أسلكوا بالروح... كأولاد نور

هل يسير اثنان معًا إن لم يتواعدا؟ هذا السؤال البديهي هو مقدمة ضرورية لموضوع السلوك المسيحي، ذلك أن من تواعد مع الله فالتقى معه بإيمانه بموت المسيح الكفاري على الصليب لأجله شخصيًا...
03 يونيو 2016 - 00:36 بتوقيت القدس

اسلكوا بالروح

هل يسير اثنان معًا إن لم يتواعدا؟ هذا السؤال البديهي هو مقدمة ضرورية لموضوع السلوك المسيحي، ذلك أن من تواعد مع الله فالتقى معه بإيمانه بموت المسيح الكفاري على الصليب لأجله شخصيًا، هو ذاك الذي يستطيع أن يسير معه كل الطريق.

السلوك هو مسيرة المؤمن مع الله بحسب الخليقة الجديدة في المسيح " فكما أقيم المسيح من الأموات بمجد الله، هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة" (رومية 6: 4، غلاطية 6: 16). 
ينمو سلوكنا ويتقدم وفقًا لإدراكنا الروحي "وأمّا ما أدركناه، فلنسلك بحسب ذلك القانون عينه ونفتكر ذلك عينه" (فيلبي 3: 16) وان كنا نلاحظ أن الرب يسوع في حياته على الأرض كان ينمو ويتقدم (انسانيًا) فسلوك المسيحي هو سلوك في المسيح ونحن مدعوون أن نسلك كما يحق للرب في كل رضى، فكما قبلنا المسيح يسوع الرب لنسلك فيه متأصّلين ومبنيين فيه وموطّدين في الايمان (لوقا 2: 52، كولوسي 1: 10، 2: 6).

أولاً يوضّح الله للمؤمن المقام السامي الذي جعله فيه، ومن ثمّ يضع أمامه مسؤولية السلوك العملي بما يتناسب مع هذا المقام. نرى ذلك جليًا في رسالة أفسس، رسالة الامتيازات المسيحية والبركات الروحية في السماويات. في الإصحاحات الثلاثة الأولى يرفع الله أنظارنا الروحية لنرى فكرهُ من نحونا فندرك ما لنا في المسيح وفي الإصحاحات الثلاثة الأخيرة، يوجّهنا الرب لكي يكون لنا الفكر الصحيح من نحوه فنعيش في مسؤولية كاملة لائقة بأولاد الله.

لاحظ أن رسالة بركات الله، هي نفسها رسالة سلوك المؤمن العملي وذلك حسب الترتيب الإلهي الصحيح: الامتيازات أولاً ومن ثمّ المسؤولية كنتيجة لإدراكنا لمركزنا في المسيح.

دعونا نستعرض تسلسل موضوع السلوك كما يرد في هذه الرسالة:

1. السلوك بين الماضي والحاضر:

يصف الله الماضي بقوله: "وأنتم إذ كنتم أمواتًا بالذنوب والخطايا، التي سلكتم فيها قبلاً حسب دهر هذا العالم، حسب رئيس سلطان الهواء، الروح (الشرير) الذي يعمل الآن في أبناء المعصية" (أفسس 2: 1، 2). هكذا نرى أن غير المؤمن هو ميت (روحيًا) بالخطايا أي أنه منفصل كليًا عن الله، أما المؤمن فلا ينبغي أن يسلك فيما بعد "كما يسلك سائر الأمم ببطل ذهنهم، إذ هم (غير المؤمنين) مظلمو الفكر ومتجنّبون عن حياة الله لسبب الجهل الذي فيهم بسبب غلاظة قلوبهم" (أفسس 4: 17). على المؤمن أن يكون عاقلاً صاحيًا، إذ أنّه نال روحًا جديدًا وحياة جديدة يعينانه على رفض سلوكه السابق والانطلاق الى الأمام.

2. الله جهز الطريق للسلوك:

يقف المؤمن في بداية طريقه متسائلاً: "هل أستطيع أن أسير في طريق الله الصالحة؟" يجيب الوحي المقدّس: "نحن (المؤمنون) عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدّها لكي نسلك فيها" (أفسس 2: 10). لقد أنشأ الروح القدس فينا أعمالاً صالحة هي ثمار الخليقة الجديدة في المسيح والتي حضّرها الله سابقًا وقدّمها لنا لكي نسلك فيها دائمًا.

3. استعداد شخصي:

بعد أن عرفنا في أيّ ضياع ٍ كنّا ورجعنا تائبين إلى الله الحيّ الحقيقي، عالمين أنه جهّز لنا أيضًا الطريق الجديد لكي نسير فيه، يناشدنا الروح القدس على لسان الرسول: " أن تسلكوا كما يحقّ للدعوة التي دعيتم بها بكلّ تواضع ووداعة وبطول أناة، محتملين بعضكم بعضًا في المحبة" (أفسس 4: 1). إن المؤمن المسيحي مدعو للسلوك العملي الدائم في خطى المسيح وهو برهان لثباته في المسيح " من قال أنه ثابتٌ فيه ينبغي أنه كما سلك ذاك، هكذا يسلك هو أيضًا" (1 يوحنا 2: 6).

تعالوا أيها الأعزاء نتأمل الآن بتقدير في قيمة هذه الدعوة للسلوك المسيحي: 

1. هي دعوة الله العليا في المسيح يسوع، إنها دعوة المحبة التي تتوافق مع الله القائل: " فكونوا متمثلين بالله كأولاد أحبّاء واسلكوا في المحبة كما أحبّنا المسيح أيضًا وأسلم نفسه لأجلنا" (فيلبي 3: 14، أفسس 5: 1، 2). ما أمجدها من دعوة للسلوك المحب المضحّي الذي يقتدي بمحبة المسيح ويحذو حذوها، فهو الذي أوصانا: "هذه هي وصيتي أن تحبّوا بعضكم بعضًا كما أحببتكم" وليتنا جميعًا نسعى بكلّ قلوبنا لنتمّم ذلك عمليّا.

2. هي دعوة مقدّسة فالله الذي دعانا هو قدّوس ويريدنا أن نعيش حياة القداسة. هو نور ليس فيه ظلمة البتّة وبما أننا أولاده فدعوتنا هي أن نسلك كأولاد نور، لأننا كنا قبلاً ظلمة وأما الآن فنور في الرب. يدعونا الله ايضًا أبناء نور وأبناء نهار لأن من يتبع الرب يسوع لا يمشي في الظلمة، بل يكون له نور الحياة، لذلك فلنسلك كما في النهار في لياقة تناسب مقامنا الجديد (2 تيموثاوس 1: 9، أفسس 5: 8، انجيل يوحنا 8 :12).

3. دعوة سماويّة ويشرّفنا الله بأن يدعونا "شركاء الدعوة السماويّة"، مشجّعًا ايّانا بقوله: "فانظروا كيف تسلكون كجهلاء لا كحكماء" (أفسس 5: 15). انها دعوة للسلوك في الحق، كي نفهم مشيئته من خلال تقدير وطاعة كلمته المقدّسة فنحياها بصورة عمليّة. هكذا نتدرّب أيضًا كيف نعيش ونخدم ليس الرب فقط، بل أيضًا المؤمنين والناس أجمعين بحكمة وأمانة. 

انّ دعوة الله سماوية وعلى المؤمن أن يسلك سلوكًا سماويًا مدقّقًا منضبطًا محبًّا، فيحيا حياة السماء على الأرض (عبرانيين 3: 1، كولوسي 4: 5، 2 يوحنا 4- 6).

دعونا أيها الأحبّاء نسلك بكل أمانة حتى نعمل أعمال المسيح ويكون لنا عواطف المسيح تجاه بعضنا البعض وفي كل شيء نفتكر فكر المسيح ونسعى غير عاثرين متمثلين بمحبة المسيح لتكون حياتنا بجملتها لمجد المسيح.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا