سنخصص هذا التأمل لعرض بعض التأثيرات التي أثرت سلبيًّا على البلد والشعب، كنتيجة لعدم خضوع القيادة الروحية لسلطان الله. فالله يعلم ما هو الأفضل لكل شعب، ويريدنا أن نخضع لترتيبه بالإيمان ونسلمه مصير بلادنا لكي يعمل ويخلص.
لقد رأينا كيف طلب الله من الشعب، على زمن إرميا النبي، أن يخضعوا لترتيبه بسيطرة الاحتلال البابلي على الأرض. بالرغم من رفض الشعب والقادة السياسيين لهذا، كان من المتوقع أن نجد خضوعًا من القادة الروحيين على الأقل. لكن للأسف، أيضًا معظم الكهنة والأنبياء لم يقبلوا هذه الدعوة التي انطلقت في ذلك الوقت من التاريخ. مما أدى إلى جلب الكثير من التأثيرات الاجتماعي، الروحية والسياسية السلبية على الشعب والبلد.
ممكن أن نتعلم من اختبارهم آنذاك، كيف نكون اليوم ككنيسة ذات دور فعال لخلاص شعبنا، وبناء ملكوت المسيح في هذه الأرض والوطن.
طبعًا عدم الخضوع للترتيب السياسي الذي وضعه الرب في البلاد ليس السبب الوحيد لهذه التأثيرات السلبية بل الخطايا الكثيرة التي كانت متفشية في الشعب، والتي منها:
عبادة الأوثان (1: 16 و9: 14-16)، البر الذاتي (2: 35 و3: 11)، خيانة الرب (3: 20)، خيانة الناس لبعضهم البعض (6: 28 و9: 2-4 و8)، سفك الدم (2: 24)، الالتواء (5: 1-2)، الزنى (5: 8 و9: 2)، الاتكال على الذات (5: 17)، الطمع (6: 13 9: 10)، الكذب (6: 13 و9: 5)، ظلم الغريب واليتيم والأرملة (7: 7).
لكن عدم الخضوع للسلطة التي أقامها الله، كان القشة الأخيرة التي كسرت رحمة الله الإلهية. الرحمة التي أراد الله أن يوفرها لهم في ذلك الوقت من التاريخ، والتي من خلالها كان مستعد حتى أن يُنهي الاحتلال والسبي نفسه (4: 6 و14 و6: 16 و7: 5-7 و21: 12 و22: 3-5 و25: 4-7).
وفيما يلي بعض التأثيرات السلبية التي أتت على البلد والشعب بسبب تمرد القيادة الروحية.
1- انتشار ظاهرة النبوات الكاذبة:
لقد كان في الشعب عدد كبير من الأنبياء الكذبة، الذين رفضوا طاعة سلطان الله والترتيب السياسي الذي أقامه الله في هذه الأرض آنذاك. فيما يلي البعض من صفاتهم:
يداوون المشكلة بكلام فارغ وخالي من أية صلة بكلمة الله الحقيقية:
" 13 لأَنَّهُمْ مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ كُلُّ وَاحِدٍ مُولَعٌ بِالرِّبْحِ وَمِنَ النَّبِيِّ إِلَى الْكَاهِنِ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ بِالْكَذِبِ. 14 وَيَشْفُونَ كَسْرَ بِنْتِ شَعْبِي عَلَى عَثَمٍ قَائِلِينَ: سَلاَمٌ سَلاَمٌ وَلاَ سَلاَمَ." إرميا 6 (أنظر أيضًا 8: 11 و12: 12).
لذلك أصبح الأنبياء مثل الريح، كلامهم غير مؤثر، وكلمة الله ليست فيهم:
" 13 وَالأَنْبِيَاءُ يَصِيرُونَ رِيحاً وَالْكَلِمَةُ لَيْسَتْ فِيهِمْ. هَكَذَا يُصْنَعُ بِهِمْ." إرميا 5.
لكن الله بالمقابل، يثبت كلمته لدى الأنبياء الحقيقيين، ويعطيها قوة، لذلك يتابع ويقول:
"14 لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ الْجُنُودِ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ هَئَنَذَا جَاعِلٌ كَلاَمِي فِي فَمِكَ (عن إرميا) نَاراً وَهَذَا الشَّعْبَ حَطَباً فَتَأْكُلُهُمْ."
طبعًا الأنبياء يتكلمون بالتعزية والتفائل الجسدي غير الحقيقي، لأن هذا ما أراد الشعب أن يسمعه:
"31 الأَنْبِيَاءُ يَتَنَبَّأُونَ بِالْكَذِبِ وَالْكَهَنَةُ تَحْكُمُ عَلَى أَيْدِيهِمْ وَشَعْبِي هَكَذَا أَحَبَّ..." إرميا 5.
2- رفض الأنبياء للخضوع لترتيب الله، أدى إلى زيادة قساوة الاحتلال:
" 1 وَحَدَثَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فِي ابْتِدَاءِ مُلْكِ صِدْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ أَنَّ حَنَنِيَّا بْنَ عَزُورَ النَّبِيَّ الَّذِي مِنْ جِبْعُونَ قَالَ.... قَدْ كَسَرْتُ نِيرَ مَلِكِ بَابِلَ. 3 فِي سَنَتَيْنِ مِنَ الزَّمَانِ أَرُدُّ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ كُلَّ آنِيَةِ بَيْتِ الرَّبِّ الَّتِي أَخَذَهَا نَبُوخَذْنَصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ وَذَهَبَ بِهَا إِلَى بَابِلَ. 4 وَأَرُدُّ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ يَكُنْيَا بْنَ يَهُويَاقِيمَ مَلِكَ يَهُوذَا وَكُلَّ سَبْيِ يَهُوذَا الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى بَابِلَ يَقُولُ الرَّبُّ لأَنِّي أَكْسِرُ نِيرَ مَلِكِ بَابِلَ." إرميا 28.
فبالرغم من تحذير إرميا له بسبب هذه النبوءة الكاذبة، قرر أن يرفض كلام إرميا وثبتها بما نسميه اليوم بعلامة نبوية مادية:
" 10 ثُمَّ أَخَذَ حَنَنِيَّا النَّبِيُّ النِّيرَ عَنْ عُنُقِ إِرْمِيَا النَّبِيِّ وَكَسَرَهُ. 11 وَقَالَ حَنَنِيَّا أَمَامَ كُلِّ الشَّعْبِ: هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هَكَذَا أَكْسِرُ نِيرَ نَبُوخَذْنَصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ فِي سَنَتَيْنِ مِنَ الزَّمَانِ عَنْ عُنُقِ كُلِّ الشُّعُوبِ..." إرميا 28.
وبعدها تلكم الرب إلى إرميا وقال:
" 12 ثُمَّ صَارَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا النَّبِيِّ بَعْدَ مَا كَسَرَ حَنَنِيَّا النَّبِيُّ النِّيرَ عَنْ عُنُقِ إِرْمِيَا النَّبِيِّ: 13 اذْهَبْ وَقُلْ لِحَنَنِيَّا: هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قَدْ كَسَرْتَ أَنْيَارَ الْخَشَبِ وَعَمِلْتَ عِوَضاً عَنْهَا أَنْيَاراً مِنْ حَدِيدٍ. 14 لأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: قَدْ جَعَلْتُ نِيراً مِنْ حَدِيدٍ عَلَى عُنُقِ كُلِّ هَؤُلاَءِ الشُّعُوبِ لِيَخْدِمُوا نَبُوخَذْنَصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ..." إرميا 28.
لاحظ هنا أن نبوة النبي حننيا الكاذبة، أدت إلى زيادة دينونة الله ليس فقط على شعب يهوذا، بل على ".. كُلِّ هَؤُلاَءِ الشُّعُوبِ .."، أي باقي الشعوب التي أنزل الله دينونته عليها (راجع 25: 17-26). أي أنه بدل أن يكون شعب الرب سبب بركة لباقي الشعوب، كان سبب دمار وكوارث للشعوب الأخرى الكثيرة – حوالي 17 شعب آخر.
3- انكسار مذبح الصلاة في البلاد:
عندما ترفض القيادة الروحية في بلد الخضوع لسلطان الله، تصبح صلواتها غير فعالة وكأنه يصبح هناك حاجز بينها وبين الله.
"16 وَأَنْتَ (عن إرميا) فَلاَ تُصَلِّ لأَجْلِ هَذَا الشَّعْبِ وَلاَ تَرْفَعْ لأَجْلِهِمْ دُعَاءً وَلاَ صَلاَةً وَلاَ تُلِحَّ عَلَيَّ لأَنِّي لاَ أَسْمَعُك." إرميا 7.
" 14 وَأَنْتَ فَلاَ تُصَلِّ لأَجْلِ هَذَا الشَّعْبِ وَلاَ تَرْفَعْ لأَجْلِهِمْ دُعَاءً وَلاَ صَلاَةً لأَنِّي لاَ أَسْمَعُ فِي وَقْتِ صُرَاخِهِمْ إِلَيَّ مِنْ قِبَلِ بَلِيَّتِهِمْ." إرميا 11.
" 11 وَقَالَ الرَّبُّ لِي: لاَ تُصَلِّ لأَجْلِ هَذَا الشَّعْبِ لِلْخَيْرِ." إرميا 14.
" 1 ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ لِي: وَإِنْ وَقَفَ مُوسَى وَصَمُوئِيلُ أَمَامِي لاَ تَكُونُ نَفْسِي نَحْوَ هَذَا الشَّعْبِ. اطْرَحْهُمْ مِنْ أَمَامِي فَيَخْرُجُوا." إرميا 15.
وفي مكان آخر يشتكي إرميا من ردة فعل الله الرافضة للصلوات، قائلا:
" 44 الْتَحَفْتَ بِالسَّحَابِ حَتَّى لاَ تَنْفُذَ الصَّلاَةُ." مراثي 3.
4- فقدان البركة والأراضي، وأيضًا النساء يتزوجن بغرباء (العار):
" 12 وَتَتَحَوَّلُ بُيُوتُهُمْ إِلَى آخَرِينَ الْحُقُولُ وَالنِّسَاءُ مَعاً لأَنِّي أَمُدُّ يَدِي عَلَى سُكَّانِ الأَرْضِ يَقُولُ الرَّبُّ. 13 لأَنَّهُمْ مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ كُلُّ وَاحِدٍ مُولَعٌ بِالرِّبْحِ وَمِنَ النَّبِيِّ إِلَى الْكَاهِنِ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ بِالْكَذِبِ. 14 وَيَشْفُونَ كَسْرَ بِنْتِ شَعْبِي عَلَى عَثَمٍ قَائِلِينَ: سَلاَمٌ سَلاَمٌ وَلاَ سَلاَمَ." إرميا 6.
" 10 لِذَلِكَ أُعْطِي نِسَاءَهُمْ لآخَرِينَ وَحُقُولَهُمْ لِمَالِكِينَ لأَنَّهُمْ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ كُلُّ وَاحِدٍ مُولَعٌ بِالرِّبْحِ مِنَ النَّبِيِّ إِلَى الْكَاهِنِ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ بِالْكَذِبِ. 11 وَيَشْفُونَ كَسْرَ بِنْتِ شَعْبِي عَلَى عَثَمٍ قَائِلِينَ: سَلاَمٌ سَلاَمٌ! وَلاَ سَلاَمَ." إرميا 8.
5- انتشار البلبلة والشتات في الشعب:
" 21 لأَنَّ الرُّعَاةَ بَلِدُوا وَالرَّبَّ لَمْ يَطْلُبُوا. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَنْجَحُوا وَكُلُّ رَعِيَّتِهِمْ تَبَدَّدَتْ." إرميا 10.
كلمة الرعاة يقصد بها هنا جميع القادة، السياسيين والروحيين. وأما كلمة "بَلِدُوا" تُستخدم للبهائم، وهي كناية على عدم الفهم أو التجاوب مع الله. وهذا طبعًا لعدم شعورهم أنهم يحتاجون لله. النتيجة هي: لم ينجحوا في رعاية وقيادة شعب الرب، وأيضًا تشتت خرافهم، روحيًا في الضلال الروحي، وجسديًا في السبي. إن هذا هو الهدف الأول لإبليس ضد شعب الرب، كما يقول المسيح: "12... فيخطف الذئب الخراف ويبددها." يوحنا 10. أي أن استراتيجية وهدف إبليس الأول هو أن يشتت ويبدد الخراف. أيضًا المسيح في الليلة الأخيرة حذر التلاميذ من الشتات مستشهدًا بزكريا 13: 7 قائلا:
" 31 حينئذ قال لهم يسوع كلكم تشكّون فيَّ في هذه الليلة، لأنه مكتوب إني أضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية." متى 26.
صلاة:
" 37 مَنْ ذَا الَّذِي يَقُولُ فَيَكُونَ وَالرَّبُّ لَمْ يَأْمُرْ؟ 38 مِنْ فَمِ الْعَلِيِّ أَلاَ تَخْرُجُ الشُّرُورُ وَالْخَيْرُ؟ 39 لِمَاذَا يَشْتَكِي الإِنْسَانُ الْحَيُّ الرَّجُلُ مِنْ قِصَاصِ خَطَايَاهُ؟ 40 لِنَفْحَصْ طُرُقَنَا وَنَمْتَحِنْهَا وَنَرْجِعْ إِلَى الرَّبِّ. 41 لِنَرْفَعْ قُلُوبَنَا وَأَيْدِينَا إِلَى اللَّهِ فِي السَّمَاوَاتِ 42 نَحْنُ أَذْنَبْنَا وَعَصِينَا.." مراثي إرميا 3.
لقد تمت هذه السلسلة بنعمة الله، وصلاتي أن تكون سبب بركة وبناء لملكوت الله في هذه الأرض.
وفي الختام أقول للقُرَّاء ما قاله كاتب سفر المكابيين الثاني:
" ... فإن كُنتُ قد أحسنت التأليف ووُفِّقتُ منه، فذلك ما كُنتُ أتمنى، وإن كانَ ضعيفًا ودون الوَسَط، فأَنِّي قد بَذلتُ وُسعي." المكابيين الثاني 15: 38.