الغالبية العظمى من المسلمين تربط ربطاًَ شديداًَ بين اللغة العربية والإسلام ،وكأن اللغة العربية حكراًَ على المسلمين وحدهم، على إعتبار أن القرأن نزل على محمد نبي الإسلام عربياًَ فصيحاًَ، ولكن تؤكد الدراسات والأبحاث المتخصصة على أن اللغة العربية ليست لغة المسلمين وحدهم، حيث كانت موجودة قبل الإسلام، يتحدث بها العرب، وتؤكد الدراسات أيضاًَ على أن المسيحيين العرب كانت لهم اليد الطولى والفضل الأكبر في إثراء اللغة العربية وتطويرها والإضافة إليها، فالمسيحية بحسب الأبحاث المتخصصة إنتشرت في البلاد العربية في وقت مبكر جداًَ قبل دخول الإسلام إليها، فقد إنتشرت المسيحية في اليمن ومن اليمن إنتقلت إلى الحبشة كما أنها إنتشرت في بلاد ما بين النهرين في القرون الأولى للميلاد، ويذكر العالم الكبير حسين العودت أن السبب في إنتشار المسيحية في هذه البلاد يرجع إلى أن سكان بعض من هذه البلاد كانوا في أورشليم يوم الخمسين، فأمنوا بالمسيحية ومن ثم نقلوها إلى بلادهم ويمكن أن نوجز فضل المسيحيين العرب على اللغة العربية في النقاط التالية (على سبيل المثال الحصر):
* الشعراء المسيحيون العرب هم أول من أثروا اللغة العربية, الباحثون يؤكدون على أن الشعراء العرب من المسيحيين كانت لهم إسهامات بارزة في مجال اللغة العربية، وتطويرها وتهذيبها لأغراض أدبية، وهؤلاء الشعراء أدخلوا تعبيرات على اللغة لم يسبقهم إليها أحد، لدرجة أن أصبحت تعبيراتهم من التعبيرات التي تتداول على ألسنة الناس إلى يومنا هذا، فمثلاًَ قال الشاعر المسيحي العربي
"شريك بن عمر":
فإن يك صدر هذا اليوم ولى فإن غداًَ لناظره قريب
كما قال عنترة العبسي:
أجود بالنفس إن ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود
وقال أيضاًَ (أو أسند إليه):
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ولا ينال العلي من طبعه الغضب
أما الشاعر المسيحي النابغة الذبياني فقد قال:
ألم ترى أن الله أعطاك صورة ترى كل ملك دونها يتذبذب
بأنك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
وقال أيضا أمية بن أبي الصلت:
سبحان من لا يعرف الخلق قدره ومن هو فوق العرش فرد موحد
ومن لم تنازعه الخلائق ملكه وإن لم تفرده العباد فمفرد
* المسيحيون العرب هم أول من أدخلوا على العربية تراكيب وألفاظ جديدة, فقد أدخل المسيحيون على اللغة العربية ألفاظاًَ وتراكيب لم يكن يعرفها العرب وقتها فكان أول من قال في كلامه "أما بعد" هو قس بن ساعدة، أسقف نجران بجنوب غرب الجزيرة العربية، كما أنه كان أول من قال "البينة على من إدعى واليمين على من أنكر"، بجانب أنه أول من كتب "من فلان إلى فلان" أما أول من أشاع إفتتاحية المراسلات والمكاتبات بعبارة "بإسمك اللهم" هو أمية بن أبي الصلت، وقد تم إستبدالها بعد ذلك بعبارة "بسم الله الرحمن الرحيم".
إسهامات المسيحيين العرب في تطوير الخط العربي, يؤكد د. جواد علي في كتابه (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) على أن المسيحيين العرب قاموا بدور بارز في تطوير الخط العربي، كما إنه لم يستبعد إحتمال عثور المنقبين في المستقبل على كتابات مطمورة بالقلم النبطي في رمال الجزيرة العربية, وأكد المعلم جورج قنواتي على أن مسيحيو الحيرة هم أول العرب الذين إستخدموا الخط العربي، وتجدر الإشارة هنا على أن المسيحيين من أهل الحيرة ظلوا يكتبون لوقت طويل للولاة المسلمين ويقرؤون عليهم ما يرد إليهم من أهل العراق وبلاد الشام، وذلك لحسن حظهم وإتقانهم للكتابة، ويدلل جواد على ذلك بقوله "كان لأبي موسى الأشعري كاتب ولما سأله عمر عن سبب إتخاذه لكاتب من النصارى أجابه له دينه ولي كتاباته", كما أن عمر عندما أراد إختيار كاتب حاذق وحافظ قالوا له عن غلام نصراني من أهل الحيرة, ويقول جواد علي أيضاًَ (يرى الباحثين أن القلم العربي قد أخذ من قلم بني إرم، وذلك لأن السريان الذين هم من بني إرم كانوا قد طوروا القلم الأرمي وكتبوا بقلمين.. قلم قديم كتبت به الأناجيل والكتب المقدسة، وهو القلم المربع ذو الحروف المستقيمة ذات الزوايا المريعة الذي هو الخط الإسطرنجيلي، وقلم ثان سهل ذو حروف مستديرة أي على شكل أقواس وهو قلم النسخ،وقد عرف العرب القلمين وكتبوا بهما، فسموا السهل "النسخ "والآخر "الكوفي") أنظر أيضاًَ كتاب (فضل المسيحيين على اللغة العربية والخط العربي للمستشار نجيب وهبة).
اللغة العربية بها مفردات كثيرة من لغات أخرى, أخذت اللغة العربية من اليهودية بعض المصلحات الدينية مثل (جهنم والشيطان وإبليس) وذلك كما جاء في كتاب (العرب النصارى) لـ (حسين العودت) كما أخذت العربية من العبرية كلمة صوم مثلاًَ، وأخذت العربية كثير من مفرداتها من اللغة اليونانية والسريانية والفارسية والحبشية والمصرية، مما أصبح على مر الأيام جزءاًَ لا يتجزأ من اللغة العربية، إلى حد أن وردت في القران.
تقرير– جرجس بشرى