رد مسيحي على دعاة الحروب في العهد الجديد - الجزء الأول

ما يفعله دعاة الحروب هو اقتباس كلمة أو جملة من سياقها لتبرير دعوتهم للقتل والحروب. أما الرّب يسوع فإنه لا يدعو نهائيًا إلى الحروب، ولا يبررها، ولا يعطيها أية صفة مقدّسة.
26 فبراير 2018 - 01:00 بتوقيت القدس

هل توجد مبررات للحروب في العهد الجديد؟
​أو هل يسمح الله بخوض الحروب بحسب تعاليم العهد الجديد؟

الحروب في العهد القديم

يعمل دعاة الحروب على استخدام قصص أو أمثلة أو آيات من العهد الجديد في الكتاب المقدّس كأساسٍ لتبرير مواقفهم. فمنذ أيام القدّيس آمبروس 1 أسقف ميلان والقدّيس أوغسطينوس 2 أسقف هيبو في القرن الميلادي الرابع، وحتى أيامنا في العقد الثاني من القرن العشرين، نجد دعاة الحروب يعملون على استخدام الكتاب المقدّس لتبرير مشاركة المسيحيين في الحروب. كذلك نلاحظ مؤخرًا نقدًا وهجومًا شرسًا على الإيمان المسيحي، واقتباس آيات وقصص من الكتاب المقدّس، دون أية مراعاة للقرينة والمعنى العام لرسالة الكتاب المقدّس، للقول بأن المسيحيّة تدعو إلى العنف والحرب والقتل مثل ديانات العالم الأخرى.

فيما يلي سرد لأهم المبررات التي يستخدمها دعاة الحروب والقتل والموت، والرد عليها من العهد الجديد.

1. يقول دعاة الحروب بأن المسيح تحدث في الإنجيل في متى 4:24-6 عن "حُرُوبٍ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ" وبأنه "تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ " (أنظر أيضًا مرقس 7:13-8؛ لوقا 9:21-10).

الرد: في الواقع أن الرّب يسوع لم يقل أنه ستكون هنالك حروب دائمًا، ولكنه قال: "ﭐنْظُرُوا لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ. فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. وْسوفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوبٍ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ. اُنْظُرُوا، لَا تَرْتَاعُوا. لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ كُلُّهَا، وَلَكِنْ لَيْسَ ٱلْمُنْتَهَى بَعْدُ" (متى 4:24-6). وقال أيضًا في مرقس 7:13-8 "فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِحُرُوبٍ وَبِأَخْبَارِ حُرُوبٍ فَلاَ تَرْتَاعُوا لأَنَّهَا لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ وَلَكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ. لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ وَتَكُونُ زَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَاضْطِرَابَاتٌ. هَذِهِ مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ"، كذلك قال له المجد في لوقا 9:21-10 "فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِحُرُوبٍ وَقَلاَقِلٍ فَلاَ تَجْزَعُوا لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَوَّلًا وَلَكِنْ لاَ يَكُونُ الْمُنْتَهَى سَرِيعًا". ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: "تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ". 

ما يفعله دعاة الحروب هو اقتباس كلمة أو جملة من سياقها لتبرير دعوتهم للقتل والحروب. أما الرّب يسوع فإنه لا يدعو نهائيًا إلى الحروب، ولا يبررها، ولا يعطيها أية صفة مقدّسة. الرّب يسوع هو الله الذي يعرف المستقبل. وقد أخبرنا في الإنجيل المقدّس، الذي كتب في القرن الميلادي الأول، عمّا سيحدث في المستقبل، وخاصة عندما تقترب دينونة الله ونهاية العالم. وما نسمعه اليوم من حروب وأخبار حروب، ومن صراع دموي بين الأمم والأعراق وأتباع ديانات العالم إلاّ دليل صدق على أقوال رب المجد يسوع. لذلك فإن المسيحيين لن يخافوا مما يحدث اليوم من سفك دماء، فقد سبق للرّب يسوع وأن أخبرنا أن هذه هي حالة العالم الشّرير والبعيد عن الله الحقيقي. وهو يطلب منا أن نكون دعاة محبّة وعمّال سلام في زمن الحروب. قال له المجد في متى 9:5 "طوبى لصانعي السّلام، لأنهم أبناء الله يدعون".

2. يشير دعاة الحروب إلى أمثال الرّب يسوع قائلين بأنها تدعو أو تسمح باستخدام العنف وخوض الحروب. قال الرّب يسوع في مثل الملك الذي سيخوض الحرب "وَأَيُّ مَلِكٍ إِنْ ذَهَبَ لِمُقَاتَلَةِ مَلِكٍ آخَرَ فِي حَرْبٍ لاَ يَجْلِسُ أَوَّلًا وَيَتَشَاوَرُ: هَلْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُلاَقِيَ بِعَشَرَةِ آلاَفٍ الَّذِي يَأْتِي عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ أَلْفًا؟" (لوقا 31:14). وقال أيضًا "حِينَمَا يَحْفَظُ الْقَوِيُّ دَارَهُ مُتَسَلِّحًا تَكُونُ أَمْوَالُهُ فِي أَمَانٍ. وَلَكِنْ مَتَى جَاءَ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فَإِنَّهُ يَغْلِبُهُ وَيَنْزِعُ سِلاَحَهُ الْكَامِلَ الَّذِي اتَّكَلَ عَلَيْهِ وَيُوَزِّعُ غَنَائِمَهُ" (لوقا 21:11-22).

الرّد: لفهم أمثال الرّب يسوع علينا أن نسأل أولًا: ما هو موضوع المثل؟ أو ما هي الفكرة الرئيسية التي يريد الرّب يسوع أن يعلمنا إياها؟ من قراءة مثل الملك ومثل الرجل المسلح، نكتشف أن الرّب يسوع لا يعلمنا أبدًا عن الحروب أو عن العنف، بل يعلمنا كمؤمنين به أن نكون مستعدين لمواجهة الشر في العالم، ويدعونا إلى حياة التلمذة واتباع شخصه القدوس. (متى 29:12).

في المثل الموجود في لوقا 21:11-22، تحدث الرّب يسوع عن إخراج الشّياطين، وكيف أن ذلك يعني تحطيم قوى الشّيطان، لأن توبة الإنسان وعودته للرّب يسوع هي انتصار على الشّيطان والشهوات. يشير الرجل القوي في المثل إلى الشّيطان وسلاحه الخداع والشهوات، وبيته النفس البشرية الخاطئة والفاسدة. ولكن الرّب يسوع أقوى منه، ويستطيع بسلطانه طرده من حياة النّاس. فسلام الخطاة وهمٌ لأنهم لا يقاومون إبليس.

جاء مثل الملك في سياق حديث الرّب يسوع عن ضرورة استعداد الكنيسة لمواجهة تحديات وصعوبات الخروج إلى العالم، ونشر تعاليم الإنجيل، وتلمذة النّاس وتعليمهم كلمة الله. يقول الرّب يسوع في الآية 27 "وَمَنْ لاَ يَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَأْتِي وَرَائِي فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا" ثم يتحدث في الآيتين 28 و29 عن حساب نفقة البناء، فيقول: "وَمَنْ مِنْكُمْ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بُرْجًا لاَ يَجْلِسُ أَوَّلًا وَيَحْسِبُ النَّفَقَةَ هَلْ عِنْدَهُ مَا يَلْزَمُ لِكَمَالِهِ؟ لِئَلاَّ يَضَعَ الأَسَاسَ وَلاَ يَقْدِرَ أَنْ يُكَمِّلَ فَيَبْتَدِئَ جَمِيعُ النَّاظِرِينَ يَهْزَأُونَ بِهِ" ثم استخدم مثل استعداد الملك للحرب، ليدعو الكنيسة إلى الاستعداد الكامل لدخول حرب روحية ضد الشر في العالم وثمن هذه الحرب، لذلك ينهي حديثه عن الموضوع قائلًا في الآية 33 "فَكَذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لاَ يَتْرُكُ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا".

استخدم الرّب يسوع لمثل الملك أو الرجل القوي كان بقصد التوضيح لا أكثر ولا أقل، ويجب أن نفهم هذين المثلين في سياقهما، وكذلك في نور بقية تعاليم الرّب يسوع عن محبّة الله والنّاس، وعن العمل من أجل السّلام والمصالحة بين النّاس.

3. يستخدم دعاة الحروب قول آخر للمسيح للإدعاء بأن الرّب يسوع يدعو إلى العنف والحرب، وهذا القول موجود في متى 34:10 "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا". 

الرد: ما أسهل اقتباس جزء من قول واستخدامه لتبرير مواقف مسبقة في عقول النّاس وقلوبهم. لذلك إن قرأنا الآيات اللاحقة للآية 34 في متى 10 وخصوصًا الآيات 35-37 فإننا نكتشف رأسًا بأن كلمة "السّيف" هنا مستخدمة بطريقة الاستعارة والمجاز والرمز، وليس بالمعنى الحرفي. السّيف هنا يشير إلى حق الله الذي يقسِّم النّاس بين مؤمنين ورافضين للإيمان. وبرهنت أحداث الحياة، وما تزال تبرهن حتى اليوم، بأن كثير من النّاس المتديّنين والملحدين وغيرهم من الخطاة يقاومون ويضطهدون لدرجة القتل كل من يترك طرقهم ودينهم ويؤمنون برب المجد يسوع. أي إنه إذا آمن شخص من دين معين بشخص الرّب يسوع، فإنه يعتبر مرتدًا في نظر أقرب النّاس إليه، وبالتالي يبتعدون عنه معتبرينه عدوًا لهم، وقد يبادرون الى قتله، أو طرده من مكان سكنه، وإجباره على الطّلاق من شريكة حياته، ومصادرة كل ممتلكاته.

كذلك يستخدم منتقدو الكتاب المقدّس ودعاة الحروب وأتباع ديانات متنوّعة الجزء الأخير مما قاله الرّب يسوع لتبرير مواقفهم السّلبيّة. "مَا جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا". واضح من سياق الحديث أن الرّب يسوع لم يكن يتحدث عن سيف بالمعنى الحربي، بل استخدام كلمة السّيف مجازيًا ليشير إلى أن الإيمان بشخصه القدّوس سيولد صراعًا حتى داخل أفراد الأسرة الواحدة. فالسّيف هنا هو حق الله الذي يقبله البعض ويؤمن بالتّالي بشخص الرّب يسوع، وبسبب إيمانه يصبح مرفوضًا من بقية أفراد أسرته. 

كرّر الرّب يسوع نفس القول في لوقا 51:12 حين قال: "أَتَظُنُّونَ أَنِّي جِئْتُ لأُعْطِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ؟ كَّلاَّ، أَقُولُ لَكُمْ: بَلِ انْقِسَامًا". ونلاحظ هنا أن الرّب يسوع قد استخدم كلمة "انقسامًا" بدلًامن كلمة سيف. وهكذا فإن الرّب فسَّر بنفسه كلمة سيف، وقطع الطّريق على من يريدون تفسير كلامه بطريقة غير صحيحة. ويوضّح الرّب يسوع كلمة "انقسامًا" بقوله أنّ الانقسام ينتج بسبب رفض النّاس لإيمان إخوة وأحبة لهم بشخص الرّب يسوع. أي أن الرّب يسوع نفسه أعطانا تفسيره الحقيقي والوحيد لكلمة "السّيف" ألا وهو الحق الذي يفصل بين الإيمان ورفض الإيمان.

4. يقول دعاة الحروب والعنف بأن عدم دعوة يوحنا المعمدان لجنود روما بترك الجيش، وعدم دعوتهم إلى الامتناع عن المشاركة بالحروب، يعني أنه لا توجد مشكلة في الإنخراط في الجيش والمشاركة في الحروب. نقرأ في لوقا 14:3 "وَسَأَلَهُ جُنْدِيُّونَ أَيْضًا: وَمَاذَا نَفْعَلُ نَحْنُ؟، فَأجَابَ: لاَ تَظْلِمُوا أَحَدًا وَلاَ تَشُوا بِأَحَدٍ وَاكْتَفُوا بِعَلاَئِفِكُمْ". 

الرد: يجب علينا أن نلاحظ عدة أمور:
أ. أن يوحنا كان يعد الطّريق للرّب يسوع، وكان يتكلم كأحد أنبياء العهد القديم.
ب. انخراط الرجال في الجيش لا يعني بالضرورة مشاركتهم في العنف والحروب.
ت. لم تكن مهمة يوحنا دعوة النّاس إلى ترك وظائفهم، وبالتالي خسارة مصدر رزقهم.
ث. دعا يوحنا المعمدان الجنود إلى عدم الظلم وعدم الخيانة والوشاية بالنّاس، وإلى الإكتفاء بدخلهم دون أخذ رشوة أو اغتصاب حقوق النّاس. أي أنه دعاهم إلى أخلاق وممارسات كلّها خير لهم ولغيرهم.
ج. لا يمكن لأي إنسان في الوجود أن يناقش من صمت، أو أن يستنتج مواقف بدون سند، أقول هذا الكلام لأننا لا نعرف إن قال يوحنا المعمدان أي شيء آخر للجنود أم لم يقل. كذلك لو لم يطلب يوحنا من الجنود ترك الجيش، فإن هذا لا يعني أبدًا أن على المسيحي الإنخراط في الجيش.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا