النَّمَّام

إن الكلمة العبرية المترجمة "نمام" في الكتاب المقدس تعرّفه بأنه: "الشخص الذي يتجول ناشرا الأخبار أو الفضائح". فالشخص النمّام هو من لديه معلومات خاصة بالآخرين ويعلنها لمن ليس من شأنهم معرفتها
21 فبراير 2019 - 17:43 بتوقيت القدس

اعطى الله الانسان القدرة على الكلام والتعبير عن نفسه، وهذا يميِّز الانسان عن باقي الكائنات الحية. فكل واحد منا يرغب ان يعبر عن ذاته ومشاعره، افكاره الشخصية، نجاحاته وحتى اخفاقاته.

كثيرًا ما يدور الجدال والنقاش بيننا كبشر في امور حياتنا اليومية والشخصية منها، واحيانًا في امور عامة تخص المجتمع ككل، والتحديات التي نواجهها كلنا ان كانت اقتصادية، اجتماعية، صحية، سياسية وامور اخرى واهم من كل هذا الامور هي الموضوعات الروحية.

ولكن هل نحن كبشر نستعمل دائمًا نعمة الكلام بالطريقة الصحيحة والايجابية، التي تعود بالفائدة لنا ومن يسمعنا، وكلامنا دائمًا مُمَلَّح يفرح به من يسمعه، او احيانًا يكون كلام سلبي، عديم الفائدة ليس لنا ولا للآخرين، ربما يكون ايضًا جارح ومُؤذي لمن يسمعنا واحيانًا حتى من الممكن ان يكون غير دقيق بل وكاذب ايضًا!

ذُكِر في كتاب الامثال عدة مرات عن الانسان النمام اي الواشي، الذي ينشر الإشاعات والاكاذيب بين الناس.

من الممكن ان تكون اكاذيب او حتى امور حقيقية سلبية حدثت بحياة الآخرين، وهناك رغبة شديدة بالكلام عنها وبثها للجميع، لكي يعرف الجميع ما حدث.

لكن السؤال هو لماذا عندنا نحن الجنس البشري، هذه الرغبة بالكلام عن الامور السلبية وبكثرة، خاصة ما يحدث بحياة الآخرين ولكن الامور الايجابية والحسنة قليل ما نفطن بها ونذكرها؟!

في امثال 27/16 يقول سليمان ان الرَجُل اللئيم ينبش الشر، وعلى شفتيه كالنار المتقدة. رَجُل الاكاذيب يُطلِق الخصومة، والنمام يفرق الاصدقاء.

نرى هنا التأثير السلبي الذي ممكن ان يسببه الرجل اللئيم الذي يتكلم بالشر والكذب، وان النمام الذي يتكلم بالسوء وكلام الكذب والاقاويل، من الممكن ان يفرق حتى الاصدقاء! فكم نسمع عن احب واعز الاصدقاء اختلفوا على كلام معين وسوء تفاهم، عن امور من الممكن ان تكون كاذبة، او حتى صادقة وصحيحة ولكن نُقِلَت من شخص الى آخر بطريقة سلبية وبسبب دوافع قلبية غير سليمة.

وللأسف الشديد نحن احيانًا لا نكون حازمين في هذه الامور، بل وتطرب آذاننا على كلام النميمة ومكايد النمام، الذي غالبًا تكون دوافع قلبه زرع الخصومات بين الاصدقاء، او الكلام السيء على الآخرين لكي يظهر انه هو الافضل، ولكي "يُسَتِّر" على اخطائه وخطاياه.

فعلينا ان نكون حازمين في هذا الامر، ولا نسمح لكلام النميمة بيننا حتى لو كان الامر صحيح، لان كلام النمام مثل لُقَم حلوة وهو ينزل الى مخادع البطن ( امثال 8/18 ).

ومن منا اذا اخطأ في امر ما، يرغب بان يتكلم عن ذلك الامر جميع الناس؟ الا نفضل نحن اذا تصرفنا بشكل غير لائق، ان يسامحنا من اخطأنا بحقه وينسى الامر، وان لا يتكلم عنه مع جميع الناس ويطعن بنا؟

من الممكن لنا جميعًا ان ندخل في جدال او حتى خصام مع احد الاشخاص، ولكن من المهم جدًا ان نتحدث مع ذلك الشخص بروح المحبة والتواضع، وان نسمح للتفاهم السلمي ان يسود على الاجواء، وان لا نسمح لاي كلام كذب ان يعرقل علاقاتنا الاجتماعية احدنا مع الآخر، لانه بعدم الحطب تنطفىء النار، وحيث لا نمام يهدأ الخصام! (امثال 20/26).

في سفر العدد الاصحاح الثاني عشر، نقرأ كيف تكلم هارون ومريم على موسى ( الذي كان حليمًا جدًا، اكثر من جميع الناس الذين على وجه الارض )، بسبب المرأة الكوشية التي اتخذها، كذلك بقولهم:

هل كلم الرب موسى وحده؟ الم يكلمنا نحن ايضًا؟ ويقول الوحي المقدس ان الرب سمع ذلك الكلام، والرب وبخهم على هذا التصرف الغير لائق، حتى ان مريم اصيبت بالبرص، وشفيت منه بعد ان صلى لها موسى.

هل ندرك نحن ان الرب الاله يرى كل تحركاتنا، ويسمع كل اقوالنا؟ وعلينا ان نعطي حسابًا على كل ما قلنا وفعلنا؟

حذرنا يعقوب في رسالته الاصحاح الثالث بان لا نكون معلمين كثيرين، عالمين اننا نأخذ دينونة اعظم، لاننا في اشياء كثيرة نعثر جميعنا. وان كان احد لا يعثر في الكلام فذاك رجل كامل، قادر ان يلجم كل الجسد ايضًا.

فيشبه اللسان بالنار وعالم الاثم، الذي يدنس الجسم كله، ويضرم دائرة الكون، ويُضرَم من جهنم. ويقول بان اللسان لا يستطيع احد من الناس ان يُذَلِّلَهُ، هو شر لا يضبط، مملو سمًا مميتًا، به نبارك الله الآب، وبه نلعن الناس الذين قد تكونوا على شبه الله، (وننسى من اوصى قائلا باركوا لاعنيكم!) ومن الفم الواحد تخرج بركة ولعنة!

يحثنا الرسول على ان نكون مسرعين في الاستماع، مبطئين في التكلم وفي الغضب ( يعقوب 19/1 ).

كذلك داود في كتاب المزامير يشجعنا على ان لا نكون كثيري الكلام، ففي المزمور 13/38 يقول اما انا فكأصم لا اسمع، وكابكم لا يفتح فاه، واكون مثل انسان لا يسمع وليس في فمه حُجَّةٌ.

وفي المزمور 1/39 يقول: " أتحفظ لسبيلي من الخطأ بلساني، احفظ لفمي كمامة فيما الشرير مقابلي ".

تشجيع مبارك جدا من الملك داود علىعدم التسرع في الكلام، بل وان نحفظ كمامة لافواهنا فيما الشرير مقابلي، ان كان هذا الشرير هو انسان يتكلم علينا بالسوء، بان لا نرد الشر بالشر، بل نبارك من يلعننا، ومن الممكن ان يكون هذا الشرير هو الشيطان الكذاب ابو الكذاب، الذي يلعب في افكار وافواه الناس كما يشاء، فعلينا نحن ان نحذر هذا الشرير الذي يفرح بِدَس البدع والاكاذيب بين الاعداء، حتى بين الاخوة والاصدقاء.

في النهاية نسمع ما يقوله سليمان الحكيم في كتاب الامثال: "مجد الملك اخفاء الامر، ومجد الملوك فحص الامر" ونحن ايضا علينا ان " نخفي " اخطاء وزلات اخوتنا، اصدقائنا وحتى اعدائنا، وان لا نشهر بهم ونكون نمامين، واذا اردنا ان نتصرف حسنًا فعلينا فحص الامر مع من يخصه الامر، لان المحبة تستر كل الذنوب، وفي شفتي العاقل توجد حكمة. ( امثال 12/10 )، كذلك يقول انه من يستر معصية يطلب المحبة، ومن يكرر أمرًا يفرق بين الاصدقاء ( امثال 9/17 ).

وكما اوصى بطرس الرسول بانه قبل كل شيء، لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة، لان المحبة تستر كثرةً من الخطايا، وكما علم بولس بان المحبة لا تتفاخر، لا تنتفخ ولا تقبح، بل تتانى وترفق، ولا تظن السوء ولا تفرح بالاثم بل تفرح بالحق، لانها المحبة لا تسقط ابدًا، وكما ان سيدنا ومخلصنا يسوع المسيح ستر خطايانا ولم يشهر بنا، علينا نحن ايضًا ان نتشبه به بان نغفر لاخوتنا وان لا نشهر بزلاتهم، ونستر اخطائهم لكي نُبعِد كل نمام وكل روح شر عن شركتنا المقدسة.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا