هل يحتاج المرحوم إلى رحمة؟

معظمنا يعطي للمُتوفى شهادة "مرحوم"، وفِي نفس الوقت يتمنى أن يرحمه الله، وهذا ما يتنافى مع المنطق. فإن كان مرحومًا، فلا حاجة لطلب الرحمة
05 سبتمبر 2018 - 11:52 بتوقيت القدس

 كيف يمكن أن نقول عن "المرحوم" "الله يرحمه"؟

هل يمكننا مطالبة السُلطات بالإفراج عن سجين قد تمّ إطلاق سراحه؟ بالطبع لا. ولكن معظمنا يعطي للمُتوفى شهادة "مرحوم"، وفِي نفس الوقت يتمنى أن يرحمه الله، وهذا ما يتنافى مع المنطق. فإن كان مرحومًا، فلا حاجة لطلب الرحمة له، وإن لم يكن، فحتى متى نطلب أن يرحمه الله؟ هل حتى يطبق ثلاثة أيام بعد الوفاة، أم تسعة، أم أربعين، أم نصف سنة، أم سنة، أم نكرر الطلب كلما سحنت الفرصة في كل سنة وإلى الأبد؟ لا يُعقل لأن يكون الأمر هكذا.

إضافة لذلك غالبًا ما نعطي للمُتوفى شهادة "حُسن سلوك"، فنؤكد أنه "أتمّ واجباته الدينية" والبعض يضيف المجتمعية أيضًا، وهذه الشهادة لا تُعطى له وهو حيًا، فما دام على قيد الحياة فحتمًا لم يُنجر بعد واجباته، وكأن الأمور تتغير بطريقة سحرية لحظة وفاته، ولا يهم ما فعل، فالجميع يحصل عليها، لأنها جُملة تُكتب وتُقال وليس لها أية معايير قياس. ومن يُفكر لحظة يستنتج أنه توجد في مكان ما قائمة كأنها مُنزلة، مسجلّ فيها مجموعة أمور على المُتوفى أن ينجزها في حياته، وكأنه تتم مراجعة هذه القائمة وتوضع إشارة "Ö" بجانب كل بند فيها تأكيدًا أن الأمور قد أنجزت وفقًا للمطلوب، مع العلم أنّ أحدًا لم يٌفلح حتى اليوم في الاطلاع على بنود هذه القائمة وكأنها محفوظة في خزنة سرية، أو كأنها تتمتع بالمرونة السحرية لتلاءم كل مُتوفى مهما كانت تصرفاته وحياته.

إذا افترضنا وجود قائمة واجبات دينية مُلزمة للتطبيق، فإني استغرب كيف وعد الرّب يسوع وهو على الصليب اللص التائب بأن يكون معه في الفردوس، مع أنّ هذا اللص لم يُنجز أيًّا من واجباته الدينية، بل أنجز قائمة شرور وأعمال اجرام عديدة. فاستنتج أن الحاجة إلى شيء واحد لنيل الحياة الابدية، أن تتوب من كل القلب وتعترف من كل الفم بالرّبّ يسوع مخلصًا وفاديًا فتكون من المرحومين، بل تصير من أولاد الرّبّ المباركين، دون حاجة لتَلاحّم الآخرين عليك.

فيما يلي مجموعة تأملات قصيرة تضفي بعض التوضيح وإن كان فيها بعض الإعادة لزيادة الفائدة: 

الله يرحمه

أومن بمراحم الرب وبرحمته لكل خَائِفِيهِ.

عندما تقول "الله يرحمه" في حديثك عن غائب حيّ، فهذا دعاء جميل وكتابي. أما عندما تقول "الله يرحمه" في التعزية بحديثك عن غائب ميت، فهذه العبارة خطأ شائع ولا أساس كتابي لها، فالميت إما أن يكون الله قد "رَحمه" قبل موته إذ قبل خطة الرّب لخلاصه وهو حيّ، وإما أن يكون قد مات بخطاياه فلا رحمة له بعد الموت إن لم يطلب الرحمة الإلهية وهو حيّ.

"فَمَاتَ الْمِسْكِينُ وَحَمَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَمَاتَ الْغَنِيُّ أَيْضًا وَدُفِنَ، فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ فِي الجَحِيمِ وَهُوَ فِي الْعَذَابِ، وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ وَلِعَازَرَ فِي حِضْنِهِ" (لوقا16: 22و23)

نحتاج صحوة ضمير لنعتبر. لنستعد للقاء الرب. لننتهز الفرصة.

الرحمة تجوز...

الرحمة تجوز فقط على الحيّ، ولا تجوز على الميت.

"الله يرحمه" خطأ شائع، وعبارة مُضِلة، إن كان القصد من خلالها أن باب الرحمة مفتوحٌ للإنسان بعد الموت.

"الله يرحمه" أو "الله يرحمك"، دعاء جميل يقارب الصلاة، إذا كان المقصود به طلب رحمة الرّب وخلاصه لإنسان حيّ مهما كانت خلفيته.

"وَأَمَّا الْعَشَّارُ فَوَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ، لاَ يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلاً: اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ." (لوقا18: 13)

"صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا. لكِنَّنِي لِهذَا رُحِمْتُ: لِيُظْهِرَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ فِيَّ أَنَا أَوَّلاً كُلَّ أَنَاةٍ، مِثَالاً لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ." (1تيموثاوس1: 15 و16).

المرحوم

معظم الناس في معظم الديانات والطوائف والمجتمعات تطلق هذا اللقب على كل من فارق الحياة، وقد يكون ذلك من دافع الاحترام أو الرجاء أو العادة أو التقليد.

وبعد إطلاق اللقب، ومن لحظة الفراق تبدأ الصلوات باختلاف تنوعها وألحانها طلبًا للرحمة للمرحوم. أليس في ذلك تناقضًا. فإما أن يكون "مرحومًا"، أي قد رحمته السماء وانتهى الأمر، وإما أنه لم يحصل على الرحمة.

هذا الأمر خطير جدًا، إذ نأخذ مكان الله في الحكم والقرار، وهو أمر مرتبط بالمصير الأبدي، والاستهتار به إلى هذا الحدّ قد يؤدي لاستهتار الكثيرين بمصيرهم الأبدي. تخيّل أن نُطلق جزافًا على كل من يقف أمام المحاكمة بريئًا. إِذًا أين العدالة؟!

الكتاب المقدس يُعلمنا أن الرحمة تحصل لمن يطلبها مؤمنًا بعمل المسيح على الصليب، إذ احتمل القدوس البار دينونة السماء العادلة بديلًا عني وعنك، لننال الخلاص والرحمة من لدُنه.

"وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ. الَّذِينَ قَبْلاً لَمْ تَكُونُوا شَعْبًا، وَأَمَّا الآنَ فَأَنْتُمْ شَعْبُ اللهِ. الَّذِينَ كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْحُومِينَ، وَأَمَّا الآنَ فَمَرْحُومُونَ." (1بطرس2: 9و10).

متممًا واجباته الدينية

غالبًا ما تكون هذه العبارة جوهر رسالة النعي، وكأنها تشير إلى أن تتميم الواجبات الدينية هي وسيلة الخلاص، وبطاقة الدخول للسماء، وكأن خلاص الإنسان مبني على أعماله. في حين أن كلمة الله تعلمنا أن الخلاص يكون بالإيمان بعمل المسيح على الصليب وليس للأعمال أي دور فيه، فاللص الذي دخل الفردوس لإيمانه بالرّب وهو على الصليب، لم يتمم واجباته الدينية، بل تمم الشرط الوحيد للخلاص: آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص. ثُمَّ قَالَ لِيَسُوعَ: «اذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ». (لوقا23: 42و43).

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. سامح0مجدي 27 سبتمبر 2018 - 01:35 بتوقيت القدس
الرب0يبارككم0وينور0قلب0اولاد0المسيح الرب0يبارككم0وينور0قلب0اولاد0المسيح
الرب0يبارككم0وينور0قلب0اولاد0المسيح
2. طارق دبا 04 أكتوبر 2018 - 14:10 بتوقيت القدس
الفردوس الفردوس
المسيح يقول انت معى فى الفردوس.لماذا لم يقول انت بجوارى على العرش.لان الفردوس قى الجنه وهى مرتبة الانبياء والصالحين
2.1. عزيز دعيم 04 أكتوبر 2018 - 15:06 بتوقيت القدس
يسوع هو المخلص
كلمة معي تعني المعية اي رعايته وحضوره وكلمة بجواري هي اضعف قوة. وللتأكيد اليك بعض الآيات التي يؤكد فيها الرب يسوع لاهوته كما انه في ايات اخرى يؤكد فيها ناسوته واطاعته للآب السماوي كابن الانسان: انجيل يوحنا 5 20 لأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الابْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ، وَسَيُرِيهِ أَعْمَالاً أَعْظَمَ مِنْ هذِهِ لِتَتَعَجَّبُوا أَنْتُمْ. 21 لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذلِكَ الابْنُ أَيْضًا يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ. 22 لأَنَّ الآبَ لاَ يَدِينُ أَحَدًا، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلابْنِ، 23 لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ. مَنْ لاَ يُكْرِمُ الابْنَ لاَ يُكْرِمُ الآبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ. 24 «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ. 25 اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ، حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللهِ، وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ. 26 لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، كَذلِكَ أَعْطَى الابْنَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، 27 وَأَعْطَاهُ سُلْطَانًا أَنْ يَدِينَ أَيْضًا، لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ. 28 لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هذَا، فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ، 29 فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ.
3. ازيس نجيب البياضي 12 نوفمبر 2018 - 06:44 بتوقيت القدس
الرحمه الرحمه
الله رحمنا اكيد من الموت الثاني عند مجيء يسوع ولكن ماذا يقال ف المناسبات الحزينه والمجامله
3.1. عزيز دعيم 13 نوفمبر 2018 - 22:48 بتوقيت القدس
ممكن ان نعزي
ممكن ان نزعي الآخرين في حالة وفاة بعدة عبارات تعزية الرب يخلي/يحفظ الموجودين الرب يخلي اولادكم /أعماركم الرب يعزيكم وغيرها...
4. مرقوريوس ساويرس 27 يناير 2019 - 19:27 بتوقيت القدس
الرحمة / المرحوم أو الأفضل المتنيح في الرب الرحمة / المرحوم أو الأفضل المتنيح في الرب
بسم الآب والأبن والروح القدس إلهنا الواحد آمين بداية أوافق حضرتك الرأي بأن مفاهيم كثر قد دخلت إلي عقول كثير منا دون أن ندري سواء بحسن نية أو بجهالة ومنها هذا القول {{ الله يرحمه }} بل هناك ما هو أفظع يقترب من دعوات التجديف علي الرب وهي قد تبدو دعوات وتقرب لله وعلي سبيل المثال {{ الله ينتقم أو الله يخرب أو يحرق إلخ أمثال دعوات الحقد والبغضاء والكراهية ورغبة الإنتقام حتي ربما من الأخوة والأصدقاء والجيران وليس فقط من الأعداء }} ولكن حتي لابيعدنا الرفض بتطرف رفضاً قاطعاً فنفضل تذكاراً لنفوسنا أن الذي سبقنا إلي موضع الراحة في أحضان مخلصنا بثقة إيماننا الثمين أنه رُحم فقد تنيح أي إستراح فنقول المتنيح وليس بغيضاً أن يقال المرحوم بذات المغزي والمعني ولكن من الخطأ بل الخطيئة التي من قبيل الشك أو الطعن وعد الثقة في يقين خلاص دم الرب الثمين وكفايته بلاحدود لكل من آمن بحق بخلاصه أن يقول أحد {{ ألله يرحم فلان }} إذ هذا القول كما حضرتك يطعن في أنه لم ينل الرحمة بعد فإذا كان المنتقل قد رحل وهو بعد غارقاً في خطاياه مستهينا بدم الخلاص ولم يقدم توبة بنقاء وحياة بر وطهارة فلن ينال رحمة كمثل العذاري الجاهلات أوضح مثال من رب المجد علي غير ذلك ,,, ولربنا يسوع مخلصنا المجد مع أبيه الصالح وروحه القدوس الثالوث الأقدس إلهنا الواحد إلي أبد الأبدين آمين
5. Tharwat Benjamin 06 يوليو 2020 - 06:21 بتوقيت القدس
هل توجد رحمة بعد الموت؟ هل توجد رحمة بعد الموت؟
الرب يباركك اوافق بالطبع علي كل ما قيل ولكني اتمني شرح الآية في تيموثاوس الثانيه ١٨:١..وشكرا
6. Tharwat Benjamin 06 يوليو 2020 - 06:21 بتوقيت القدس
هل توجد رحمة بعد الموت؟ هل توجد رحمة بعد الموت؟
الرب يباركك اوافق بالطبع علي كل ما قيل ولكني اتمني شرح الآية في تيموثاوس الثانيه ١٨:١..وشكرا