مع إطلالة شهر كانون أول من كل عام تطغى مظاهر عيد الميلاد في البيوت والشوارع في التجمعات المسيحية في بلادنا. رويداً رويداً يصبح سانتا كلوز شخصية مرغوب فيها يطلّ علينا أينما حللنا. الأخ سانتا (او باسمه المحلي: بابا نويل) يأتي تارة محشواً بالشوكالاطة وتارة على زينة قماش رقيقة لتعلّق في مكان بارز. سانتا يظهر أيضا على هيئة رجال أو شباب أو حتى فتيات يروّجون لبضاعة عيد أو يفدون لبيوت المحتفلين وفي جعبتهم هدايا العيد من المحلات التجارية.
من عناصر الميلاد البارزة الأخرى شجرة العيد ومنها الاصطناعي ومنها الطبيعي . بعضها تثقل كاهله الزينة وبعضها قد زهد وتقشف فكانت زينته متواضعة. وكان ان امتلأت المواقع الاجتماعية مثلها مثل مواقع الانترنت بالأخبار حول الشجرة الباسقة بارتفاع عشرين متراً – لا أكثر ولا أقل- التي سترفع هامتها عند أرثوذكس الناصرة هذه السنة. هؤلاء أبدعوا العام الماضي بالمظاهر الشعبية اللطيفة للعيد في الكريسماس ماركت وسيعيدون الكّرة بهمة ونشاط هذا العام أيضاً.
لكن الحدث الشعبي الرئيسي في الناصرة (وربما في البلاد ككل) هو المسيرة الميلادية التقليدية التي يحضرها الآلاف المؤلفة من مواطني البلد من كافة الطوائف بالإضافة لزوار المدينة من السياح.
يتخذ البعض منحى آخر فيبرز جو الميلاد من خلال مساعدة المحتاج وجمع الأموال لصالح هذا الهدف في بازارات وحملات وغيرها.
لست في مجال التباكي على مظاهر العيد أو شجبها لئلا أقع في مطب المزايدة الروحية مع ان هذه الاحتفالات وللأسف تفتقد أحياناً كثيرة للمكانة الخاصة لصاحب العيد كما وتنجرف في الأجواء التجارية والمادية البعيدة عن مشهد المذود الحقير.
هذه الاحتفالات تضفي أجواء شعبية جميلة ولكنها غير قادرة على بث الأمل في نفوس المسيحيين في الأحوال القاتمة التي نعيش فيها اليوم.
فالربيع العربي الذي تحوّل إلى خريف إسلامي أصولي وسلفي في الشرق يبعث إلى القنوط. توقعات وتكهنات اندلاع أخبار حرب وشيكة بين إسرائيل وإيران مع اقتراب الأخيرة من مرحلة تصنيع قنبلة ذرية ازدادت حده. يتساءل الجميع: هل ستكون حرب محدودة النطاق وقصيرة أم ستتطور وستنضم إليها أطراف أخرى؟ هل ستكون ديارنا هدفاً لصواريخ فارسية؟ تحديات ألأوضاع الاقتصادية في البلاد تضاف لهموم العائلات التي تصارع . وأخبار تهاوي الاقتصاد الأوروبي (وقد ابتدأ التهافت في اليونان وايطاليا ) لا ترفع المعنويات . قوانين العنصرية المتصاعدة ضد العرب في بلادنا والجمود في المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين يزيد الطين بلة.
أجواء العيد قد تلهي الناس عن الظروف الكئيبة لوقت لكن الرجاء موضوع في مكان آخر ولكنه قريب: عند صاحب العيد.
إن المعنى الأساسي لعيد الميلاد ليس كونه عيداً للسلام ولا بكونه عيداً التواضع ولا حتى العطاء أوالرقة. إن عمقه يكمن في كونه عيد التجسد-عيد عمانوئيل :الله معنا.
لا رجاء يضاهي الرجاء الآتي من الإله المتجسد. رأى الإله تعاسة الإنسان وضياعه وموته الحتمي فأتى بنفسه ليعالج هذا الضياع. لم يرسل نبياً ولا رسولاً بل أتى بنفسه . إن تسليط الضوء على الإله المتجسد كطفل بيت لحم هو أمل الحياة الوحيد. لقد شرّف أرضنا بارتضائه السكن بيننا. لم ينتظر مساعينا للوصول إليه إذ هي عديمة الأمل. لكنه أخذ المبادرة ليحل بيننا ويمنحنا الأمان والأمل رغم ظروف الحياة المحبطة.
أملنا في زمن اليأس والضياع يكمن في قربنا من سيد الأكوان ومخلص النفوس المتجسد وان عيد الميلاد هو فرصة لذلك بعيداً عن الضوضاء والاحتفالات.