في يوم 23 كانون الأول الماضي وعقب اعتماد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2334 الذي طلب أن تُوقف فوراً وعلى نحو كامل جميع الأنشطة الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وقف السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة داني دانون ورفع التوراة بيده اليمنى متحدياً العالم ومعلناً: "هذا الكتاب يحوي على ثلاثة آلاف عام من التاريخ اليهودي، لا أحد يستطيع تغيير هذا التاريخ". ولاحقاً وفي السادس من شباط الماضي صادق الكنيست الإسرائيلي على قانون التسوية الذي يشرّع الاستيطان والسرقة، فجاء هذا ليكون قانوناً يسمح للقانون أن يتجاوز القانون. وكالعادة فإن مثل هذه التصريحات والسياسات تصدر عن دولة احتلال ضربت وما زالت تضرب بعرض الحائط كل القرارات والمواثيق الدولية وتتحكم بالكتاب المقدس كما تريد واضعةً إياه في خدمة سياساتها العدوانية.
وإذا ما رجعنا إلى الماضي البعيد وإلى الكتاب المقدس، نفس ذلك الكتاب الذي استخدمه السفير الإسرائيلي ليهز مشاعر وعاطفة العالم، فنجد أن الملك اليهودي آحاب (875 – 854 ق.م) قد استولى على كرم شخص يدعى نابوت. ويقول كتاب الملوك الأول في فصله الحادي والعشرين أن هذا الملك العنيد قد حاول إغراء نابوت ليضمَّ حقله إلى القصر الكبير والجميل وذلك بإعطائه كرماً أفضل من الذي يملك، وعرض عليه أيضاً أن يدفع أكثر من السعر العادي مقابل الأرض. لكن هذا العرض قد قوبل بالرفض من طرف صاحب الأرض الذي قال: "لا سمح الرب أن أعطيك ميراث أبائي" (الآية 3). فرفض نابوت بالتالي أن يفرّط في أملاك أجداده وامتنع عن بيع كرامته. وبتدبير من الملكة الخبيثة إيزابيل فقد تم لاحقاً قتل نابوت ظلماً بناء على شهادة زور (الآية 10). والنهاية كانت أن استولى الملك آحاب على الحقل لأنه كان من حق الملك أن يتملك على ميراث الأموات الذين لا ورثة لهم.
ويروي لنا الكتاب المقدس أن الله قد غضب جداً من تصرف آحاب وإيزابيل وأمر النبي إيليا أن يذهب إلى الملك ليقول له: "في الموضع الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت، تلحس الكلاب دمك أنت أيضاً" (الآية 19)، وقد تمّ هذا بالفعل فكانت نهاية الملك آحاب كخاتمة نابوت.
وتمضي الأيام والسنون، والله يبقى هو نفسه الله العادل المحب جميع البشر، ووصاياه وكلمته فهي ثابتة وأزلية ومبادئه لا تتغير. وقد أعطى للإنسان كرامة متساوية بين الجميع. أمّا الأشخاص فبعضهم تتغير أشكالهم فقط. الملك آحاب كان قائداً سياسياً وعسكرياً فذّاً وانتصر بمعارك عديدة على أعدائه. وكانت نقطة ضعفه فشله الأخلاقي والاداري، فقد ترك العديد من الأمور إلى زوجته إيزابيل التي قادت شعبها وزوجها إلى طرق الشر والدمار والموت. والاحتلال اليوم من الجهة الثانية فيستمر في اغتصاب الأرض بقوة القانون الجائر وفرض سلطة القوي على إرادة الضعيف. آحاب قُتل ومات ميتة نابوت، أما الاحتلال فهو ميتٌ أخلاقياً منذ العام 1948.
إن الله وكما يقول لنا الكتاب المقدس لم ترِق له أعمال الملك آحاب لا بل اعترض على ما فعله، فقام بارسال النبي إيليا ليوبخه على فعلته، وفي النهاية مات الملك ميتة من قتل. فهل الله يرضى عمّا يقوم به الاحتلال من قمع وظلم بحق شعبنا؟ الجواب واضح ومعروف للجميع. وإلى متى سيُستخدم الكتاب المقدس وبالأخص العهد القديم لتبرير وجود دولة الاحتلال التي يعتبرها البعض امتداداً للدولة أو المملكة القديمة؟
إننا كمسيحيين فلسطينيين نرفض استخدام العهد القديم لشرّعنة الاحتلال والنشاط الاستيطاني، فالاحتلال هو خطيئة ضد الله والإنسانية، والخطيئة يجب أن يتم اقتلاعها بطرق إنسانية وخلاّقة ترضي الله (راجع وثيقة وقفة حق 4-2-1 و 4-2-3). وأملي أن يبقى الشعب الفلسطيني متمسكاُ بأرضه وتراثه وتاريخه كالشهيد نابوت. أمّا الاحتلال، ممثلاً هنا بالملك آحاب الذي باع نفسه للشيطان أمام أعين الله، فسيزول عاجلاً أم آجلاً، لأن الله خلقنا على هذه الأرض لنعيش فيها لا لنموت ميتة نابوت.