الناقد للكتاب المقدس لا يقرأ الكتاب المقدس الا ناقدًا، هو لا يحاول ان يبحث عن اجابة لتساؤلاتهِ ولا يحب أن يجد مثل هذه الاجابة، على أن ما يجب ان يشغل المسيحي الحقيقي فقط هو أن يفهم اي صعوبة توجد في نص كتابي، وان يكون قادرا بمعونة الرب وارشادهِ ان يقدم اجابة لمن يسأله، وان يكون على فهم جيد لما هو مسطر من الروح القدس في كلمه الله التي يؤمن بها.
احد اكثر العبارات التي تتعرض للنقد ترد في قصه المسيح والمرأة الكنعانية الواردة في انجيل متى 15: 21-28 وما يقابلها في مرقس 7: 24-30 حيث قال المسيح لها "ليس حسنا ان يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب"، هذه العبارة أوجدت جدلاً واسعًا في الأوساط النقدية التي اتهمت ربنا يسوع بانه "سب وشتم" المرأه الكنعانية وان القصة ايضا تظهر معاملة قاسية من المسيح للمرأة بل وعنصرية شديدة تجاه امرأة ليست من شعب اسرائيل، في بحثنا هذا سنرى بكل وضوح ان المسيح يسوع ربنا الوديع ابدا لم يشتم احدا وهذه شهادة الروح القدس له "الَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضاً وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْلٍ" ابطرس 2: 23. المسيح لم يفعل خطية ولا وجد في فمه غش ولم يعرف خطية فهو بلا خطية
الرد:
1-تعريف الشتم:
اولا: ما هو تعريف "الشتم" في اللغة العربية ؟ بحسب "لسان العرب" فهو قبيح الكلام وبه قذف وفي مقاييس اللغة "شتم" شين وتاء وميم تدل على كراهية وبغضة ومن ذلك تعبير "الاسد الشتيم" وهو الكريه الوجه وكذلك الحمار الشتيم واشتقاق الشتم منه لانه كلام كريه.
ان كان المسيح شتم المراة الكنعانية فلابد ان يحقق هذا المعنى للكلمة. لابد ان تظهر كراهيته بتصرفات وكلمات فيها قذف. المشهد كله لا يشير ابدا الى ذلك ولنرى هذا في القصة
2- سياق النص في القصة لا يشير لاي شتم:
ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَانْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ.
وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ: «ارْحَمْنِي يَا سَيِّدُ يَا ابْنَ دَاوُدَ. ابْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدّاً».
المسيح خرج وانصرف الى نواحي صور وصيداء. لم يدخل مدينة صور او صيدا بل محيطهم وهي منطقة اممية اي يسكن غالبيتها الامم وليس اليهود. في مرقس 7: 24 نقراء "ثُمَّ قَامَ مِنْ هُنَاكَ وَمَضَى إِلَى تُخُومِ صُورَ وَصَيْدَاءَ وَدَخَلَ بَيْتاً وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ لاَ يَعْلَمَ أَحَدٌ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَخْتَفِيَ"
كان المسيح يريد ان لا يعلم احد بوجوده لفترة قصيرة لانه اراد ان يريح تلاميذه لفترة بعد عناء طويل، هذا العناء واضح في النص ما بين القوسين (مرقس 6:55 "فَطَافُوا جَمِيعَ تِلْكَ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ وَابْتَدَأُوا يَحْمِلُونَ الْمَرْضَى عَلَى أَسِرَّةٍ إِلَى حَيْثُ سَمِعُوا أَنَّهُ هُنَاكَ.
56 وَحَيْثُمَا دَخَلَ إِلَى قُرىً أَوْ مُدُنٍ أَوْ ضِيَاعٍ وَضَعُوا الْمَرْضَى فِي الأَسْوَاقِ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسُوا وَلَوْ هُدْبَ ثَوْبِهِ. وَكُلُّ مَنْ لَمَسَهُ شُفِيَ!")
اذن دخل المسيح بيت وسمعت المراة بوجوده فجاءت الى خارج البيت وصرخت بعبارة مسانية لا يعرف عنها الامم شىء وهي "يا ابن داود" وبحسب انها اممية فليس لها نصيب في المسيح ك "ابن داود"، كانت خدمة ربنا يسوع في الاساس موجهة لليهود اولا ومتى اراد اظهار هذا (متى 10:5-6 ) ولكنه ايضا اراد اظهار ان للامم نصيب في خدمة المسيح وهذا واضح في قصة قائد المئة (متى 8:5-13 ) فتضرعات الامم للمسيح باخلاص يستجاب لها حتى لو كانت بداية خدمته في دائرة خارج دائرتهم التي ستظهر في وقتها فيما بعد (متى 28:19، والمسيح كعادته يصنع المعجزة بهدف تعليمي وليس للاستعراض. ودائما ما يطلب الايمان لمن يصنع معه المعجزة. المراة اممية وتلبية طلبها لابد ان يكون بامتحان ايمانها لان عبارة "ابن داود" لا تتشفع لها لانها ليست من شعب اسرائيل. اذن المسيح سيتصرف لاخراج الايمان واظهاره منها وتعليم تلاميذه ايضا، كان المسيح في تعليمه واسلوب توصيله لامر يستخدم احيانا الصمت يوحنا 8: 1-11 واحيانا الامثلة في سبيل تحقيق قصده، خرج المسيح من البيت مع تلاميذه والمراة سارت ورائهم تصيح اليه وهو يريد ان يظهر ايمانها في مقابل عدم ايمان اليهود ويريد ان يحث التلاميذ "فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ: «اصْرِفْهَا لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!»، هنا لو كان المسيح غاضبا كارها شاتما قاذفا لطردها وعنفها ولكن لم يفعل هذا.
ولانه يصنع المعجزة ويعطي درس قال لتلاميذه فقط" فَأَجَابَ: «لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ». ولانها تلح في طلبها وتريد بايمان فيه وفي قدرته شفاء ابنتها قالت له "يا سيد اعني"، لو كان كارها شتاما لطردها ولكنه لم يفعل هذا، اين هذه الكراهية اذن ؟ اين هذه العنصرية؟ نعود الى اجابه المسيح لها. قالت "أعنّي" فلم يقل لها "لا" بل قال "ليس حسنا ان يوخذ خبز البنين ويطرح للكلاب"، هنا ننتقل الى النقطة الثالثة لنفهم ما قاله المسيح من كلمات.
3 - معاني الكلمات لا يشير الى اي شتم: هناك كلمتان يونانيتان مختلفتان يترجمان الى "كلب" ولكن الفرق شديد بينهما اذ ان احداهما تشير الى الكلب كامل النمو البري غير المستانس والثانية الى الكلب الصغير المحمول بين الذراعين من الصبية داخل المنزل، وهذا تعريف للكلمتين وسنبداء بالثانية والتي استخدمها متى هنا وهي "كوناريون" وهذا معناها في جميع القواميس اليونانية ومنها قاموس سترونج a little dog
κυνάριον
kunarion
koo-nar'-ee-on
Neuter of a presumed derivative of G2965; a puppy: - dog.
The Greek word "kunarion" is a specific reference to "little" dogs - the kind of pet، or house، dogs that might be hanging around a dining table.
وترجمة هذه الكلمات هي ان الكلمة تشير بصفه خاصة الى "الكلاب الصغيرة المنزلية تلك التي تلتف اسفل المائدة في العشاء"
Compare that term "kunarion" for dog with the term for dog "kuon" used in the following verse:
الاخرى التي تترجم كلب فهي "كيون" وتشير الى المعنى المتعارف للكلب الكامل النمو البري الذي لا يصلح لوجوده مع الاطفال، هذه الاخيرة استخدمها بطرس في رسالته الثانية 2:22 "ككلب عاد الى قيئه"، قاموس العهد الجديد اليوناني ذكر عن هذه الكلمة الاخيرة "كيون" اي "كلب" The dog
New Testament Greek Definition:
2965 kuon {koo'-ohn}
a root word; TDNT - 3:1101، ; n m
AV - dog 5; 5
1) a dog
2) metaph. a man of impure mind، an impudent man
انها تشير تصويريا الى معنى شخص ذو ذهن غير نقى، ربنا يسوع لم يذكر هذه الاخيرة فيما قاله من كلمات وحتى المراة نفسها لم تستخدم الاخيرة بل الكلمة "كوناريون" والتي تعني "كلب صغير" وبالانجليزية "بوبي" واضح من معنى الكلمة اذن ان المسيح ابدا لم يشتم المراة لانه لو قصد هذا لكان امامه ان يستخدم الكلمة المناسبة لهذا وهي "كيون" ولكنه لم يفعل هذا واستخدم كلمة لا يمكن ابدا ان تستخدم لاي غرض من اغراض السباب
4- المسيح المعلم يستخدم الامثلة:
استخدم ربنا يسوع اسلوبا تصويريا بنموذج معروف لدى الامم التي منهم تنتمي هذه المراة وهو وجود الكلاب الصغيرة في البيت لاكل الفضلات، في البداية تجلس الاسرة وتاكل على مائدتها وتاكل الكلاب الصغيرة الفتات الساقط قبل ان يلقى لها باقي الاكل كغذاء لها بعد ان ياكل الابناء، ان طرح الفضلات للكلاب ليس امرا يهوديا لان الكلب نجس لدى اليهودى، المسيح يقدم مثلا امميا لامرأة اممية ويعلم ايضا تلاميذه ان امرأة اممية ستظهر ايمانا عظيما مقابل ايمانهم القليل ومقابل الصورة السيئة في اول متى 15 لاولئك مدعون الطهارة وناقصي الايمان الذين شككوا في مسيانية يسوع وطلبوا منه اية فهذه المراة النجسة بحسب جنسها لدى اليهود تفعل العكس وتظهر ايمانها بمسيانية يسوع وتخاطبه كابن داود ولا تطلب منه اية لتجربه ولكن تثق تماما في مقدرته على الشفاء، هذا هو الدرس المراد لتلاميذ المسيح في هذه القصة، كان المسيح يعلم انه سيشفي ابنه هذه المراة كما كان يعلم انه سيقابل السامرية ولكنه كالمعلم القدير ومخرج الايمان للنور تعامل مع المراة باسلوبه الخاص الذي يناسب الحالة التي امامه، ذكرها بصورة يونانية معروفة عن البنين والكلاب الصغيرة فردت عليه بمثل يوناني معروف ايضا «نَعَمْ يَا سَيِّدُ. وَالْكِلاَبُ أَيْضاً تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا».
حِينَئِذٍ قَالَ يَسُوعُ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ». فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ. لقد امتدح ايمانها بادئا بعبارة يونانية هيلينية تعبر عن عمق مشاعر الاحترام لها "يا امرأة"، اين الشتيمة لفظيا او في سياق النص للكلمة؟
عندما قرات كلمات المسيح "ليس حسنا ان يوخذ خبز البنين ويطرح للكلاب" وايضا رد المراة "والكلاب ايضا تاكل من الفتات الذي يسقط من مائدة اربابها" شعرت بان هذه الكلمات ربما تكون اقوال ماثورة او امثال معروفة في هذا التاريخ وبصفه خاصة عند هذه المراة التي يصفها مرقس بانها فينقية مستخدما كلمة يونانية فريدة تشير الى انها سورية فينقيه، تلك المنطقة اليونانية الثقافة فبحثت عن اقوال ماثورة يونانية لفلاسفة قدامى وسعدت كثيرا بان اعطانىالرب ان اتذوق ثمار البحث، ففي كتاب اسمه
Life of Apollonius of tyana book 1. 19 p. 33
هذا الكتاب هو ترجمة لكتاب مخطوطي قديم يحكي قصة الفيلسوف ابولونيوس المولود قبل ربنا يسوع ب 3 سنوات وان من اقواله على صفحة 33 من الكتاب المترجم من اليونانية ما يلي بالحرف (ولكن الفتات الذي جمعه. . . وكانه في عقله يشير الى الكلاب التي تاكل مما يتساقط من مائدة اربابها، المسيح الوديع تكلم الى المرأة بصورة تمثيلية يونانية والمراة ردت عليه بكلمات ماثورة يونانية. لا يوجد في فم ربنا اي غش بل انسكبت النعمة على شفتيه، تبارك اسمه الى الابد.