تعرضت مجموعة من المبشّرين المسيحيين في ولاية جامو وكشمير شمال الهند لهجوم عنيف نفّذه حشد من القوميين الهندوس على طريق ريفي في منطقة كاثوا، في حادثة وثّقتها عدّة مقاطع فيديو وأثارت صدمة واسعة داخل الأوساط الكنسية وحقوق الإنسان في الهند وخارجها.
وقع الهجوم بعد ظهر الخميس 23 تشرين الأول/أكتوبر 2025، عندما كانت حافلة صغيرة تقلّ ما بين 10 و15 مبشرًا ومبشرة من جنوب الهند تغادر منزلًا خاصًا في قرية جوثانا، حيث كانوا قد شاركوا في لقاء صلاة وغداء مع عائلة مسيحية محلية. القرية تقع ضمن قضاء كاثوا في إقليم جامو وكشمير الخاضع للإدارة الهندية.
وبحسب تسجيلات الفيديو وشهادات المنظمات الحقوقية والكنسية، اعترض مجموعة من الشبان الطريق أمام الحافلة، بعضهم يحمل عصيًا وقضبانًا حديدية وأسلحة حادة، قبل أن ينهالوا على المركبة ضربًا، محطمين الزجاج الأمامي والمرايا الجانبية، ثم قام بعضهم بفتح الأبواب وضرب الركاب وركلهم بينما تُسمَع صرخات النساء والرجال من داخل الحافلة. وقد انتشرت هذه اللقطات سريعًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الهندية.
اللافت في الحادثة أنّ عدّة عناصر من الشرطة كانوا حاضرين في المكان منذ اللحظة الأولى تقريبًا، إذ كانت الحافلة تسير خلف مركبة للشرطة استجابت لبلاغ عن توتر في القرية. غير أن التسجيلات المصوَّرة تظهر معظم العناصر واقفين جانبًا من دون تدخّل حاسم، فيما يحاول شرطي واحد فقط أن يثني أحد المهاجمين عن اقتحام الحافلة، قبل أن يتم تعليق عمله مع سبعة عناصر آخرين بتهمة التقصير في أداء الواجب. وقد أعلنت قائدة شرطة كاثوا، الضابطة موهيتا شارما، عن تعليق ثمانية ضباط، بينهم ضابط برتبة مساعد مفتش وعدة عناصر شرطة احتياطية، وفتح تحقيق داخلي في ملابسات تقاعسهم.
رغم عنف الاعتداء، لم تُسجَّل إصابات مميتة، لكن تقارير صحفية مسيحية ذكرت أن ما لا يقل عن أربعة من أفراد فريق الخدمة، بينهم امرأة، أصيبوا بجروح نتيجة الضرب والركل وتحطيم الزجاج عليهم داخل الحافلة. وبعد الهجوم، وصلت الضابطة شارما إلى المكان ورافقت المبشّرين إلى مكان آمن، وشجعت العائلة المسيحية المستضيفة على تقديم شكوى رسمية ضد المعتدين.
على إثر الغضب الشعبي الذي أثارته مقاطع الفيديو، فتحت الشرطة الهندية تحقيقًا وسجّلت بلاغًا رسميًا (FIR) ضد نحو عشرة أشخاص بتهم من بينها الشروع في القتل، الشغب، التهديد، وإساءة استخدام أسلحة حادة بموجب قانون الأسلحة الهندي. وأُعلن عن توقيف أحد المتهمين الرئيسيين، ويدعى رافيندرا سينغ ثيلا، بينما تستمر مطاردة بقية المشاركين في الاعتداء.
وسائل إعلام هندية ودولية وصفت ثيلا بأنه قيادي محلّي في حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم (BJP) وناشط معروف في ما يُسمّى بـ«ميليشيات حماية الأبقار»، وله سوابق في قضايا عنف طائفي واعتداءات سابقة، من بينها هجوم على صحفي خلال تغطيته احتجاجات في المنطقة مطلع هذا العام. هذه الخلفية جعلت كثيرين يرون في الهجوم جزءًا من سياق أوسع لتنامي نفوذ جماعات «الهندوتفا» القومية الهندوسية في شمال الهند.
المهاجمون برّروا الاعتداء، بحسب ما نقله شهود عيان وبلاغات الشرطة، باتهام المبشّرين بمحاولات «تنصير قسري» لسكان القرية الهندوس، باستخدام المال والمساعدات والطعام، بل وتوزيع مواد مسيئة للدين الهندوسي، وهي اتهامات كثيرًا ما توظَّف في الخطاب القومي الهندوسي ضد الأقليات المسيحية. غير أن مسؤولين في الشرطة والمنظمات الحقوقية المسيحية أكدوا أنه لم تُقدَّم أي أدلة قانونية على حدوث عمليات تحوّل قسري في هذه الحالة.
المفارقة أنّه بعد الحادثة بثلاثة أيام فقط، سجّلت شرطة جامو وكشمير بلاغًا آخر ضد «مجموعة مجهولة من المبشّرين المسيحيين» بتهمة «التشجيع على التحوّل الديني» في كاثوا، بناء على شكوى سكان يتهمون المبشّرين باستغلال فقر الأهالي لتغيير دينهم. ولم يتضح بعد، وفق صحيفة «إنديان إكسبريس»، ما إذا كانت هذه المجموعة هي نفسها التي تعرضت للهجوم، في وقت لم تُسجَّل أي اعتقالات في البلاغ الثاني حتى الآن.
أحد المبشّرين الذين كانوا على متن الحافلة، ويتحدث منذ سنوات عن خدمته بين العائلات المسيحية القليلة في جامو وكشمير، روى لصحيفة مسيحية دولية أن الشرطة كانت قد حذرته مسبقًا من نية بعض الشبان مهاجمة اللقاء، ووعدت بمواكبة الحافلة تأمينًا لخروجهم من القرية، قبل أن يظهر في الفيديو أن معظم العناصر اكتفوا بالمشاهدة. ويقول إن فريقه يزور هذه القرية منذ نحو خمس سنوات تلبية لدعوات عائلتين مسيحيتين محليتين، وإن اجتماعاتهم هي لقاءات صلاة عائلية وليست حملات تبشير علنية، كما يتهمهم خصومهم.
منظمات مسيحية تُعنى بحرية الدين، مثل «المعونة المسيحية» و«التضامن المسيحي العالمي»، اعتبرت أن هذا الاعتداء مثال واضح على تزايد مناخ الكراهية ضد المسيحيين في الهند، وعلى خطورة إفلات المجموعات المتطرفة من العقاب عندما تتقاعس الأجهزة الأمنية عن حماية الضحايا. وأشار رئيس إحدى هذه المنظمات إلى أن ما حدث في كاثوا «تذكير مؤلم بتصاعد عدم التسامح مع الأقليات الدينية في مناطق متوترة أصلًا».
الهجوم يأتي في سياق حساس بالنسبة للمسيحيين في جامو وكشمير؛ فهُم أقلية صغيرة جدًا لا تتجاوز نسبتها نصف بالمئة من السكان، في إقليم يشكّل المسلمون فيه الغالبية، مع وجود أقلية هندوسية كبيرة، بينما ازداد الخطاب المعادي لـ«التنصير» في السنوات الأخيرة، وتكرّرت احتجاجات جماعات قومية هندوسية على لقاءات صلاة واجتماعات كنسية في مناطق مختلفة من الإقليم. كما سبق أن أُحرقت كنيسة وتعرضت عائلات مسيحية لاعتداءات ومقاطعة اجتماعية في حوادث موثقة خلال العقدين الأخيرين.
ورغم صدمة الاعتداء وخطورته، يؤكد المبشرون الذين استُهدفوا في الهجوم أنهم لا ينوون مغادرة المنطقة أو وقف خدمتهم بين العائلات المسيحية الصغيرة المنتشرة في القرى. أحدهم قال إن الاضطهاد «ليس أمرًا غريبًا عن حياة الكنيسة»، وإنهم يرون في بقائهم هناك شهادة ضرورية في زمن تتزايد فيه الضغوط على الأقليات، طالبًا من الكنائس حول العالم أن تساندهم بالصلاة والمتابعة والدعوة لاحترام حرية الإيمان في الهند.
