يرى عدد من دارسي النبوات أن من بين العلامات السياسية الدالة على أننا نعيش في الأيام الأخيرة، المساعي التي شهدها مشروع توحيد أوروبا، والذي قطع شوطًا مهمًا عبر تأسيس الاتحاد الأوروبي. ومن منظور روحي، يعتقد هؤلاء أن هذا الاتحاد ليس مجرد تكتل سياسي أو اقتصادي، بل هو في حقيقته إحياءٌ تدريجي للإمبراطورية الرومانية القديمة، التي سيطرت على العالم لقرون، وكانت لا تزال قائمة في زمن وجود المسيح بالجسد على الأرض.
لقد تحدث سفر دانيال عن هذه الإمبراطورية قبل نشأتها، واصفًا إياها بحيوانٍ هائل شديد القوة له عشرة قرون (دانيال 7: 7-8). أما سفر الرؤيا، فقد رسم صورة موازية لهذا الكيان المتجدد حين قال:
“ثم وقفت على رمل البحر، فرأيت وحشًا طالعًا من البحر، له سبعة رؤوس وعشرة قرون، وعلى قرونه عشرة تيجان، وعلى رؤوسه اسم تجديف…” (رؤيا 13: 1).
كما يضيف النص أن أحد رؤوس هذا الوحش كان “مذبوحًا للموت” لكن جُرحه شُفي، فعاد إلى الحياة، مما دفع كل الأرض إلى التعجب خلف الوحش (رؤيا 13: 3-6).
وفقًا لهذا التصور النبوي، فإن هذه الإمبراطورية الرومانية العائدة ستبسط سيطرتها سياسيًا واقتصاديًا على العالم. ويُلاحظ أن الدستور الأوروبي الموحد، الذي وُقّع مؤخرًا، يخلو تمامًا من أي ذكر لله، وهو ما يُعدّ مؤشرًا خطيرًا لمستقبل هذه الكتلة السياسية، التي ستجدف على اسم الله وتحارب الإيمان المسيحي كما تنبأت الأسفار.
ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي الحالي، وإن كان مؤثرًا، لا يُعدّ تحقيقًا دقيقًا للنبوة، إذ أنه لم يصل إلى مرحلة حكم العالم بعد، كما أن قوى أخرى كأمريكا لا تزال تحتفظ بنفوذها. فالكيان النبوي المنتظر ليس مجرد اتحاد سياسي واسع، بل منظومة تحكم العالم كله، تمامًا كما كانت الإمبراطورية الرومانية في عصر الميلاد الأول.
خروج بريطانيا… حتمية كتابية
إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست) لم يكن حدثًا سياسيًا عابرًا، بل خطوة حتمية وفقًا للنبوات الكتابية، إذ أن الإمبراطورية الرومانية القديمة لم تضم بريطانيا ضمن أراضيها. بل إن للندن وللمملكة البريطانية أدوارًا نبوية مغايرة يجب أن تؤديها في الأيام الأخيرة، تختلف جذريًا عن دور “مملكة الوحش” أو الاتحاد الأوروبي.
كما أن من بين الإشكالات النبوية، أن الاتحاد الأوروبي توسع ليضم 27 دولة، وهو رقم يتجاوز بكثير العدد النبوي المطلوب وهو عشر ممالك، تماثل الممالك التي كانت تشكل الإمبراطورية الرومانية القديمة. كذلك، انضمام دول من أوروبا الشرقية التي كانت تنتمي سابقًا للاتحاد السوفيتي لا يتسق مع الصورة النبوية للكيان الأخير.
لذلك، بات من الضروري أن يتفكك الاتحاد الأوروبي بصيغته الحالية، لتُعاد صياغته بشكل يتوافق مع النبوة. وها نحن نشهد بالفعل إرهاصات هذا التفكك، بدءًا من خروج بريطانيا، مرورًا بتصاعد الدعوات لخروج فرنسا (الفريكست)، وإيطاليا (إيطالييف)، واليونان، وهولندا، وغيرهم.
وهذه الحركات الانفصالية ليست مجرد تقلبات سياسية، بل خطوات حتمية على طريق ظهور الكيان الأوروبي الجديد، الذي سيكون أكثر اتساقًا مع النبوات الكتابية عن “عودة الوحش” — أي الإمبراطورية الرومانية المتجددة.
وفي سياق آخر، تعود [1] بريطانيا (الأسد التاريخي) أو “ترشيش” بحسب النصوص النبوية، لتتقارب أكثر مع أمريكا، ومن ثم مع كندا وأستراليا، في تحالفات ستؤسس لمرحلة نبوية أخرى مغايرة عن تحالفات الاتحاد الأوروبي.
وفي الوقت ذاته، ستشهد أوروبا الشرقية خروجًا متتاليًا من الاتحاد الأوروبي، لتعود بعض دولها للتحالف مع مملكة الشمال (روسيا)، وهو الحلف الذي سيكون له دور نبوّي بالغ الأهمية في نهاية الأيام. وقد صرّح الرئيس الروسي مؤخرًا عن مهلة لا تتجاوز ثلاث سنوات لخروج هذه الدول من المنظومة الأوروبية، والعودة إلى دائرة النفوذ الروسي.
ختامًا
إن كل هذه التحركات المتسارعة في المشهد الأوروبي والدولي، ليست مجرد أحداث سياسية منعزلة، بل إشارات حتمية على تسارع النبوات، وأننا نقف أمام مشهد يكتمل فيه ترتيب المسرح للنهاية.
———————————————————
[1] البعض يعتبر ان اسبانيا هي ترشيش ولكن كاتب هذا المقال لا يتفق مع هذا الطرح لأسباب كتابية لا يتسع المجال لعرضها والتوسع بها في هذا المقال الموجز لكن من المعروف ان بريطانيا والتي شعارها تاريخيا الاسد لها أشبال بحسب الكتاب المقدس واشبالها قوية مثلها. اكتفي بالاشارة لهذه الآية: "شَبَا وَدَدَانُ وَتُجَّارُ تَرْشِيشَ وَكُلُّ أَشْبَالِهَا يَقُولُونَ لَكَ: هَلْ لِسَلْبِ سَلْبٍ أَنْتَ جَاءٍ؟ هَلْ لِغُنْمِ غَنِيمَةٍ جَمَعْتَ جَمَاعَتَكَ، لِحَمْلِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، لأَخْذِ الْمَاشِيَةِ وَالْقُنْيَةِ، لِنَهْبِ نَهْبٍ عَظِيمٍ؟" (حز 38: 13).