مع استمرار هجرتهم، يصعب التكهن بمستقبل الوجود المسيحي في مدينة البصرة العراقية، والتطمينات الحكومية المتكرّرة لهم لا تبدو كافية لإقناعهم بالبقاء والاستقرار في وطنهم، خصوصا أن الأنباء الجيدة التي تردهم من أقاربهم وأصدقائهم المهاجرين إلى أوروبا وأميركا تغريهم باللحاق بهم، وتزداد حماستهم للهجرة مع استمرار المنغّصات التي تعتري الحياة العامة.
في البصرة عائلات مسيحية تسلك مسارات الهجرة الى أوروبا وأميركا، ومع توالي الأشهر وتعاقب الأعوام، فقدت مدينة البصرة الواقعة جنوب العراق معظم مسيحييها، ومن تبقى لم يسقط من حساباته فرضية الهجرة بحثًا عن الطمأنينة والعيش الرغيد في أوطانٍ جديدة، أما كنائسهم التي كانت تكتظ بهم خلال مناسباتهم الدينية، فباتت بمعظمها مقفرة بلا قساوسة ومصلين.
حوالي خمسة آلاف عائلة مسيحية كانت في البصرة منتصف القرن الماضي، أخذت أعدادها بالتناقص التدريجي مع بداية الثمانينيات، بسبب ظروف حرب الخليج الأولى (1980-1988)، ثم نتيجة تأثيرات الحصار الاقتصادي الذي فُرض على العراق خلال التسعينيات. وتصاعدت وتيرة الهجرة خلال الأعوام التي أعقبت العام 2003، وعلى الرغم من عدم توافر إحصاء دقيق لعدد العائلات المتبقية، إلا أن "بضع مئات من العوائل المسيحية لا تزال تعيش في البصرة، ولو فتحت لهم الدول الأوروبية أبواب اللجوء سيهاجرون بغالبيتهم".
للمسيحيين في البصرة مقعد (كوتا) في مجلس المحافظة، الذي يمثل أعلى سلطة تشريعية ورقابية محلية، ويتألف من 35 عضوا، وبذلك هم أوفر حظًا من الصابئة المندائيين، كما يعمل العشرات منهم كموظفين في مؤسسات حكومية مختلفة، ويتمتع الأطباء منهم على وجه الخصوص بسمعة مهنية متميزة. وخلال العقود الماضية أنجبت البصرة العديد من الشخصيات المسيحية، التي كان لها أثرها البالغ في إثراء الحياة الاقتصادية والعلمية والثقافية في المدينة.