لمحة عن القديسة العذراء

مريم كانت مخطوبة ليوسف النجار، عندما بشرها الملاك جبرائيل بحملها بيسوع وظلت بقربه حتى الصلب. كتب مختلفة وكتابات آباء الكنيسة تتكلم عن حياتها المبكرة
07 مايو 2006 - 02:00 بتوقيت القدس

1) سلسلة نسبها: يذكر عن مريم أم يسوع أنها كانت نسيبة لأليصابات التي كانت " من بنات هرون " (لو 1: 5) ، مما قد يدفع إلى الظن بأن مريم كانت أيضاً من سبط لاوي ، بينما يكاد الإجماع ينعقد على أنها كانت من نسل داود الملك ، وأن عبارة " من بيت داود " ( لو 1: 27) يمكن أن تكون وصفاً للعذراء أو ليوسف ، كما أن الملاك يقول للعذراء إن المولود منها " يكون عظيماً وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه " ( لو 1: 32 ) .

ويقول زكريا الكاهن : " أقام لنا قرن خلاص في بيت داود فتاه " ( لو 1: 69). وإطلاق لقب " ابن داود " في مواضع كثيرة على الرب يسوع ( مت 9: 27 ،15: 22 ،20: 30 و31 ، مرقس 10: 47 و48 ) يتضمن أنه سواء من جانب أمه أو من جانب يوسف ، كان الرب يسوع من نسل داود . وقد جاء في النسخة السريانية لإنجيل لوقا - التي وجدت في دير سانت كاترين في سيناء – لأن كليهما ( مريم ويوسف ) كانا من بيت داود " ( لو 2: 4). ويرى الكثيرون أن لوقا يعطينا في الأصحاح الثالث سلسلة نسب مريم ( لو 3: 23-38) . ويذكر إنجيل يعقوب الأوَّلى ( وهو إنجيل أبوكريفي ) أن والديها يواقيم من الناصرة ، و حنة من بيت لحم . ولا يذكر في الكتاب المقدس من أقربائها سوى أختها ( يو 19: 25). وبالمقارنة بين مرقس 15: 40 ، مت 27: 56 ، يكاد يكون من المؤكد أن أختها هذه كانت سالومة أم ابني زبدي ، وفي هذه الحالة يكون يعقوب ويوحنا ابني خالة للرب يسوع .

2) الخطبة: تربت مريم في الناصرة ، والأرجح أنها كانت في العقد الثاني من عمرها عندما خطبت . وفي كتاب " تاريخ يوسف النجار " ( من القرن الرابع ) يقال إنها كانت بنت اثنتي عشرة سنة عندما خطبت ليوسف ، الذي كان أرمل في التسعين من العمر ، وصاحب عائلة كبيرة . أما القصة الكتابية فتفترض أنه كان شاباً يشرع في الزواج لأول مرة . 

3) البشارة: ( لو 1: 26-38) . في أثناء فترة الخطبة ، ظهر الملاك جبرائيل ، وحياها بالقول : " سلام لك أيتها المنعم عليها .. الرب معك " . فهي ليست مصدر النعمة تستطيع أن تمنحها لآخرين ، بل هي نفسها قد نالت نعمة من الرب . فاضطربت مريم من كلامه ، فقال لها الملاك : " لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله . وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع . هذا يكون عظيماً وابن العلي يدعى ، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه . ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية ".
وقد سألت مريم السؤال المنطقي : " كيف كون هذا وأنا لست أعرف رجلاً ؟ " . ولم يكن هذا عن شك أو عدم إيمان بالرسالة كما فعل زكريا أبو يوحنا المعمدان ( لو 1: 18) ، بل انتابتها الحيرة عن كيفية إتمام ذلك . فأجابها الملاك: "الروح القدس يحل عليك ، وقوة العلي تظللك ، فلذلك أيضاً القدوس المولود منك، يدعى ابن الله" . وهو قاطع بحبل مريم العذراوي.
وأردف الملاك بالقول : " هوذا أليصابات نسيبتك هي أيضاً حبلى بابن في شيخوختها ، وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقراً ، لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الله " ( لو 1: 36 و 37) ، فأجابت مريم بكلمات تدل على مدى وداعتها واتضاعها وإيمانها وخضوعها للرب : " هوذا أنا أمة الرب . ليكن لي كقولك " ( لو 1: 38) .

 

4) زيارتها لأليصابات ( لو 1: 39-56): بعد أن مضى من عندها الملاك ببضعة أيام ، ذهبت مريم لزيارة منزل زكريا واليصابات . ويكتفي لوقا بالقول إنها " ذهبت بسرعة إلى الجبال ، إلى مدينة يهوذا " ، ولكن يقول التقليد إن بيت زكريا كان في قرية " عين كارم " التي تبعد خمسة أميال إلى الغرب من أورشليم . وإذا صح ذلك ، فإن مريم تكون قد قطعت ما يزيد عن ثمانين ميلاً من الناصرة .
وعندما دخلت البيت وسلَّمت على أليصابات ، فوجئت بقول أليصابات : " مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك. فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلىَّ ؟ " . قالت أليصابات ذلك لأن الجنين ارتكض بابتهاج في بطنها حالما سمعت سلام مريم ، كما أنها" أمتلأت من الروح القدس " ، وأضافت : " طوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب " . فترنمت مريم بأنشودتها العذبة تعظيماً للرب وابتهاجاً " الله مخلصها ". ونرى في الترنيمة عمق معرفة مريم بكلمة الله ، إذ فيها الكثير من روح المزامير وترنيمة حنة أم صموئيل ( 1 صم 2: 1 – 10) . ومكثت مريم عند أليصابات نحو ثلاثة أشهر ثم رجعت إلى بيتها في الناصرة .

5) قصص طفولة يسوع: وبعد عودتها إلى الناصرة بقليل ، " وجُدت ( مريم ) حبلى من الروح القدس " ، ويوسف رجلها إذ كان باراً ، ولم يشأ أن يُشهرها ، أراد تخليتها سراً دون أن يعرضها للعار ، بل وللرجم . " ولكن فيما هو متفكر في الأمور ، إذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلاً : " يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك ، لأن الذي حُبل به فيها من الروح القدس " (مت1: 18- 20) ، وطلب منه ما سبق أن طلبه من مريم ، أن يسمي الطفل " يسوع " ( ومعناه " يهوه خلاص " ) " لأنه يخلص شعبه من خطاياهم " ( مت 1: 21) . وحالما " أستيقظ يوسف من النوم ، فعل كما أمره ملاك الرب ، وأخذ امرأته . ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر " ( مت 1: 24 و 25).

ومن قصة متى وحدها ، قد يتبادر إلى الذهن أن بيت لحم كانت مقر إقامة يوسف ومريم ، ولكن لوقا يشرح لنا سبب ذهابها إلى بيت لحم ، فقد أصدر أوغسطس قيصر أمراً " بأن يكتتب كل المسكونة " . وقد اتهم بعض النقاد لوقا بعدم الدقة ، على أساس أن التاريخ لم يذكر أن تعداداً حدث في وقت ولادة المسيح، وأن الأمر لم يكن يستوجب أن يقطع الإنسان نحو ثمانين ميلاً لكي يملأ بطاقة التعداد . ولكن الاكتشافات الأثرية أثبتت دقة لوقا.
ولا شك في أنه بسبب ازدحام مدينة بيت لحم بالقادمين من أجل التعداد ، امتلأت فنادقها بهم ، حتى لم يكن لمريم ويوسف " موضع في المنزل " ، فاضطرت مريم أن تُضجع الطفل في " مذود " ، ربما في كهف قريب ( كما تذكر بعض الأناجيل الأبوكريفية ).
وفي الحقول ، كانت جماعة من الرعاة يحرسون حراسات الليل على رعيتهم . وكانت هذه القطعان توجد دائماً قريبة من منطقة أورشليم لإمكان تقديم الذبائح في الهيكل في أورشليم ، الذي لم يكن يبعد عنهم بأكثر من ستة أميال . وظهر ملاك الرب للرعاة وبشرهم بولادة المسيح المخلص ، فأسرعوا إلى بيت لحم ووجدوا الطفل مقمطاً مضجعاً في مذود ، كما قال لهم الملائكة ، ورووا ما شاهدوه وما سمعوه . " أما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها " ( لو 2: 19) .

ولا يذكر لنا متى كم من الوقت كان قد مضى بعد مولد الرب يسوع ، عندما جاء المجوس من الشرق ، يقودهم النجم الذي رأوه في المشرق ، بحثاً عن المولود ملك اليهود . فلما سمع هيرودس أخبارهم ، اضطرب . وعندما تحقق من رؤساء الكهنة والكتبة أنه يولد في بيت لحم بناء على نبوة ميخا النبي ( مي5: 2)، فاستدعى المجوس وأرسلهم إلى بيت لحم لاستقصاء الأمر ، والعودة إليه . وكانت العائلة المقدسة قد انتقلت إلى بيت ، فجاء إليه المجوس " ورأوا الصبي معي مريم أمه ، فخروا وسجدوا له " . ثم " قدموا له هدايا ذهباً ولباناً ومراً . ثم إذ أوحي إليهم في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس ، انصرفوا في طريق أخرى إلى كورتهم " (مت 2: 1-12).
وفي اليوم الثامن تم ختان الصبي حسب الناموس " وسمي يسوع كما تسمى من الملاك قبل أن حُبل به في البطن " ( لو 2: 21).
ولما كملت الأربعون يوماً لتطهيرها حسب الشريعة ، صعدوا إلى أورشليم ليقدموه للرب ، وقدموا ذبيحة زوج يمام أو فرخي حمام ، وهي الذبيحة التي كان يقدمها الفقراء " الذين لم تنل يدهم كفاية لشاة " ( لا 12: 2-8 ، لو 2: 22-24).

 

6)الحياة في الناصرة والرحلة إلى أورشليم: يقول لوقا : " وكان الصبي ينمو ويتقوى بالروح ممتلئاً حكمة ، وكانت نعمة الله عليه " ( لو 2: 40) ، فقد كان البيت بيتاً يهودياً يتميز – بلا شك –بالتقوى واللهج في كلمة الله. وكانت الأسرة تذهب كل سنة إلى أورشليم في عيد الفصح ، وفي إحدى هذه الزيارات السنوية ، عندما كان الصبي في الثانية عشرة من عمره ، تخلف الصبي عن العودة مع يوسف وأمه ، " وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل جالساً في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم . وكل الذين سمعوه بُهتوا من فهمه وأجوبته . فلما أبصراه ( مريم ويوسف ) اندهشا ، وقالت له أمه : " يا بني لماذا فعلت بنا هكذا ؟ هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين " . فقال لهما : " لماذا كنتما تطلباني ، ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون في ما لأبي ؟ " فلم يفهما ما قال . " ثم نزل معهما إلى الناصرة وكان خاضعاً لهما . وكانت أمه تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها " ( لو 2: 41-52).

7) الأحداث في أثناء خدمة المسيح : كانت مريم أمه موجودة في عرس قانا الجليل الذي دعى إليه أيضاً يسوع وتلاميذه. ويبدو أنها كانت مسئولة – ولو إلى حد ما – عن الإشراف على الخدمة ، إذ يبدو أن أصحاب العرس كانوا من الأقرباء المقربين. وعندما فرغت الخمر ، قالت له أمه : " ليس لهم خمر " . ولا شك في أنها كانت قد بدأت
تدرك – إلى حد ما – حقيقته، فكانت تتوقع أن يفعل شيئاً لإنقاذ الموقف ، ولإشهار حقيقيته. ومن هنا جاء قوله لها : " لم تأت ساعتي بعد " . ( يو2: 1-5 ).

8) عند الصليب : يذكر يوحنا الحبيب أن مريم أم يسوع كانت بين الواقفات عند الصليب ، " ولما رأى يسوع أمه والتلميذ الذي كان يحبه واقفاً ، قال لأمه : يا امرأة هوذا ابنك .ثم قال للتلميذ : هوذا أمك ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته " ( يو 19: 25- 27). وتقول بعض التقاليد إنها عاشت بقية أيامها مع يوحنا سواء في أورشليم ، أو رافقته إلى أفسس .

9) بعد القيامة : لا تذكر الأناجيل شيئاً عنها بعد ذلك ، ولكن لوقا يذكر في سفر أعمال الرسل إنه بعد قيامة المسيح وصعوده إلى السماء ، ورجع التلاميذ من جبل الزيتون إلى أورشليم وصعدوا إلى العلية التي كانوا يقيمون فيها ، " وكانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم أم يسوع ومع إخوته " ( أع 1: 12-14 ) في انتظار تحقيق وعد الرب بإرسال الروح القدس ، وهو ما تم في يوم الخمسين. ولا يذكر الكتاب المقدس شيئاً عنها بعد هذا.
إن جميع المسيحيين ، بل والكثيرين من غير المسيحين يطوبونها لأنها أم يسوع ، وهي بلا شك تستحق ذلك فجميع الأجيال تطوبها ( لوقا 1: 48 ).

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا