يخاف العديد من المسيحيين في الشرق الأوسط من التطرف الإسلامي وانتشار افكار الأصولية الإسلامية والإسلام السياسي. فبعد الأمور الصعبة التي حصلت في العراق وغزة ومصر ومواقع أخرى في العالم، يشعر العديد من المسيحيين بالتهديد والخوف. وتنادي الكثير من الأصوات الإنجيلية بالإنعزال وبناء سور حديدي يفصلنا عن الآخر الذي يختلف عنا. وعندما أتفاعل مع بعض اخوتي واخواتي في المسيح، يتحدثون عن مستقبل يخلو من المسلمين وينظرون إلى الإنسان المسلم من منظار عقائدي فقط. وتتكاثر التعليقات في موقع لينجا أو مواقع أخرى حول تقزيم وتهميش المسلم وكأنه داء ولعنة على بلادنا. في ضوء ما سبق، اشعر بأهمية التأكيد على بعض الأمور.
أولا، يجب أن نحذر من خطية التعميم ووضع كل المسلمين في علبة فكرية واحدة. فهناك تعددية كبيرة داخل الأمة الإسلامية. وليست الأصولية أو السلفية الإسلامية هي التعبير الوحيد أو حتى السائد داخل تيارات الفكر الإسلامي. إيران تختلف عن تركيا وتختلف الإثنتان عن مصر والسعودية والأردن. وتختلف غزة عن رام الله وبيت لحم، وتختلف أم الفحم وكفركنا عن الناصرة ويافا. ويختلف المسلمون في فرنسا عن ابناء وبنات دينهم في السعودية. فكما أن المسيحية متنوعة بكنائسها وتقاليدها المختلفة كذلك يتنوع الفكر الإسلامي بتعبيراته وتعدد جماعاته ومدارسه الفكرية. وكما يختلف المسيحيون في تفسير نصوصهم الكتابية، يختلف المسلمون في تفسير وتأويل نصوصهم القرآنية إذ توجد عدة تفاسير وتوجهات فكرية.
ثانيا، يجب أن نحذر من خطية التشويه. بالرغم من إيماني بالكتاب المقدس واعترافي أن يسوع المسيح هو الطريق الوحيد للخلاص، إلا أنني يجب أن اكون حذرا في التعامل مع الأديان الأخرى فلا اشوه صورتها الحقيقية. يتسارع العديد من الناس إلى إظهار كل الجوانب السلبية في القرآن وفي الحديث وفي حياة محمد رسول الإسلام. بالرغم من وجود قضايا تتعارض مع الكتاب المقدس وبالرغم من تناقض الكتاب المقدس مع الكثير من الأمور التي نشرها رسول الإسلام، إلا أنه توجد قضايا أخرى تتوافق مع الكتاب المقدس. فمثلا، لا يرفض المسيحيون فكرة التوحيد أو أن الله خالق أو اننا يجب أن نحسن إلى أهلنا. فيجب ألا نرفض ما هو صحيح في القرآن أو في الحديث الإسلامي عالمين أن الله يُنعم على جميع البشر بنعمته العامة. ونتذكر أيضا أنه يوجد عباقرة وموسيقيون وأناسٌ موهوبون خارج الكنيسة وبين جماعات إسلامية أو أديان أخرى. ونحن نقدر ونثمّن كل مساهماتهم الإيجابية وكل مشاركاتهم التي لا تتعارض مع إيماننا. لهذا يجب علينا أن نظهر الحق بإظهار الصورة الكاملة وليس عن طريق ابراز سلبيات الآخر دون الحديث عن الإيجابيات. فإذا حاول أحد أن يفسر الكتاب المقدس من منظار حروب التحريم وقتل الأطفال في العهد القديم دون اظهار الصورة الكاملة للخلفية التاريخية وباقي النصوص الكتابية فقد يصل إلى استنتاجات مشوهة وخاطئة حول الكتاب المقدس. وهكذا تتشوه الصورة ويبتعد الإنسان عن الفكر العادل.
ثالثا، يجب أن نحذر من كراهية المسلم. بالرغم من ايماننا بوجود فروقات مهمة بين القرآن والإنجيل، إلا أننا يجب أن نتذكر أن المسلم والمسلمة هم خليقة الله. احبهم الخالق ومات المسيح من اجلهم. ودعا الله كنيسته أن تكون نورا وملحا وخادمة لكل الشعوب. لقد وضعنا الله في بلد واعطانا الكثير من الهدايا. أهدانا الله اخوتنا في الخليقة واحباءنا الشعب الإسلامي. دعانا الله أن نحبهم وأن نخدمهم لا أن نكرهم ونشوه صورتهم. فلنسلك طريق المحبة دون التنازل عن الحق الكتابي.
رابعا، يجب أن نحذر من النظر إلى المسلمين من منظار عقائدي فقط. ويجب ألا نسلك طريق التعصب وننظر من العدسات الضيقة ونسمع ما يغذي الكراهية بدلا من التبصر والانفتاح وتجسير الفجوات مع الآخر. فنحن كمسيحيين في الشرق الأوسط نشكل أقلية دينية ولكننا لسنا اقلية قومية إذ لا نتخلى عن قواسمنا اللغوية والحضارية والتاريخية والاجتماعية المشتركة مع باقي ابناء وبنات شعبنا. فهم يعيشون معنا ويدرسون ويلعبون معنا. ونذهب إلى المدرسة والمتجر والسوق معا. ويتماسك مجتمعنا بوجودهم وتنمو مؤسساتنا بالتعاون والمودة. لهذا من الضروري بناء الجسور بين الكنائس والجوامع وبين القسس والشيوخ للتأكيد على المحبة والسلام دون التخلي عن فرادتنا وتميزنا.
خامسا واخيرا، لا أريد أن اطيل في هذا المقال ولكن لنكن نورا وملحا وخميرة محبة ولنخدم الشعب الإسلامي في هذه البلاد ولنتعاون مع كل المسلمين في مقاومة التطرف الإسلامي أو اي تطرف آخر. وأدعو في هذا المقال كل الكنائس إلى تخصيص وقت كل أحد من اجل الصلاة للمسلمين حتى يفيض الله ببركاته عليهم وعلينا، ولنظهر المسيح في حياتنا فيرون محبة الله وقداسته في كلماتنا وسلوكنا. ويتنافسون معنا في اظهار عدالة الله وحقه وقداسته. لنفتح كنائسنا وقلوبنا لهم ولنعتذر لهم عن كل إساءة بحقهم قائلين: سامحني يا أخي المسلم ويا اختي المسلمة. فبالرغم من عدم كونهم اخوتنا في الإيمان المسيحي إلا انهم اخوتنا في الخليقة. ولنحيا رسالة المسيح لا بالكلام وباللسان بل بالعمل والحق خادمين كل ابناء هذا البلد باسم سيدنا المسيح ومملحين كلامنا كل حين بنعمة الله وبركته.