من المحزن أن الكثير من الكنائس الإنجيلية في إسرائيل تنقسم ومعظمنا مذنب أمام الله والناس. ويزداد الطين بِلة عندما نعرف أن معظم الإنقسامات لا تعتمد على خلافات عقائدية جذرية أو على قضايا أخلاقية عويصة. فلماذا ننقسم ضد بعضنا بعضا؟ إن معرفة الداء أمر جوهري لتحديد الدواء. ولا يهدف هذا المقال الصغير إلى تفصيل كل الأمور أو الإسهاب بشرحها فهذا يتطلب العديد من الصفحات، ولكنني سأذكر بضع قضايا رئيسة آملا أن تساعدنا على محاربة مرض الإنقسام الكنسي المتفشي في بلادنا. ولا يتحدث هذا المقال عن حالة معينة بل عن ظاهرة موجودة في بلادنا.
أولا، إن النزاع أمر طبيعي في الكنيسة كما هو طبيعي في الزواج وفي كل تفاعل بشري إلا أن العديد من المؤمنين لا يتوقعونه ولا يستعدون له ولا يشملونه في برامج التلمذة. فبدلا من توقع التحديات في الكنيسة، يظن الكثيرون أن تكون الكنيسة خالية من المشاكل ويستغربون عندما يخطئ مؤمن أو مؤمنة في حقهم. وقد يقولون: "اتوقع هذا الأمر من غير المؤمنين ولكن ليس من المؤمنين". وهذا الإدعاء يتجاهل قسما كبيرا من النصوص الكتابية التي تتحدث عن مشاكل المؤمنين بعضهم مع بعض سواء كانوا مؤمنون حديثي الإيمان أم قادة لهم سنوات مع الرب. فلقد كانا بطرس وبرنابا مذنبين بالرياء والنفاق وعدم السلوك بالإستقامة (غل 2: 11 – 13) وتصارعتا أفودية وسنتيخي في أن تتفقا بالرغم من جهادهما مع بولس الرسول في الإنجيل (في 4: 2 – 3) وشل الخوف العديد من القادة فشككوا بتوبة بولس (أع 9: 26) وظهرت انشقاقات في كنيسة كورنثوس (1 كور 1: 10 – 13). بايجاز، علينا أن ندرك: إن الله وحده هو الكامل وستبقى الكنيسة غير كاملة حتى يأتي ذلك اليوم الذي تقف فيه أمام الله بلا عيب (أف 5: 27). النزاع أمر متوقع. فهل نحن مستعدون للنزاع؟
ثانيا، عندما يحدث النزاع يتصرف العديد منا بدون ارشاد الرب ومشورته. ويحاولون أن يتعاملوا مع النزاع دون الإنتباه أننا خطاة فقد نسيء الفهم ودون التذكر أن أحاسيسنا وحدها غير كافية للبت في الأمور وأن التزامنا نحو الحق لا يلغي التزامنا بالمحبة، أي كما أحب المسيح كنيسته وأسلم نفسه لأجلها (أف 5: 25). فيجب على المتنازعين أن يثقوا بحكمة الله المذكورة في متى 18: 15 – 20. ويمارسوا مبدأ عتاب المحبة وليس النميمة. فإن لم يسمع الأخ أو الأخت لصوت الحق والمحبة حينها نستمر في المحاولة حتى نكون مقتنعين كأفراد وكجماعة المسيح أن هذا الأخ أو الأخت هو كالوثني والعشار (مت 18: 17). ويجب أن تتسع محبتنا للمخطئ سبعين مرة سبع مرات (مت 18: 22). فلا نصدر القرارات الكبيرة بسرعة.
أضف إلى ذلك علينا أن نؤكد أن الله وحده عارف القلوب وفاحص الكلى. فلا تظن أنك تعرف كل الحقائق وأن رأيك غير قابل للفحص. فربما - وأعني ربما واشدد ربما - تكون مخطئا. فربما تسربت إلى ذهنك حقائق مشوهه وربما حكمت على اخوتك واخواتك دون حكمة الله. ربما ضللتك مشاعرك وطرائق تفكيرك فلم تكن عادلا فإن القلب اخدع من كل شيء. ولقد ضل الأنبياء والرسل فهل أنت معصوم عن الخطأ؟
فلا تفتقر إلى الذكاء الروحي وتظن أن حكمة الله كلها موجودة فيك وحدك، بل كن مستعدا أن تسمح بتعددية الآراء ولا تفرض منطق الدكتاتورية وعرض عضلات السلطة، بل كن مستعدا لفتح احضانك لقبول اخوتك ولتشجيع كل مبادرة تهدف إلى بناء جسور المحبة والتفاهم المؤسسين على كلمة الله. واخيرا، إن الجواب اللين يصرف الغضب أما الكلام الموجع فيهيج الخصام والسخط. فليعطنا الله أن نبني كنائسنا ومؤسساتنا بمنطق المحبة والحق. وعندما أقول المحبة فإني لا أقصد محبة الذات بل محبتنا للمسيح ينبوع المحبة ومثالها. فلنسأل انفسنا هل يعبر موقفنا لأخينا أو اختنا عن محبة المسيح؟ وعندما أقول الحق فأنا لا أقصد الحق المبني على قناعاتنا الفردية بل حق الله المعلن في كتابه وفي تنوع أفكار اولاده وبناته وثابت عبر العصور في تاريخ شعبه وظاهر في ملء محبته.
في الختام، ادعو كل المتنازعين أن يصلوا مرة أخرى طالبين من الله العون وأدعوهم التفكر في ذاك الذي لأجلنا احتمل العار والمذلة. فلنحب بعضنا بعضا بشدة ولنبني الجسور بيننا بدلا من وضع سياج البغضة والعزلة في حظيرة خراف المسيح محولين المرعى الجيد إلى ارض ناشفة ويابسة وخالية من المحبة التي بدونها باطلة خدمتنا (1 كورنثوس 13).