يتطلب وضع بلادنا الحديث عن هذا الموضوع، وبسبب تنقل اتباع المسيح من كنيسة إلى أخرى واتهام بعض الكنائس بعضها الآخر بتهمة "اقتناص النفوس" وسرقة الخراف، قررت وضع أفكاري أمامكم آملا أن نتقدم معا إلى ملء حكمة الله. فهناك من يترك الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية لينضم للكنائس الإنجيلية. وهناك من يترك كنيسة إنجيلية لينضم إلى كنيسة إنجيلية أخرى.
لا شك أن العديدين في بلادنا يتصارعون داخل مؤسسة الكنيسة وربما داخل جماعة الكنيسة. أحيانا، يكون الصراع جزءا من النمو في تبعية المسيح كأفراد وككنيسة. وأحيانا أخرى، يحتد الصراع وتصبح حياة الأفراد والجماعة معا صعبة جدا. فماذا نفعل؟ فقد يخطئ الناس وربما يتطلق الرجل وزوجته وهما ينتميان لنفس الكنيسة. هل يبقيان في نفس الكنيسة المحلية؟ وهل يجب أن يبقى الإنسان في كنيسته المحلية كل أيام حياته أو أنه توجد حالات طلاق بين الفرد والكنيسة؟ عادة يكون الجواب: لا تترك كنيستك.
ويجب ألا يترك الإنسان كنيسته لأنه لم يتفق مع أحد الأفراد أو القادة، أو لأنه لا يحب بعض التغييرات التي حصلت مؤخرا في الكنيسة. ولا تترك الكنيسة بسبب أمور ثانوية، فلا يوجد كنيسة خالية من المشاكل. ولا تترك الكنيسة لأنك تحمّلها مسئولية الفشل في زواجك أو في عملك أو في حياتك الروحية. ولا تترك الكنيسة لأن أحد افرادها أو قادتها قد أساء اليك. فالحساسية الزائدة سترافقك في كل مكان. من الأفضل التعامل مع حساسيتك بدلا من ترك الكنيسة. ولا تترك الكنيسة بسبب انتقادات الآخرين. ولا تجعل من "الحبة قبة". ولا تترك الكنيسة بسبب أسلوب العبادة أو الوعظ. ولا تترك الكنيسة لأنك وجدت كنيسة أخرى في نفس البلد ولكن لا يوجد فرق في العقيدة الكنسية. ولا تترك الكنيسة بدون محاولة حل النزاع بطرق سلمية. ولا تتعجل بقرار ترك الكنيسة، بل واظب على الصلاة والحوار مع قادة روحيين يحبون الرب بشدة.
إلا أنه توجد أحيانا أسباب لترك الكنيسة. فما هي؟ أولا، نستطيع أن نترك الكنيسة عندما تكون هناك خلافات عقائدية جوهرية. يحثنا يهوذا أن نجاهد في سبيل الإيمان المُسلّم للقديسين (يه 1: 3). فعلينا أن نجاهد في الحفاظ على الإيمان الكتابي الذي أعلنه الله من خلال الأنبياء والرسل. وعندما تتوقف أية كنيسة عن التمسك بتعاليم الكتاب المقدس وحث الناس على طاعة هذه التعاليم، فعندئذ نستطيع أن نترك هذه الكنيسة. ولا أتحدث هنا عن الفروقات الكنسية الثانوية، بل عن قضايا رئيسية في جوهر الإيمان. ونحن نحيا في بلادنا في إطار التعددية الكنسية والعقائدية ضمن العائلة المسيحية، فيجب ألا نضع أنفسنا قضاة لندين الكنائس الأخرى المختلفة عنا. ولكننا لنا الحق أن نجاهد بحكمة وتواضع في سبيل التمسك بالإيمان الكتابي. وهنا اغتنم الفرصة لأعبر عن رفضي للغة التكفير ووضع الآخر في قالب شيطاني أو التأكيد على عدم استحقاقهم لقب "مسيحي". الله وحده يعلم الذين له ولا تكمن مسئوليتنا في محاربة الكنائس، بل في محاربة الشر والأفكار الخاطئة. أفضّل أن نصرف طاقتنا في دعم امتداد ملكوت الله، ملكوت المحبة والقداسة المتجذرين في عمل الله الواحد في ثلاثة أقانيم وعمل الرب يسوع المسيح، ابن الله الوحيد الذي مات على الصليب وقام في اليوم الثالث وسيأتي ثانية.
ثانيا، نستطيع أن نترك الكنيسة عندما لا تعالج الكنيسة الخطايا الواضحة فيها. إن الله يدعونا إلى القداسة. فيجب ألا تكون الكنيسة فقيرة في قداستها ومحافظتها على الأخلاقيات المسيحية. فإن صارت الكنيسة تسمح بزواج اللواطيين والسحاقيات فعندئذ يحق لنا أن نترك هذه الكنيسة وننفض غبارها عن أرجلنا.
ثالثا، نستطيع أن نترك الكنيسة عندما يكون قادتها غير مؤهلين للقيادة. يقول الكتاب المقدس أن الأسقف "يجب" أن يكون صاحب صفات أخلاقية وسلوكية واجتماعية وعقائدية محددة (1 تيم 3: 1 – 7). فإن تلاشت هذه الصفات من قادة الكنيسة، فحينئذ تتعرض الكنيسة وكل من فيها إلى تعيير وفخ ابليس (1 تيم 3: 7).
رابعا، نستطيع أن نترك الكنيسة عندما تتوقف الكنيسة عن تحقيق غاية وجودها وهو تمجيد الرب وخدمته والتمتع به. فعندما تتحول الكنيسة إلى مجتمع بشري لا يتمحور حول الله وتمجيده، نستطيع أن نغادرها بدلا من إهدار طاقاتنا ومواردنا التي يجب أن نستخدمها في امتداد ملكوت الله. وبينما لن يجد الإنسان الكنيسة الكاملة إلا أننا يجب ألا نتنازل عن الكنيسة المرضية في نظر الله. فيجب أن يكون مجتمع الكنيسة هو مجتمع المسيح ومجتمع المحبة والقداسة أمام الله والناس.
خامسا، يغادر البعض لأن الله يدعوهم إلى خدمته في مكان آخر أو مدينة أخرى، عندئذ تستطيع أن تغادر إلى الخدمة ببركة الكنيسة. أو ربما تتزوج أو تتزوجي وتقرران معا الانضمام إلى الكنيسة الأنسب لكما كعائلة.
أخيرا، يجب ألا يترك الإنسان كنيسته دون التخطيط للانضمام إلى كنيسة أخرى. وعندما نبحث عن كنيسة، فيجب أن تكون عندها قادة مؤهلين سلوكيا واخلاقيا واجتماعيا وعقائديا (1 تيم 3: 1 – 7؛ تي 1: 7 – 9) قادرين أن يعلموا ويوبخوا المناقضين، وأن يكونوا قدوة لنتمثل بهم (عب 13: 7). ويكونون قدوة في الكلام والتصرف والمحبة والروح والإيمان والطهارة (1 تيم 4: 12)، وأن تكون احشاؤهم منسكبة من أجل رعيتهم (أع 20: 31). ويجب أن يكون القائد مؤهلا أن يعلم آخرين ويحولهم إلى قادة (2 تيم 2: 2). ويجب أن يكون شعب الكنيسة محبين ويحرضون على المحبة والأعمال الحسنة (عب 10: 24 – 25). ويخدمون الرب معا (أع 2: 42؛ عب 6: 10) ويدعمون قيادة الكنيسة (عب 13: 7؛ 1 تيم 5: 17). أخيرا، إن الكنيسة لا تعتمد على القائد فحسب، بل على كل واحد منا. فدعونا نبدأ بأنفسنا حتى تكون كنائسنا مثالا للكنيسة الناضجة والمرضية أمام الله والناس.