إدمان الإنترنت وهل من علاج له؟!

لكل أمر في الحياة وجهان، أحدهما ربّما يكون مُشرقا مُضيئا، والثاني، قد يكون مُظلما ومُعتما!
31 أغسطس 2021 - 14:22 بتوقيت القدس
إدمان الإنترنت وهل من علاج له؟!

موضوع حديثنا اليوم ـ عزيزي القاريء ـ البعض يراه نعمة وبركة عُظمى، بينما يراه البعض الآخر نقمة ودمارا يفوق الوصف! يستخدمه البعض لزيادة التعلُّم والمعرفة لخير النفس والمُجتمعات، بينما يستخدمه البعض الآخر أسوأ استخدام يُمكن أن يحدث!!

به يستخدم الكثيرون أوقاتهم بطريقة إيجابيّة وبنّاءة، ومن خلاله هو أيضا يُضيّع الآخرون أوقاتهم فيما لا يُفيد، بل وفيما يُدمّرون به أنفسهم والآخرين ممّن حولهم والآن، أنت أين ـ عزيزي القاريء ـ من شبكة المعلومات الدوليّة (الإنترنت)؟!!!!!
................................................................لماذا يٌقبل الناس عموما على الانترنت؟ 
يوفّر الإنترنت لمستخدمه عالما واسعا، بل ورائعا وساحرا ورحبا من الثقافة والمعرفة والاطّلاع، في مختلف علوم الحياة، كما يتيح النت أيضا لمستخدمه الفرصة لأن يزور أماكن عدّة، ويلتقي بأناس من جنسيّات وثقافات وألوان واتجاهات مختلفة ـ عبر قنوات اتّصال فوريّة وسهلة ـ في بُلدان ربّما من المُستبعد أن يصل لها ـ هذا المُستخدم ـ بأيّ طريقة أخرى، وكل هذا يحدث بمُجرّد نقرة واحدة على لوحة المفاتيح بحاسوبه الشخصي (الكمبيوتر)، وهو جالس مُسترخ في حُجرته! لذا، فهذه التكنولوجيا الفريدة أتاحت للإنسان ـ بتقنيّات مُذهلة لم يكن له سبيل لها ـ الفرصة كي يضع العالم كلّه، بلمسة واحدة، تحت أمره!

كيف أثّرت (وتُؤثّر) إتاحة شبكة المعلومات للناس في البلدان العربيّة؟ وربّما لم يختلف الوضع كثيرا ـ من زاوية واحدة ـ بين الغرب والشرق، من جهة الاستفادة من إيجابيّات هذه الشبكة المعلوماتيّة الضخمة، لكن من جانب آخر فإنّها إن لم يتم توجيه استخدامها بطريقة إيجابيّة ومُنضبطة، فإنّها تكون مضيعة وإهدارا للوقت دون استفادة حقيقية منه، بل وأقول أكثر ـ وفي مُصارحة ومُكاشفة للنفس إن الكثيرين منّا ـ بكل أسف ـ (لا سيّما الشباب في منطقتنا العربيّة)، قد أذوا أنفسهم من خلال التعامُل مع هذه التقنية الحديثة بطريقة خاطئة، باستخدامات ومُشاهدات أضرّتهم ودمّرت، أو كادت، أن تُحطّم حاضرهم ومستقبلهم!!! ومن هذه الاستخدامات الضارّة، التردُّد على استخدام المواقع الإليكترونيّة الإباحيّة والجنسيّة.

لماذا يُدمن الناس مُشاهدة المواقع الإليكترونيّة الجنسيّة؟
إن العادات والتقاليد والأعراف وأصول التربية المُحافظة، تلك التي تحكم سلوكيّاتنا وعاداتنا وتوجُّهاتنا كشرقيّين وكعرب (وهي بلا شك إيجابيّة في مُعظمها) اصطدمت بكل أسف مع ما توفّره الشبكة المعلوماتيّة من قنوات إباحيّة وجنسيّة توفّر لمُرتاديها قدرا وافرا من الاستثارة والاندفاع نحو إلهاب الرغبات وإشباعها ولو بمُجرّد المُشاهدة! كما أن الكبت والانغلاق والتخفّي تحت ستار من التديُّن (ربّما الظاهري غير الحقيقيّ)، ما يلبث أن ينهار عند أوّل مُواجهة مع تلك المُثيرات الجامحة، والتي لا يجد الشباب مُتنفّسا آخر للتعبير عنها بطريقة صحيحة وآمنة، فيلجأون لمثل هذه المُؤثّرات للتنفيس عن المشاعر والرغبات المكبوتة، لا سيّما وأن الأحوال الاقتصاديّة في الكثير من البُلدان عبر منطقتنا العربيّة تئن تحت وطأة غلو الأسعار والأزمات الاقتصاديّة الطاحنة، ممّا يُؤخّر سن الزواج للشباب من الجنسين على حدّ سواء، الأمر الذي لا يجعلهم في مأمن من أخطار هذه الهجمات الشرسة!

ويعتقد الكثيرون من الشباب أن إخراج شحناتهم العاطفيّة المكبوتة والتعبير عنها من خلال الإنترنت، إنّما هو أمر يمكن اعتباره حق مُباح ومشروع مادامت ظروفهم الماديّة لا تسمح لهم أن يتزوّجوا في الوقت الحالي، وهم يتعاملون مع الأمر على أنّه أقل الضررين خطأ، فهو ـ على أيّ حال ـ أفضل بكثير من الانحراف!

كيف تؤثّر مثل هذه الأمور على العائلة والعلاقات بين الشريكين والأسرة؟
الحقيقة التي لا يُمكن إنكارها هي أن اعتياد مثل هذه المواقع الإباحيّة، إنّما له مخاطر عدّة لابد وأن تُؤثّر على مُستخدمي هذه المواقع، وأن هناك أيضا مشاكل مُعقّدة قد تحدث كنتيجة طبيعية لاعتياد مُشاهدة المواقع الجنسيّة! ومن هذه المُشكلات، تلك المشكلة الخطيرة التي قد تحدث في المُستقبل (ولا يعي الشباب عنها أي شييء!) عند أولئك الشباب عندما يتزوّجون! فممّا لا يعرفه الكثيرون أن نسبة الخداع والتدليس في هذه الأفلام الإباحيّة تكون كبيرة جدّا، وهذا الأمر يؤدي لأن يتبنّى (يُكوّن) المُشاهدون، لاسيّما غير الدارسين وعديمي الخبرة والمراهقون (وهذه هي الفئات الثلاثة الأكثر ترددا على مثل هذه المواقع!) صورة مُزيّفة غير حقيقيّة عن الأمور الجنسيّة ومُتعتها وطرق ممارستها وتداولها. وهذا الأمر يكون له ـ بالطبع ـ أثر بالغ السلبيّة والخطورة عند حلول وقت المُمارسة الجنسيّة بطريقة صحيحية عند الزواج، إذ يتوقّع أحد الشريكين (لا سيّما الرجل) أن تتوفّر له المتعة ـ عند المُمارسة ـ بنفس الصورة التي تكونّت في خياله كنتيجة لما رآه! ولمّا لا يحدث هذا، ولا يصل لدرجة الإشباع التي يتوقّعها، فإنّه يُصاب بالإحباط والفشل، وقد ينفر من تلك العلاقة التي لا توفّر له ما يريد، ممّا يكون له مردوده السلبيّ على الشريك الآخر أيضا بصفة خاصّة، ومن ثمّ على العائلة كلّها بشكل عام، وقد يستعيض عنها بطرق أخرى بديلة ومُدمّرة!

كيف يرى الله هذه الخطيّة؟
تُقدّم لنا كلّمة الرب المُقدّسة تعليما فريدا، عمليّا واقعيّا ورائعا، فيما يتعلّق بمثل هذه الأمور، فكلمة الله تنهانا بوضوح عن الاستثارة والمُثيرات التي يُمكنها أن تؤثّر على حياتنا وتُدنّسها، وتنصحنا بكل قوّة أن نهرب منها، كما أن كلمة الله ترفض كل ما يثير الغرائز والشهوات، يقول الوحي المُقدّس:"... أمّا الشهوات الشبابيّة فاهرب منها واتبع البرّ والإيمان والمحبّة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقيّ..... " (رسالة بولس الرسول الثانية لتلميذه تيموثاوس  2: 22). بل إن الرب يسوع نفسه له كل المجد علّم في الموعظة على الجبل تعاليم انفرد بها إذ لم يُقدّمها أحد سواه، وتُعتبر هذه التعاليم من أسمى وأروع ما قُدّم في هذا الصدد. قال يسوع:"قد سمعتم أنّه قيل للقدماء لا تزن، وأما أنا فأقول لكم إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه، فإن كانت عينك اليُمنى تعثرك فانزعها وألقها عنك. لأنّه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يُلقى جسدك كلُّه في جُهنّم...." (متّى 5: 27 ـ 30). (ملحوظة: أرجو أن تلتفت جيّدا لقوّة الصورة التصويريّة الرائعة في الجزء الكتابي السابق، التي استخدمها يسوع ليُشجّع بها الإنسان على رفض الخطيّة، فأعور بعين واحدة لكن طاهر أفضل بكثير من ذي عينين تقوده للنار!) ويتّضح من كلام المسيح هنا أن القلب هو مصدر كل خطية، وأن هذا القلب يحتاج أن يُغتسل ويتطهّر حتّى يصير نقيّا ومُقدّسا، ولا يقدر على عمل هذا إلا المسيح، إن لجأنا إليه في ضعفنا وسقوطنا. 
إن الكتاب المُقدّس يعتبر الخطيّة التي تُرتكب مُوجّهة لله نفسه، فقد رفض الصديق يوسف غواية امرأة فوطيفار له قائلا لها:"كيف أصنع هذا الشر العظيم واخطيء إلى الله"، كما أن داود النبي صلّى لله بعد سقوطه في مثل هذه الخطيّة، مُعترفا وصارخا لله بتوبة أمينة وصادقة (وياليتنا نعمل مثله إن سقطنا نحن أيضا في الخطيّة) قائلا لله في صلاته:"إليك وحدك أخطأت...." والمعنى المقصود واضح هنا، فهو يريد أن يقول لله إن خطأه هو كان مُوجّها أوّلا لله، ثم للبشر من بعده!
وأقول أيضا أخيرا، إن الزنى في الكتاب المُقدّس ليس هو مُمارسة الجنس فعليّا فقط، بل إنّ مُجرّد الشهوة تكون بمثابة الممارسة الفعليّة، والزنى به إهانة لأجسادنا التي هي أمانة وكّلنا الله عليها ولابد أن نحفظها ونصونها ونُقدّسها، لذلك  تقول كلمة الرب المُقدّسة:"اهربوا من الزنى كل خطية يفعلها الانسان هي خارجة عن الجسد لكن الذي يزني يخطئ الى جسده" (1كو 6 : 18)

والحقيقة هي أنّه لابد أن يأتي يوم ونرُّد الأمانة لصاحبها ونُعطي حسابا عن كلّ ما اقترفناه. فهل نحن مُستعدُّون لمثل هذا اليوم؟

هل من أمل أو علاج؟ 
بالطبع نعم، فالله لم ولن يتركنا قط عبيدا للخطيّة كي تُنجّسنا وتُدمّرنا، لكنّه يقف جوارنا لأنّه يُحبّنا ويودّ أن يُباركنا...
في هذه الفقرة سأقدّم بعض النصائح العمليّة للتخلُّص من الإدمان السلبيّ للإنترنت وما يُمكن أن يُسبّبه لنا من أضرار و أخطار، كما يلي:
ـ  كُن مُدركا لأخطاره، ولا تستخدم النت إلاّ فيما يفيد ويبني.
ـ  قرّر بحسم أن تتجنّب تماما كل المواقع السيّئة والتي يمكن أن تضرّك وتُورّطك وتقودك لطرق لا يمكنك الخروج منها.
ـ اسع لأن تشبع وتتمتّع بعلاقة حقيقيّة وحيّة مع إلهك تحفظك وتحرسك من كل أمر يمكنه أن يُدنّس حياتك أو يخدش طهارتك ونقاوتك.
ـ تجنّب كل المُثيرات التي تؤجج وتشعل المشاعر أو الشهوات في حياتك، واعلم أنّها تضرُّك اليوم وغدا أيضا!
ـ  اشغل وقتك بأمور مفيدة لك ولمن حولك، وتعلّم كيف تستثمر أوقاتك بكل فاعليّة وقيمة مُمكنة.
ـ تجنّب قدر امكانك الصداقات والعلاقات التي لا تبني ولا تُفيد.
ـ كن قريبا دوما من الله بالصلاو والتضرّع وقراءة الوحي المقدس، وهو تعالى سيباركك ويرفعك.

عزيزي القارىء، 
أتمنى أن تكون قد وجدت في مقالتي ما يرشدك ويساعدك، أرحب دوما بتعليقاتك ومُداخلاتك فارسل لي بها، والله معك.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا