تراجع الوجود المسيحي في الموصل: أقل من 70 عائلة باقية في المدينة التاريخية

في قلب الموصل، المدينة التي كانت منارةً للمسيحية في الشرق، لم يتبقَّ سوى عشرات العائلات تصارع من أجل البقاء وسط أنقاض الحرب وصمت الأجراس. بعد قرونٍ من التعايش، أصبح الوجود المسيحي على حافة الاندثار.
قبل 10 ساعات
تراجع الوجود المسيحي في الموصل: أقل من 70 عائلة باقية في المدينة التاريخية
لينغا

أظهرت تقارير حقوقية وإنسانية حديثة أن الوجود المسيحي في مدينة الموصل شمالي العراق يشهد تراجعًا غير مسبوق، إذ لم يتبقَّ سوى نحو سبعين عائلة فقط داخل المدينة التي كانت يومًا ما من أبرز مراكز المسيحية في الشرق الأوسط.

المدينة التي احتضنت المسيحيين منذ القرن الأول للميلاد كانت تضم قبل عام 2003 عشرات الآلاف من المسيحيين من طوائف الكلدان والسريان والآشوريين، لكنّ موجات العنف الطائفي ثم سيطرة تنظيم “داعش” على الموصل عام 2014 أدّت إلى نزوح شبه كامل للمجتمع المسيحي، وتدمير كنائس وأديرة تاريخية مثل كنيسة الطاهرة ودير مار بهنام.

ورغم تحرير المدينة عام 2017، لم يعد منها سوى عدد محدود من العائلات، بينما فضّلت الغالبية الاستقرار في بلدات سهل نينوى مثل قرقوش وبرطلة وكرمليس، أو الهجرة إلى الخارج. وتقول منظمة “International Christian Concern” إن العزوف عن العودة لا يرتبط فقط بالمخاوف الأمنية، بل أيضًا بانعدام الخدمات الأساسية وغياب فرص العمل واستمرار التمييز ضد الأقليات، مما جعل العودة شبه مستحيلة لكثير من الأسر.

في حديث لموقع مسيحي محلي، قال الأب إلياس متى، كاهن إحدى الكنائس المرمّمة في الموصل القديمة: “نحن القلّة الباقية، نعيش الإيمان رغم الجراح. نصلّي كل يوم من أجل أن تعود عائلاتنا إلى ديارها. الموصل ليست ملكًا لأحد، إنها بيتنا جميعًا.” من جانبها قالت ريتا يوحنا، وهي من العائدين القلائل إلى حي الميدان: “نريد أن نعيش بسلام، أن نسمع أجراس الكنائس من جديد دون خوف.”

البطريركية الكلدانية في بغداد دعت الحكومة العراقية والمجتمع الدولي إلى وضع خطة وطنية لحماية التنوع الديني وإعادة إعمار المناطق المسيحية، مؤكدة أن استمرار نزيف الهجرة يهدد هوية العراق التاريخية. كما طالبت منظمات مسيحية عالمية مثل “Aid to the Church in Need” ببرامج عاجلة لإعمار الكنائس وتأمين المدارس والمستشفيات في سهل نينوى والموصل، محذّرة من أن انقراض الوجود المسيحي في شمال العراق لم يعد احتمالًا بعيدًا بل خطرًا حقيقيًا.

ورغم المأساة، لا يزال الأمل حاضرًا في قلوب المسيحيين العراقيين الذين يرون في بقائهم شهادة للإيمان والصمود. فحتى وإن خفت صوت الأجراس في شوارع الموصل القديمة، يبقى الأمل بأن تعود لترن من جديد فوق أنقاض الألم لتعلن أن الحياة أقوى من الخوف، وأن الإيمان لا يُهزم.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا