يعتقد كثبرون أن الانقسامات والتشرذم هما آفة الكنائس الانجيلية الأولى. ففي الوقت الذي يعاني المسيحيون ككل في بلادنا من انعدام الوحدة، والأعداد المتناقصة نتيجة الازدياد الطبيعي القليل والهجرة- تأتي الانقسامات في الكنائس الانجيلية لتزيد الطين بلّه. فمع أن أعداد الانجيليين قليل للغاية غير أن التفكك والانحلال الكنسي شائعان. فما أن يصل عدد أعضاء كنيسة انجيلية إلى عدة عشرات حتى تتكتل مجموعة من الأعضاء وتترك الكنيسة في طريقها للبدء في درب جديد يتمثل بكنيسة جديدة . يحدث ذلك في اغلب الأحيان بعد مناوشات واحتكاكات وصراعات. تنشطر الكنيسة بألم المرة تلو الأخرى. ينتج عن هذه الانقسامات مرارة وضعف روحي وكسر للشهادة المسيحية مع الذين من خارج إذ ينظرون الى الانجيليين بأنهم أصحاب دكاكين جديدة.
نادراً ما يكون السبب لهذه الانقسامات اختلاف لاهوتي أو عقائدي. انه غالباً ينبع عن عدم تفاهم على الإدارة والقيادة وينتج عنه صراع اليم على السلطة - يؤدي إلى انقسام وهجران وقطيعة.
لماذا يحدث عدم التفاهم هذا على الإدارة والقيادة ؟
اعتقد ان لهذه الظاهرة بُعدين أولهما روحي والثاني عملي- تطبيقي.
الروحي يتمثل بانعدام روح التواضع ونكران الذات الذين يطالب بهمها الرب. يعاني العرب في بلدانهم من دكتاتورية وتسلط الحكام مما يؤدى لثورات نشهدها هذه الأيام. هذه الأحوال هي نتيجة لتسلط الأتراك على العرب وكبتهم لأكثر من أربع مائة سنة والتعصب الديني السائد. ان ذلك ينمي عقلية تسلط في العائلة (بالتسلط ألذكوري) وفي النظام (بالدكتاتورية). هل يكسر التجديد في المسيح هذه الروح ونرى توجه مختلف في الكنيسة؟
هل نطبق الإرشاد الإلهي القائل :
ارعوا رعية الله التي بينكم نظارا لا عن اضطرار بل بالاختيار ولا لربح قبيح بل بنشاط. ولا كمن يسود على الأنصبة بل صائرين أمثلة للرعية (1 بطرس 5 : 2-3).
الميل الطبيعي هو الكبرياء وتمجيد الذات بحيث يسعى القائد لأن يتسلط ويبقى على عرش منبره وأن يتحكم بالكنيسة فيشعر بالتهديد أن أراد أي عضو في كنيسته استخدام مواهبه في الكنيسة. لا يسمح القائد بحسب هذا الفكر بأن يشاركه احد في "إمبراطوريته" حتى الممات. الاعتزال غير وارد والتشبث بالرئاسة والقيادة من المهد إلى اللحد.
إن البُعد الروحي المتمثل بروح منكسرة ومتواضعة ومستعدة للتنازل وإشراك الآخرين وحتى تسليم السلطة والقيادة لهم هي الأساس وبدونها لا يمكن الانتقال للبعد العملي.
البعد العملي - يتمثل بمعرفة أسس وحيثيات بناء نظام للعمل المشترك في الكنيسة. يفتقر أغلب الخدام لتدريب ومعرفة علمية بأصول القيادة وبناء فريق يعمل معاً بحرية وقوة.
ومن هنا فانه وحتى ولو تواجدت الروح المنكسرة والمتواضعة فان التطبيق غير ممكن دون معرفة وتأهيل.
تطلب الشركات والجمعيات اليوم من كل قائد فرقة أو مدير جناح فيها أن يتعلم أسس الإدارة على أساس جامعي. هل نطلب الأمر ذاته في كنائسنا أم أننا نتمسك بالفكرة انه لا حاجة لتعليم جامعي لأسس الإدارة حيث أن معرفة الكتاب المقدس كافية؟
اصبحت حاجات الناس في بداية القرن الواحد والعشرين اكبر، ومن هنا أصبح دور الكنائس التي تسعى لسد الاحتياجات اكبر واكبر. ولا بد للكنيسة التي ترغب بأن تبقى ذات دور في حياة النفوس أن تشرك آخرين من مهنيين في مجالات الاستشارة، الصحة، القانون ، الرياضة وغيرها بالمساهمة في الخدمة.
ان تفعيل هؤلاء المهنيين في فريق خدمة في الكنيسة يحتاج لمقدرة إدارية وقيادية من راعي الكنيسة أو القيادة ولا يتم بشكل تلقائي.
في الوقت الذي تقوم كليات اللاهوت بتأهيل الخدام وتهيئتهم لعمل الخدمة من الضروري إعطاء تدريب قيادي وحول الإدارة الكنسية ومبادئها المتطورة لكي يتسنى للخادم المتدرب الجديد ايجاد الصيّغ اللازمة لتنشيط فرق خدمة في كنيسته مما يزيد عمل الكنيسة زخماً ويمنع الانقسامات.