هنالك من يرى الموضوع بشكل آخر، فيحسب الطوائف بركة تُجسّد تنوع نعمة الله وهي امر حتمي يتطلبه الاتساع والامتداد وفقًا لتنوع احتياجات البشر. وأن الطوائف مجتمعة مثل لوحة الفسيفساء الرائعة وان كل طائفة هي قطعة لا غنى عنها في هذه اللوحة. لذلك نجد أصحاب هذا الفكر يتحدثون عن مفاهيم مثل "التنوع في الوحدة" و"الجسد الواحد ذو الاعضاء الكثيرة " ولهم شعارات كالقول المشهور: "في الامور الجوهرية وحدة، وفي الامور الثانوية حرية، وفي كل الامور محبة".
ونحن إذ نتبنى أسلوب الحوار، أقدم رأيًا من منطلق فهمي وخدمتي لكلمة الله. الطائفة هي آلة صماء يمكن ان تُستخدم للخير فتكون خيرًا ويمكن ان تستخدم للشر فتصير شرًا. والطائفة هي أمر لابد منه إذ أنها تُجسّد انتماء وترتيب مجموعة من البشر يوجد بين أعضائها قاسم مشترك. حتى الذين يقولون "إننا لسنا طائفيين"، عندما يتفقون معًا يصير بينهم انتماء وترتيب فيصيرون "طائفة اللاطائفيين".
لكن اي طائفة كنسية تهمل خدمة كلمة الله تصير شكل بلا مضمون او كجسد بدون روح.
كما قال الرب :"هلك شعبي من عدم المعرفة " (هوشع 4 :6). وفي أيام كان فيها ارتداد عن الرب نقرأ التقرير الالهي واصفًا هذه الايام :"وكانت كلمة الرب عزيزة في تلك الايام" (1 صم 3 :1) اي نادرة. بل اكثر من ذلك هناك من اتخذ من الطائفة سلاحًا يحارب به كلمة الله.
قديماً زجر كاهن بيت ايل عاموس قائلاً له :" لا تتنبأ في بيت ايل لانها مقدس الملك وبيت الملك. اذهب اهرب الى ارض يهوذا وكُل هناك خبزاً وهناك تنبأ" (عاموس 7 : 12-13). (التنبؤ اصطلاح كتابي يقصد به عامةً: التكلم بكلام الله).
كان كاهن بيت ايل يُمثّل الشرعية الدينية بل والسياسية أيضًا لمكانة بيت ايل فقد ذُكر عنها: "مقدس الملك وبيت الملك". وبالتالي كان يُمثل السلطة المُعترف بها بالمقارنة مع عاموس الانسان البسيط الذي قال عن نفسه: "لست نبيًا ولا ابن نبي بل أنا راعي غنم وجاني جُميز أخذني الرب من وراء الغنم وقال لي تنبأ." (عاموس 7 :14-15). كان من واجب ذلك الكاهن بمركزه وبما يحمله من هذه السلطة والشرعية أن يقف بجوار خدمة كلمة الله، لكننا نراه يتخذ موقف المعادي فعرّض نفسه لعقاب الهي.
وأيضًا نرى ارميا النبي الباكي، وكم تألم لأنه يخدم كلمة الله بأمانة: "وسمع فشحور بن امير الكاهن، وهو ناظر أول فى بيت الرب، إرميا يتنبأ بهذه الكلمات فضرب فشحور إرميا النبي وجعله في المقطرة" (ارميا 20 :1-4).
ووقف كل من الرب يسوع وخادمه بولس ازاء اتهامات السلطة الدينية لهم التي يمثلها رئيس الكهنة. فقد سأل رئيس الكهنة يسوع عن تلاميذه وعن تعليمه فاجابه :"انا كلمت العالم علانيةً. انا علّمت كل حين في المجمع وفي الهيكل حيث يجتمع اليهود دائمًا، وفي الخفاء لم أتكلم بشيء. اسأل الذين سمعوا ماذا كلمتهم" فتطوّع خادم لرئيس الكهنة ولطم يسوع وقال له :"أهكذا تجاوب رئيس الكهنة؟" اجابه يسوع : "إن كنتُ قد تكلمت رديًا فاشهد عليّ الردي وإن حسنًا فلماذا تضربني؟" (يوحنا 18 :19- 24).
هل انتهر رئيس الكهنة خادمه لانه لطم يسوع؟ أبدًا لا! بل نراه فى دور مسرحي يمزّق ثيابه ليؤلب عواطف البسطاء ضد يسوع ليبرهن أن يسوع مُجدّف لانه قال أنه ابن الله (مرقس 14 :63).
نفسه رئيس الكهنة هذا أمر خدامه أن يضربوا الرسول بولس على فمه عندما قال اثناء محاكمته :"اني بكل ضمير صالح قد عشت لله الى هذا اليوم". لم يكن الرسول بولس اكثر صبرا واحتمالا مثل سيده فنطق بكلمات دينونة على رئيس الكهنة وان كان تراجع عنها! ( اعمال 23 : 1- 5).
لماذا هذه اللطمات والضربات؟! فكل ما كان يمثلّه الكهنوت من شرعية دينية ومركز ومرجعية واقدمية وتاريخ وهيئة ذات هيبة وطائفة مقدسة كان يجب ان تتطوع جميعها لخدمة كلمة الله وهذا ما لم نراه.
لذلك هناك سؤال يطرح نفسه وجدير بالتأمل في الإجابة عليه: "هل طوائفنا تخدم إنجيل المسيح وكلمته وتعمل على امتداد بشارة الخلاص للنفوس التى مات المسيح لأجلها أم هي، لا سمح الله، مراكز وكراسي ومصالح ارضية كتكرار للتاريخ ؟ وللحوار بقية.
وأُرفق قبل الصلاة آيات للحفظ والتأمل:
"لست استحي بانجيل المسيح لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن" (رومية 1 :16).
"صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول لاننا لهذا نتعب ونُعيّر، لأننا قد القينا رجاءنا على الله الحي الذي هو مخلص جميع الناس ,ولاسيما المؤمنيين" (1 تيموثاوس 4 :9 -10).
صلاة : يارب أصلي فى اسم وشفاعة ربي ومخلصي يسوع المسيح ان تبارك جميع الذين يحبونك ويدعونك من قلب نقي من كل طوائف كنيستك. وإن كان العالم يبغضهم ويرفضهم فلأنه أبغض ورفض ابنك الحبيب من قبل. لكنهم حملوا الصليب وارتضوا كسيدهم بالمكوث خارج المحلة. لتكن معوتنك لهم ولتحفظهم شهود وجنود لخدمة انجيل ابنك الحبيب الذي باسمه ندعوك ولك فيه وفي كنيستك كل المجد الى الابد. آمين.
أرحب بأي تعليق أو سؤال.