بداية لنرى ما هو معنى التقديس:
إن المعنى المجرد للفعل "يقدس" هو "يعزل أو يخصص"، والمعنى الحرفي للإسم "تقديس" هو "فصل أو تخصيص".
في العهد القديم مثلا نجد أن:
أدوات خيمة الإجتماع كانت تفصل وتخصص لخدمة الله. (خر 40: 10- 11)
كما قد خصص جبل سيناء لله لإعطاء الناموس. (خر 19 :23)
والكهنة أيضا في اسرائيل كانوا يفصلون أنفسهم من نجاساتهم. (خر 19 :22)
ورافضوا الإيمان في أيام اشعياء قد خصصوا أنفسهم، على العكس لفعل الشر أمام عيني الله. (اش 66: 17)
وفي العهد الجديد يقول الكتاب عن المؤمنين:
"ان الله اختاركم من البدء للخلاص بتقديس الروح وتصديق الحق" (2تس 2 :13)
"المختارين بمقتضى علم الله الآب السابق في تقديس الروح للطاعة ورش دم يسوع المسيح" (1بط 1: 2).
ولا يتسع المجال في هذا المقال ان نتكلم عن موضوع الإختيار لكن سأركز على عمل الروح القدس في التقديس وكيف يتم، فتعالوا لنرى معاً.
إن كلمة الله كما نعلم موجهة للناس جميعا، ولكن لا يحدث للجميع نفس التأثير. فالمسيح المصلوب قد يكرز به لمائة شخص لم يتقابلوا مع الله، ولكن قد لا يستفيد إلا شخص واحد إذ ينكسر قلبه على خطاياه ويطلب السلام مع الله، بينما التسعة والتسعون يذهبون في طريقهم دون أن يتأثروا. لماذا هذا الإختلاف؟ لأن الروح القدس قد استخدم الكلمة بقوة في أعماق ضمير هذا الشخص ففصله وعزله، بواسطة عمل إلهي في داخله، عن كل الجمهور غير المبالي الذي الذي كان هو واحدا منه.. ما أعظمك يا رب!!
في الأعداد الأولى التي يفتتح بها سفر التكوين نجد العالم الذي خلقه الله موصوفاً بالكلمات التالية: "وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة" (تك 1: 2). يا لها من صورة للإنسان الساقط البعيد عن الله، إن نفسه في حالة خراب أدبي، وذهنه مظلم، وفكره وضميره مدنسان، وهو في الواقع ميت بالذنوب والخطايا وعدو في الفكر والاعمال الشريرة، كل هذا تحدثنا عنه الأرض الخربة. ولكن الله قد أعاد عمل هذه الأرض لتصير مكان سكن للإنسان، بيتا يصلح له. وكيف عمل ذلك؟ كان العامل الأول الفعال هو الروح، والثاني هو الكلمة، "روح الله يرف على وجه المياه". وعندما أخذ الروح يرف على مشهد الخراب هذا، بدأت كلمة القوة عملها "وقال الله ليكن نور فكان نور".
وهكذا في خلاص الإنسان، الروح والكلمة يجب أن يعملا. الروح يبدأ بالعمل في النفس، ثم يحييها مستخدما رسالة كلمة الخلاص (بالكلمة). فهو يوقظ النفس وينشيء معها الشوق لمعرفة المسيح والتخلص من سلطة الخطية والنجاة من عقابها، بعد هذا العمل أو كنتيجة له ينفتح القلب للإنجيل. وإذ تؤمن النفس به يدخلها النور مبدداً الظلام "لأن الله الذي قال ان يشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح" (2 كو 4: 6). فقبل أن يضيء النور كان يجب أن يرف الروح .
يعبر وليم ماكدونالد عن هذه الحقيقة المجيدة:
ما أجمل هذا! ففي الخليقة الأولى «أمر» الله النور أن يشرق، ولكن في الخلقية الجديدة، الله نفسه قد أشرق في قلوبنا. كم هذا شخصيّ أكثر!! والأحداث التي جرت في تكوين 1 هي صورة لما يحصل في الخليقة الجديدة.. الخطيَّة دخلت، ومعها دخلت ظلمة دامسة. وفيما يُكرَز بالإنجيل، يتحرّك روح الله على قلب الإنسان، تمامًا كما تحرّك على وجه الغمر بعد الخليقة الأولى. ثم يشرق الله في قلب هذا الإنسان، مبيِّنًا له أنه خاطئ مذنب ويحتاج إلى المخلِّص.
كان أهل كورنثوس متصفين بالخطايا الشائعة بين الناس، لقد كانوا مثل الأفسسيين، الذين كانوا يسلكون قبلاً «حسب دهر هذا العالم»، وكان يعمل فيهم «الروح الذى يعمل الآن في أبناء المعصية» (أف2: 1 - 5)؛ ولكن حدث فيهم تغيير عظيم، فالعواطف والرغبات القديمة حلت محلها أشواق مقدسة جديدة، والحياة الشريرة تحولت إلى حياة أخرى تتميز بالسعي نحو التقوى. ما الذي أحدث هذا التغيير؟ ثلاثة تعبيرات تستخدم لتحمل إلينا المعنى كاملاً. يقول الرسول «لكن اغتسلتم، بل تقدستم، بل تبررتم»، وكل هذا «باسم الرب يسوع وبروح إلهنا» (1 كو 6: 11)، فقد وُضِع الرب يسوع المسيح أمام هؤلاء المؤمنين في شخصه وفي عمله كما هو موضح في الإنجيل، إذ هو وحده مخلِّص الخطاة .
فيا له من عمل إلهي !!