دعوة للإرتواء والإمتلاء

نقرأ في هذا الاصحاح عن قصة المرأة السامرية التي كانت تبحث عن الإرتواء. فهي جَرَّبت كلٍ طُرق العيش لكن قلبها ما زال فارغ وحياتها تحتاج الى الارتواء
28 مايو 2013 - 16:27 بتوقيت القدس

(يوحنا 4)

نقرأ في هذا الاصحاح عن قصة المرأة السامرية التي كانت تبحث عن الإرتواء. فهي جَرَّبت كلٍ طُرق العيش لكن قلبها ما زال فارغ وحياتها تحتاج الى الارتواء. تعتبر قصتها من أجمل القصص، فأحداثها جميلة، فريدة ودرامية. تروي لنا معجزة من أقوى معجزات الخلاص، خلاص هذه المرأة السامرية.

 نرى في هذه القصه أطول حديث للرب يسوع مع إمرأة، نرى عمل النعمة الإلهية، حُبّه للمرأة، احشائهُ اللطيفة، عنايته ورحمته للمرأة. ونرى أنه يوجد رجاء لأعظم خاطئ في هذا الوجود (عدد4).

 كان لا بُد أن يجتاز يسوع من السامرة، أما اليهود المتعصبين في ذلك الزمان فكانوا يتدارون من السامرة لئلا يتنجسوا، فالشخص القادم من اليهوديه أو من منطقة أورشليم كان يجتاز منطقة غور الأردن أولاً ومن ثم الى أورشليم لكي يتجنب المرور من السامرة، وهكذا تطول المسافة بضعف ونصف. لكن غَرض المسيح هو ان يجتاز من السامرة وكل هذا العناء والتعب حتى يُكلّم هذه المرأة عن النعمة ويجذب حياتها لنعمة الخلاص (عدد8:5).

 جاءَ الى مَنطقة تُسمى "سوخار" عند بئر يعقوب وهناك جلس على البئر، فقد كان تعباً وجائعاً بدليل أنهُ أرسل تلاميذه ليبتاعوا طعاماً من القرى المجاورة. في هذه الأثناء أتت المرأة السامرية لتستقي ماء من البئر وهناك طبعاً دار الحديث بينها وبين الرب وقادها من عطشها وإحتياجها الجسدي إلى الماء الروحي وخلّصَ نفسها وجسدها ايضاً.

ماهي خلفية بلدة هذه المرأة؟ السامريون هم جماعة من اليهود أُخذوا إلى السبي الأشوري، والأشوريين أحضروا شعوب أُخرى وسكنوا في منطقة السامرة فاختلط السامريون بالشعوب الأخرى بالدم عن طريق الزواج. وعندما عادوا أهل يهوذا من السبي البابلي بعد فترة زمنية كانت بالنسبة لهم جريمة نكراء انّ السامريون إختلطوا باليهود، ومن هناك ابتدأ العداء بين اليهود والسامريين واستمر إلى أيام المسيح. لقد كانت ذروة هذا العداء أّنّ اليهودي كانَ يصلي ويشكر الله أنهُ ليس سامرياً، وعندما كان شخص معين يريد أن يشتم آخر فكان يقول لهُ "يا سامري"، وهذا ما قالوه عن يسوع عندما كان يجول بين الناس ويشفي: "ألسنا نقول حسناً انك سامريّ وبك شيطان" (يوحنا 48:8). هذه الخلفية توّضح لنا كم كانت قوة ومقدار هذا العداء الذي كانَ بين اليهود والسامريين، لكن يسوع أقوى من هذا كله فهو قادر ان يرتفع فوق كل الحواجز، هو يهتم بالنفس البشرية ولا يوجد لديه أية عنصرية، هو لا يُفضّل شعب عن شعب فذهب خصيصاً لكي يتقابل مع هذه المرأة. لقد عرف إحتياجها، إنهُ الإرتواء

كثيرون يبحثون عن إرتواء مُعين ليَروون ظمئهم في أماكن خاطئة، يبحثون عن الحرية، السعادة والإستقلالية. لكن الحرية هي بأن أفعل ما يريدهُ الله.

 المرأة السامرية كانت جميلة المنظر. تزوجت بخمسة رجال والسادس لم يكن زوجها. كان لديها جاذية ساحرة للرجال، كانت لَبِقة في الكلام وهذا نلاحظهُ من حديثها مع يسوع، كانت متعصبة وطنية (عدد9)، مُحافظة على التقاليد، لديها ذكاء خارق وسرعة بديهية لتتواصل مع يسوع، لديّها معلومات دينية (عدد12 )، كانت جريئة ولكنها وبإختصار وَصلت إلى حالة رديئة وأصبحت مُستعبدة وتحتاج إلى الماء الحي. هذه المرأه أصبحت تعيش في فراغ فظيع، حياة مُملة، حياة الوحدة، وكانت تأتي بالتوقيت الغيرعادي الذي كانت تذهبن فيه النساء لتستقي من البئر. كانت مملوءة بجراح عميقة لم يُدركها أحد سوى الرب. لم يكن لديها أصدقاء وكانت فاشلة. نلاحظ هذا من خلال حديثها مع الرب اذ كان عندها نوع من التمني والاشتياق لعمل جديد في حياتها (عدد11).

 هل تبحثين عن شيء يُروي ظمئك؟ البعض يبحث عن الإرتواء بطرق غير كتابية (ارميا 13:2)، كم من الناس يبحث عن سراب؟ يسوع هو المصدر الوحيد، هو ينبوع الحياة، يعطي عَطايا أبدية ولكن علينا أن نطلبهُ. لقد تعامل الرب مع إنسانية هذه المرأة بأنها إمراة مُحتاجة، وعندما خاطبها أثار فكرها وخاطب ضميرها. قال إدعي زوجك (عدد17:16)، وهناك حَرَّك إرادتها وجعلها تأخذ قرار لتترك حياتها القديمة. وبالواقع يسوع تعامل مع جهلها الروحي، فالسامريون كانوا يؤمنون بأسفار موسى الخمسة ولا يؤمنون بالمزامير والأنبياء، إنه ايمان ناقص غير مبني على كلمة الله، فكان لا بُد أن يعالج جهلها ومعتقداتها الزائفة. يسوع كان عنده خطة بأن يُريح هذه المرأة من العبودية. عندما ابتدأ يخاطبها، إبتدأ من احتياجها وقادها الى المياه الحية (عدد 26). هذه المرأة أتتْ لتملأ جرّة ماء فتركتها وذهبت لتُخبر أهل بلدتها عن لقاءها بالمخلص (عدد28). لقد أصبحت أول مُبشرة في الكتاب المقدس. إكتشفت النبع الحقيقي وارتوت منهُ، حصلت على الخلاص وشاركت به. يسوع لم يكن غَرضه ان يَفضح هذه المرأة ويخبر بكم كان ماضيها فاشل وفارغ ويذيع آثامها، بل إبتدأ بالحديث معها عندما ذهب التلاميذ ليبتاعوا طعام بكل نعمة ولطف. فهو يَستُر ويجذب الخطاة الى نعمتهِ بكل رقة وحنان. لربما تقولين ان خطاياك كبيرةٌ جداً، إلقي بحياتك على الرب، فجَلسة واحدة مع الرب تُشبع وتروي القلب وتكشف الأسرار. في قلب كل شخص منا فراغ لن يملأه سواه.

هذه المرأة كان ماضيها أثيم، ولكنها إلتقت بيسوع الينبوع الكريم، فأدركت انهُ المخلص فقبلت رحمتهُ، وَثقت بغفرانه وتغير توجه حياتها. كانت هاربة من الناس فأصبحت ذاهبة للناس، قال لها أعطيني لأشرب، هو عطشان لنفسِك بأن تَخلُص، عطشان ليتقابل معك ويغفر خطاياكِ لأنه لا يوجد شيء يروي القلب ويملأ العين من الخارج سوى شخص الرب يسوع. تعالي اليه، هو يريد أن يتقابل معكِ.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا