في البداية دعونا نقرأ هذه الأعداد من كلمة الله المباركة:
في رسالة رومية الأصحاح الثالث اعداد :24- 26.
"متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح، الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه، لإظهار بره، من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله. لإظهار بره في الزمان الحاضر، ليكون باراً ويبرر من هو من الإيمان بيسوع"
وفي الأصحاح الرابع اعداد : 4 - 8
"أما الذي يعمل فلا تحسب له الأجرة على سبيل نعمة، بل على سبيل دين. وأما الذي لا يعمل، ولكن يؤمن بالذي يبرر الفاجر، فإيمانه يحسب له براً. كما يقول داود أيضا في تطويب الإنسان الذي يحسب له الله براً بدون أعمال: «طوبى للذين غفرت آثامهم وسترت خطاياهم. طوبى للرجل الذي لا يحسب له الرب خطية»".
نفهم من الايات السابقة انه لا يمكن أن يكون التبرير بالأعمال، حيث أن التبرير يحتاج أن تكون باراً فعلاً لكي يعلن الله انك بار، وحيث انه من المستحيل بالنسبة لقداسه الله أن تكون باراً في عينه فلا يمكن أن يعلن انك بار. بينما البر الوحيد الذي ينال رضي الله هو بر المسيح وما فعله الله حين آمنت بالمسيح أن حُسب بر المسيح لك، وهكذا أصبح ممكناً أن يعلن الله انك بار بناءً على ما يراه في حسابك، وهذا ما سنوضحه بتفصيل في هذا المقال.
عندما نسمع كلمة تبرير أو كلمة بر في رسالة رومية، فإن تفكيرنا ينبغي ان يذهب فوراً الى المحكمة، فالألفاظ اليونانية المستخدمة والتي استخدمها الرسول بولس في كتابة هذه النصوص ألفاظ تستخدم في المحكمة، فعندما اناقش التبرير والبر والذنب فأنا عملياً في قاعة محكمة، مع الاختلاف اننا في هذه الرسالة موجودون في المحكمة الإلهية.
والمحكمة الإلهية تشبه المحكمة الأرضية، فلو دخلت اي محكمة في الأرض وحضرت قضية ما، ستجد القاضي في المنتصف تقريباً يجلس، ولو نظرت على اليمين ستجد قفص الإتهام حيث يوجد شخص أو اشخاص مذنبين، ولو نظرت الى الناحية الاخرى ستجد الإدعاء أو النيابة والتي توجه التهم للشخص المذنب في القفص، وستجد شخصا اخر في المحكمة وهو المحامي، وستجد بطبيعة الحال الاشخاص الجالسين، الناس الذين يحضرون المحكمة.
ففي رسالة رومية نحن في محكمة. ومن هم الذين في قفص الإتهام؟ الجواب: الكل "الجميع زاغوا فسدوا معاً ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد" (رو 3: 12). وفي الأصحاح نفسه عدد 10 "كما هو مكتوب :انه ليس بار ولا واحد". وفي الأصحاح الأول من الرسالة وعدد 14 يقول بولس "اني مديون لليونانيين والبرابرة للحكماء والجهلاء"، المقصود باليونانيين العالم المتحضر، فكل العالم المتحضر مذنب أمام الله. والبرابرة مقصود بها البربري أو الهمجي وهؤلاء ايضا مذنبون وموجودون في قفص الإتهام. الحكماء مقصود بها الذين لهم قسط وافر من العلم والثقافة والمعرفة أيضا هؤلاء في القفص. والجهلاء ليس لهم اي علم أو معرفة لكنهم ايضا في القفص.
فالجميع سواء كانوا متحضرين أو همج ،سواء كانوا متعلمين أو جهلة، كلهم ارتكبوا خطايا، فكلهم مذنبين وكلهم عليهم قضايا ويقفون في قفص الإتهام في المحكمة الإلهية، والقاضي هو الله.
في عالمنا الحاضر نجد ان هناك قضاة أحياناً يكون الواحد منهم يقبل بالرشوة ويبرىء المذنب ويذنب البريء (أم 17 : 15)، أو قد نجد قاضياً مزاجياً يحكم بحسب حالته النفسية في هذا اليوم أو ذاك، فعندما يكون غاضباً يصدر حكماً قاسياً وعندما يكون مسروراً لسبب ما نجد ان الحكم ربما يكون مخففاً وهكذا.
السؤال: هل الله قاضي من هذا النوع؟ حاشا، فالله قاضي بار عادل وكلمة بر أو عدل بالانجليزية تترجم Right( أي صحيح ). إنه سيحكم حكماً صحيحاً عادلا، وسيديننا، وانت وانا نستحق هذا الحكم لأننا فعلنا خطايا (علينا قضايا) والتهمة ثابتة علينا وكله مسجل بالصوت والصورة، فنحن خطاة مستوجبون الهلاك الأبدي.
في الأصحاح الأول من الرسالة نجد الأمم في قفص الإتهام، ثم في الأصحاح الثاني نجد اليهود في قفص الإتهام، وفي الأصحاح الثالث نجد انه لا فرق بين اليوناني واليهودي بين الجاهل والمتعلم بين المتحضر وبين البربري، فكلهم في قفص الإتهام.
وهنا نسأل: ما هو حلم الشخص الذي وجد نفسه في قفص الإتهام؟
الإجابة: طبعا حلمه هو ان القاضي يعلن البراءة لهذا الشخص، ومن هنا فهذه الرسالة هي خبر سار. لماذا؟ لأن القاضي الذي في المحكمة وجد طريقة قانونية بها يخرجني من قفص الإتهام، ويعطيني ليس حكم براءة ولكن أعلى منه" تبرير" وسنتكلم عن الفرق بين الاثنين.
ماذا يعني التبرير؟
من الكلمات التي تتكرر في رسالة رومية كلمة "يحسب" أو حساب، وهذا يقودنا لان نفكر بطريقة البنوك والحسابات، فالاحتساب كلمة لها معنى محاسبي وتعني في اللغة الأصلية وضع ديون أو مستحقات في حساب شخص. الذي حدث هو ببساطة تبديل حسابات، فالخطايا التي في حسابك ازيلت من حسابك و تم وضعها في حساب المسيح، اضافة الى ذلك تم احضار بر من عند الله ووضعه في حسابك. فالله ينظر الى ملفك ويقول هذا الشخص تم تبريره وهذا الشخص بار.
فاالله ألغى ديوني "طوبى للرجل الذي لا يحسب له الرب خطية" (رو 4 :8).
وليس هذا فقط بل أضاف الى حسابي رصيد "..ايمانه يحسب له براً" (رو 4: 5).
بمعنى ان هناك :
اشياء عملتها أزيلت من حسابي ( الخطايا )
اشياء لم أعملها أضيفت الى حسابي ( البر )
فالتبرير يعني انك شخص دخلت المحكمة عليك خطايا، ولكنك خرجت منها ليس فقط كأنك لم ترتكب خطايا، ولكن ايضا عملت البر، مع انك في الواقع عملت الخطأ ولم تعمل الصواب، هذا هو التبرير وهو أعلى من حكم البراءة.
هناك قصة بسيطة في الكتاب المقدس يتجلى لنا فيها مفهوم التبرير بوضوح. في رسالة بولس الرسول الى فليمون، لو قرأنا هذه القصة سنرى فيها فكرة التبرير بوضوح تام، ففيلمون الرجل الرائع الغني الذي يتسم بالبر والصلاح والاخلاق العالية كان هو وأسرته عندهم عبد هو انسيمس، هذا العبد سرق وهرب من البيت، الرسول بولس يريد ارجاع هذا الشخص ويريد ان ينفذ معه التبرير، فأنسيمس خرج من البيت عبد هارب مديون، وبولس سيرجعه ولكن ليس عبد بل اخ، لكن ايضا غير مديون، فيقول لفيلمون في عدد 18 من رسالته "ان كان قد ظلمك بشيء ولك عليه دين احسب ذلك عليّ "، فكل الحسابات الخطأ التي على انسيمس ستنتقل عنه وستوضع في حساب بولس، وليس هذا فقط لكن هناك شق ايجابي من التبرير، فالشق السلبي كما وضحنا سابقاً: (طوبى للرجل الذي لا يحسب له الرب خطية) والشق الايجابي (ايمانه يحسب له براً). فكل الديون التي كانت على انسيمس أزيلت من حسابه ووضعت في حساب بولس هذا الشق السلبي، لكن ايضا هناك شق ايجابي في عدد 17 يقول "فان كنت تحسبني شريكاً اقبله نظيري" والعدد الذي قبله عدد 16 يقول "لا كعبد فيما بعد بل أفضل من عبد، أخاً محبوباً ولا سيما إليّ فكم بالحري إليك في الجسد والرب جميعاً"، فأنسيمس سيرجع الى البيت ليس كعبد. وليس هذا فقط بل سيعامل من فيلمون على أنه اخ، وليس هذا فقط بل وعندما يدخل البيت سيعامل كأنه الرسول بولس.
فمعنى التبرير هو انه هناك شيء أزيل من حساباتك وشيء اخر أضيف الى حساباتك، الخطايا التي عملتها ازيلت من حساباتك والبر الذي لم تعمله اضيف الى حساباتك، وبهذا الله يبررك وتصبح انت شخص تبررت، وينطبق عليك ما جاء في رومية 5 عدد1 "فإذ قد تبررنا بالايمان لنا سلام مع الله".
فالتبرير هو العمل القضائي الذي بواسطته يعلن الله أن الخاطئ اصبح بار بناءاً على موت المسيح وهو من نتائج موت المسيح البديلي كل من العهد القديم والعهد الجديد يقدم الكلمة بنفس المعني :النطق بحكم ايجابي، الإعلان عن بر شخص ما. مهم ان نلاحظ ان بار تعبير قانوني لا يشير إلى شيء نختبره بطريقة شخصية بل يشير إلى إجراءات تتم في سجلات الله (فهو تعبير مقامي وليس اختباري).
طوبى لك ان كنت تمتعت بالايمان بالمسيح وعمله و تعرف مقامك وتبريرك وما هي بركة التبرير ونتيجته.