هل امر المسيح اتباعه بحمل السيف والجهاد؟

أغرب ما في هذا النقد ان صاحبه يقوم احيانا بعمل تفتيش (Search) لكلمة "سيف" في كل الكتاب المقدس، ثم يأتيك بالنتيجة ويقول لك: "انظر كم عدد مرات ورود كلمة سيف في كتابك". ولا يفطن ان النصوص...
09 مايو 2015 - 15:04 بتوقيت القدس

هل امر المسيح اتباعه بحمل السيف والجهاد؟

"لا تظنوا اني جئت لالقي سلاما على الارض. ما جئت لالقي سلاما بل سيفا" (متى 10: 34)

"ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفا" (لوقا 22: 36)

"يا رب هوذا هنا سيفان. فقال لهم: يكفي" (لوقا 23: 38)

هذه هي النصوص التي تُقتَطع من سياقها من قبل الناقد وتُستخدم لتعزية ادعائه الذي مفاده ان المسيح يسوع ربنا امر أتباعه بحمل السيف، وان رسالته هدفها هو القاء السيف على الارض وتأجيج الحروب. أغرب ما في هذا النقد ان صاحبه يقوم احيانا بعمل تفتيش (Search) لكلمة "سيف" في كل الكتاب المقدس، ثم يأتيك بالنتيجة ويقول لك: "انظر كم عدد مرات ورود كلمة سيف في كتابك". ولا يفطن ان النصوص التي ترد فيها كلمة سيف هي إما أجزاء قصصية تاريخية تحكي تفاصيل حروب قديمة أو حتى أجزاء تتكلم عن انتهاء الحروب وحلول السلام "فَيَقْضِي بَيْنَ شُعُوبٍ كَثِيرِينَ. يُنْصِفُ لِأُمَمٍ قَوِيَّةٍ بَعِيدَةٍ فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكاً وَرِمَاحَهُمْ مَنَاجِلَ. لاَ تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفاً وَلاَ يَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِي مَا بَعْدُ." (ميخا 4: 3).

دعونا نمتحن هذه النصوص الانجيلية التي يتمسك بها الناقد في إدّعائه:
"ما جئت لالقي سلاما على الارض بل سيفا" عبارة قالها المسيح لتلاميذه في ارساليتهم الاولى الى اهل إسرائيل وليس الى الأمم، ولهذا قال لهم " الى طريق امم لا تمضوا " اذن اهل الارسالية هم أهل التلاميذ واقربائهم اولئك المتمسكين باليهودية وبتعاليم الفريسيين، وبالنسبة لهم المسيح صاحب دعوة جديدة، ولكل دعوة جديدة معارضة شديدة وقاسية، قد تصل للبعض الى طرد ابنائه من البيت في حالة اعتناقه لهذه الدعوة وتركه لدين آبائه. المسيح يقول لتلاميذه مسبقا ان هذا سيحدث فهو لم يأتي ليهادن القادة الدينيون معاصريه، هو لم ياتي ليلقى سلاما على ارض اسرائيل بل " انقساما " وهذا ما ورد في النص المناظر فى لوقا 12 : 51، فكل من سيتمسك به سيترك اقرباءه الرافضين له حتى لو كانوا اهل بيته، هذا هو سيف الانقسام الذي القاه المسيح على ارض اسرائيل، ولهذا قال لهم " الحق اقول لكم لا تكملون مدن اسرائيل حتى ياتي ابن الانسان " متى 10 : 23. لم يكن المسيح يتكلم عن ارساليته للامم في هذا الوقت فالارض ليست هي كل العالم بل هي الارض االمؤهلة ليحدث بها انقسام السيف اذ ان بها دين قديم ومعتقد جديد، في هذه الارسالية التلاميذ مرسلين لأهاليهم، لا خطر عليهم من القتل، لا سفر لمسافات بعيد فلا داعي للسيف ولا للذهب والفضه اللازمه للزاد، لا مزود لا ثوبين لا احذية ولا حتى عصا لان الرحلة داخلية.

"ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفا " لوقا 22 : 36، لقد تغير المشهد فالمسيح ذاهب للموت بالصليب والتلاميذ ذاهبين لا لأهلهم في اسرائيل بل الى كل الامم الى السامرة واقصى الارض لهذا ذكرهم المسيح بالارسالية الاولى وكيف لم يعوزهم الى شيء، اما الان فسيسافرون كثيرا ويتعرضون لمخاطر الطريق ووحوش البرية فيتحتم عليهم حمل السيف للدفاع عن انفسهم ضد مخاطر الطريق ووحوش البرية، وقد فهم التلاميذ هذا انه محتم الان في لحظة كلمات المسيح والمسيح لم يقصد هذا الان بل قصد " منذ الان " عليكم شراء السيوف لحماية انفسكم في ارساليتكم ولكي يتحقق في القول " واحصي مع اثمه " فبدون السيوف هم ليسوا باثمة ولكن التلاميذ فهموا ان الرب في هذه الاوقات الصعبة يريد السيوف لمهمه قادمه الان، لم يفهموا قصده جيدا الامر الذي جعله يقول لهم، عندما قال له بطرس هوذا سيفان، قال " هذا يكفى " لا لصنع حرب ولا للدفاع عن ذواتكم في ارساليتكم بل يكفي فقط لتحقيق النبوة " واحصي مع اثمه " ؟ يعتقد البعض بان المسيح قصد سيف الكلمة مستخدما اسلوب مجازي ولكن هذا التفسير لا يوافق سياق النص والبعض الاخر اعتقد ان المسيح قال لهم هذا يكفي موبخا اياهم لعدم فهم كلماته فهما صحيح بل فهم حرفي، ولا اظن ان المسيح قصد هذا بل قصد المسيح تماما ان هذين السيفين يكفيان الان لشيء اخر بعدما لم يفهموا قصده الاول.

كانت كلمات المسيح هذه في العشاء الاخير، وعلى المنضدة كان على الأقل سكينين لتقطيع الطعام، في هذا الوقت كان متاح حمل السكينة لأي شخص يهودي اثناء سفره في اي طريق للدفاع عن نفسه ضد اللصوص وقطاع الطرق، وايضا للاستخدام في قطع الثمار او ما شابه ذلك، السكينة في اليونانية يعبر عنها بكلمة machirah وهى ذاتها المترجمة " سيف " فهي التي قال عنها بطرس " انضرب بالسيف؟ " هي ذاتها الكلمة اليونانية التي تعطي لها جميع القواميس اليونانيي هذا التعريف: a short sword or dagger" او بحسب قاموس Thayer الكلمه رقم 3162 تعني " سكينة كبيرة وكانت تستخدم لقتل الحيوانات وتقطيع اللحم، او سيف صغير لتمييزه عن السيف الكبير "، عزيزي كان لدى التلاميذ على مائدة الفصح هاتين السكينتين الكبيرتين، ويمكن استخدامهما على المائدة او للدفاع عن النفس، وحين قال المسيح لهم " هذا يكفي " فهو لا يقصد يكفي لصد الحرب الآتية عليهم ولا للهجوم على الاخرين كما فعل بطرس واستخدم هذه السكينه استخدام المهاجمين المجرمين. اما فكر المسيح فليس فيه لا سيف القتال ولا الجهاد لنشر الدين الحق، فهو الذي قال في ذات المناسبه لبطرس " اجعل سيفك في الغمد " يوحنا 18 : 11 فهذا مكانه لا في اجساد الناس فاستخدامه مسموح في وقته للدفاع عن ذاتك في الطريق " لان كل الذين ياخذون بالسيف بالسيف يهلكون " متى 26 : 52. كانت كلمات المسيح لاشخاص معينين وهم التلاميذ لغرض معين وهو الارسالية وتحقيق النبوة، اما المبدأ العام له فارساه بعدم استخدام السيف.

يسوع هو ملك السلام ورئيس السلام واله السلام وصانع السلام، السيف ليس علامة المؤمنين به ولا افتخارهم.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. ابن المسيح 09 مايو 2015 - 14:05 بتوقيت القدس
اخي سلام المسيح معك والرب يبارك حياتك اخي سلام المسيح معك والرب يبارك حياتك
صحيح أن رسالة السيد المسيح هي رسالة السلام، والمعلوم أن يسوع جاء ليبشر بالسلام وليس بالسيف. وعندما وُلد في مدينة بيت لحم ترنمت الأجناد السماوية قائلة: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام" (لوقا 2: 14). ونبوة إشعياء عن المسيح تقول: "لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيباً مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام" (إشعياء 9: 6). والمسيح نفسه علّم قائلاً: "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون" (متى 5: 9). إذاً كيف يقول المسيح هنا إنه لم يأتي ليلقي سلاماً على الأرض، فهل من تناقض في قوله؟ ليس هناك تناقض في أقوال المسيح وإن بدا لنا ذلك أحياناً لعدم فهمنا مضمون بعض الآيات. فالمسيح جاء ليلقي السلام. ويعلّم السلام الحقيقي بواسطة رسالته وحياته وفدائه، وإن تعالمه كلها تدعو إلى السلام والمحبة والإخاء والتسامح. وهو لم يقصد أن يعلّم الناس بالسيف أو يرغمهم على اتباعه بالقوة. وأعتقد أنه من المناسب أن نقرأ الأعداد الثلاثة التي تلي الآية التي نحن بصددها، لأن ذلك يساعدنا على فهم قصد المسيح بطريقة أفضل. فهو يقول في إنجيل متى الإصحاح العاشر : "لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً، فإني جئت لأفرّق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنه ضد حماتها". ثم يقول: "من أحب أباً أو أماً أكثر مني لا يستحقني" (متى 10: 34-37). بعد قراءة هذه الكلمات ربما يتوهّم البعض أن السيد المسيح داعية المحبة ورئيس السلام، أراد أن ينشر تعاليمه بالسيف. ولكن من يطالع الكتاب المقدس بإمعان يلاحظ، أن السيد المسيح لم يستعمل العنف مطلقاً، بل دعا إلى المحبة والإخاء والمسامحة والغفران ونبذ الأحقاد والعنف والقتال. كما أن أتباع يسوع والمؤمنين به اتّبعوا أسلوب معلمهم نفسه في كرازتهم. كما أن تعاليم الإنجيل المقدس بكاملها تحثّ على المحبة والمسالمة. وإن قول المسيح هذا لا يناقض قوله: "طوبى لصانعي السلام" (متى 5: 9). فكلمة سيف الوارد ذكرها في قوله هي كلمة مجازية ذكرها المسيح في معرض حديثه عن الصعوبات التي تلاقيها رسالة الإنجيل في طريقها إلى قلوب الناس، وليس المقصود هنا بكلمة "سلاماً" السلام السياسي، ولا بكلمة "سيف" السيف الذي يُستعمل في الحرب. فإشارة المسيح إلى السلام والسيف تشير بلغة مجازية إلى المعاناة النفسية التي يمرّ بها الإنسان المؤمن والصعوبات التي تواجهه في حياة الإيمان. فالمؤمن الحقيقي هو صراع مستمر مع أجناد الشرّ. وسيف الروح الذي هو كلمة الله، هو السيف الفعّال للتغلّب على الشرور والأباطيل التي تواجهنا في حياتنا. وانتصارنا على الشر هو بواسطة المسيح المخلص الذي يقول للمؤمنين: "في العالم سيكون لطم ضيق، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يوحنا 16: 33). ويقول أيضاً: "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (متى 28: 20). والجدير بالذكر أن اليهود قديماً كانوا يعتقدون، أنه عندما يأتي يوم الرب ويجيء المسيا المنتظر أي المسيح، ستحصل انقسامات خطيرة في العائلات، ودليلنا على ذلك أقوال المعلمين اليهود المشهورة. بأنه "عندما يأتي ابن داود (أي المسيح الذي تنبأ عنه أنبياء العهد القديم) ستقوم الابنة على أمها والكنّة على حماتها. ويحتقر الابن أباه، ويصير أعداء الإنسان أهل بيته". وأن قول المسيح ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً، هو تنويه إلى الحقيقية المرتقبة والامتحان الصعب الذي سيمرّ به كل من يؤمن به، أو كل من يتبعه، من اضطهادات وازدراء من الناس بصورة عامة، ومن أهل بيته بصورة خاصة. وهنا نجد المسيح المخلص يضع الناس أمام خيار ين: إما أن يقبلوه ويؤمنوا به ويمتنعوا عن عمل الشر وشهوات الجسد، ويسيروا في حياة القداسة، وإما أن يرفضوه ولا يؤمنون به. فالمسيح لم يأتي ليفرّق العائلات ويقيم أعضاءها بعضهم على بعض، ولم يأتي ليفرّق الابن عن أبيه ولا ليثير الكنه ضد حماتها. ولكن المقصود. هو أنه إذا آمن رجل بالمسيح ولم تؤمن زوجته، كان الإنجيل بمثابة سيف يفرّق الزوجة عن رجلها بسبب الاختلاف في العقيدة. بين المؤمن وغير المؤمن. وعندما قال يسوع هذه الكلمات بأنه جاء ليلقي سيفاً، وأن أعداء الإنسان أهل بيته، إنما كان يحاول أن يوضح لهم الصورة التي كانت في أذهانهم، بأنه عندما يأتي يوم الرب ستحدث انقسامات خطيرة بين أفراد الأسرة الواحدة كما ورد آنفاً، وكأن الرب يقول لجماعة اليهود، إن يوم الرب الذي تنتظرونه قد جاء. فتعاليم المسيح تدعو الإنسان لأن يختار بين نظام الحياة القديمة التي كان يحياها في الخطية قبل الإيمان، والتي تربطه فيها صلات وعلاقات متنوعة مع أهل بيته وأصدقائه وكافة الناس على اختلاف أنواعهم، وبين متطلبات الحياة الجديدة التي يستلزمها إيمانه بالإنجيل والسير حسب تعالمه في القداسة والحق والتضحية، فقد يتطلب الإنجيل من الفرد أن يضحي بكل عزيز لديه في سبيل الرسالة المسيحية، لأن تعاليم المسيح تتطلب الخضوع الكامل له. فهو يقول: "من أحب أباً أو أماً أكثر مني فلا يستحقني. من لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقي" (متى 10: 37-38). فالإيمان بالمسيح والولاء المطلق، يكون بمثابة سيف في حياة الإنسان المؤمن يجعله في صراع مستمر مع أجناد الشر. فالمسيح جاء ليشهد للحق ويثبّت دعائم المحبة والسلام. فكلامه عن السيف أمر مجازي وهو كناية عن الحرب الروحية التي لابد من أن تستمر وتشتد في وجه الشيطان وكل أعماله. إلى أن يتغلب الخير على الشر وتتغلب إرادة الله على إرادة الشيطان، حينئذ يسود السلام ويعمّ الفرح في النفوس والطمأنينة في القلوب. وهذا ما قصده المسيح عندما قال: "لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً".