حادثة نيوزلندا.. الى أين يتجه العالم؟

وكان برينتون تارانت منفذ هجوم المسجدين في نيوزيلندا، قد كرس حيزا من بيانه الذي يشرح فيه دوافع عمله الإرهابي، لرسالة للأتراك يحذرهم فيها من مغبة محاولة "استيطان الأراضي الأوروبية".
16 مارس 2019 - 14:49 بتوقيت القدس
وكالات+ لينغا

وقع صباح أمس الجمعة، حادث مروع في "نيوزلندا"، حيث قام شخص ببث لقطات حية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ترصد قيامه بالهجوم على مسجد النور في منطقة كرايس تشيرتش بنيوزلندا، ثم حدث هجوم أخر على مسجد أخر، ليقع في هذا الحادث اكثر من 49 قتيلا. وقالت الشرطة إنها اعتقلت أربعة أشخاص مشتبه بهم، وهم ثلاثة رجال وامرأة. أدان مجلس الأمن الدولي هجوم نيوزيلندا وقال إن أي عمل إرهابي هو عمل مجرم وغير مبرر.

هل نستطيع أن نتحدث عن بداية حقبة جديدة في السياسة العالمية والتاريخ؟
نيوزيلندا هي دولة هادئة بعيدة عن كل الأحداث، تتمتع بمستوى معيشة مرتفع، وبحدود دنيا من الأزمات المجتمعية، بما في ذلك ما يسمى بـ "قضية المهاجرين"، بمعنى أن المجتمع لا يعاني بأي درجة من مشكلات الصراعات المجتمعية أو معدلات الجريمة التي يمكن أن تثير أي عدوان من جانب السكان المحليين (مثلما يحدث على سبيل المثال لدى الألمان وسائر الدول الأوروبية) ضد اللاجئين المسلمين.

كما أن نيوزيلندا بعيدة عن مراكز اتخاذ القرار، ولا تشارك في أي من الأحداث التي تتصدر عناوين الأنباء حول العالم، أي أنه لا يمكن القول بأن قضية مثل صراع الحضارات، أو تأثير ونشاط "الإرهابيين الإسلاميين" يمكن أن يشغل بال المواطنين النيوزيلنديين على نحو مؤثر، كما أن الحروب الإعلامية الدائرة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن تمسّ المواطنين النيوزيلنديين من قريب أو بعيد.

في النهاية، نيوزيلندا هي آخر مكان على كوكب الأرض يمكن أن ننتظر فيه ردة فعل على أي من القضايا العالمية، وعلى الرغم من ذلك فقد رأينا اليوم كيف ظهرت على أراضي هذه الدولة الوديعة الهادئة عناصر قادرة على أن تضع حياتها على المحك استنادا إلى قضايا أيديولوجية.

إذا ما وصلت تلك التوجهات إلى نيوزيلندا، فلا شك أن العالم قد تشبع بحدة ونطاق واسع هذه التوجهات للدرجة التي وصل معها إلى مدينة هادئة على أطراف العالم، وهو ما يعني أن بقية البلدان في الغرب لابد وأنها تحظى بمستويات مرتفعة للغاية من تلك التوجهات العدوانية، ولابد وأن ينعكس ذلك على نتائج الانتخابات، وسياسات تلك البلدان، وسوف تكون هذه التغيرات السياسية كبيرة ولأمد طويل.

لم تكن إذا إزاحة المستشارة الألمانية، بصعود موجة القوى اليمينية من قبيل الصدفة، وهو ما يؤكد عمليا على حتمية وصول اليمين إلى السلطة في الغرب، بينما تقع سياسة الغرب بشأن العالم الإسلامي على حافة تغييرات جذرية.

يبدو أن الغرب قد انتهى من، أو دخل بقوة على أقل تقدير إلى، مرحلة التحول، التي مرّ بها العالم الإسلامي منذ فترة طويلة، حيث تتحول المشكلات الحياتية التي يواجهها المواطنون إلى قناعات أيديولوجية تستدعي ردات فعل لا ضد المصادر المحددة لتلك المشكلات، وإنما ضد أهداف "أيديولوجية" عامة، وذلك على غرار ردات فعل بعض المسلمين منذ فترة طويلة على الاستغلال الاقتصادي والعدوان العسكري والثقافي من جانب الغرب على دول إسلامية لا تجاه حكومات غربية بعينها ممن تمارس هذا العدوان، وإنما ضد المسيحيين الأبرياء بشكل عام، وهو ما وجد ترجمة له في عمليات وصعود تنظيمات إرهابية مثل داعش على سبيل المثال.

تثير الآن قضايا المهاجرين، داعش، الإرهاب وغيرها من المشكلات المحددة ردود فعل جزء من المواطنين العاديين في الغرب لا ضد حكومات أو تنظيمات إرهابية، وإنما ضد المسلمين بأسرهم، ليتحول الصراع مع الإرهاب بالنسبة لقطاع أكبر من الناس إلى صراع ديني.

يبدو ذلك جليا في الإرهابيين النيوزيلنديين، الذين رفعوا شعارات أيديولوجية، لا علاقة لها بنيوزيلندا. فلا يمكن أن نقول أن الكراهية تعمي جميع المواطنين في الغرب، بالطبع لا، لكن لا يمكننا أيضا، في الوقت نفسه، أن نتجاهل التغيرات في المزاج المجتمعي. لابد من مواجهة الواقع.

رغم الغضب العارم، أشار السيناتور الأسترالي، فرايزر أنينغ، لحادث الهجوم وقال:
"السبب الحقيقي لإراقة الدماء في نيوزيلندا اليوم هو برنامج الهجرة الذي سمح للمسلمين بالهجرة إليها.. لنكن واضحين، ربما يكون المسلمون ضحية اليوم. لكن في العادة هم المنفذون". وفي العالم يقتل المسلمون الناس بمستويات عالية باسم دينهم".

للأسف دواعي التفاؤل ليست كبيرة، فمذبحة نيوزيلندا ليست سوى خطوة على طريق انهيار النظام العالمي، نحو حرب يخوضها الجميع ضد الجميع. حقبة من الفوضى، يتزاحم فيها اللاعبون.

- ما حصل كان متوقعا، ليس في توقيته ومكانه، بل الأمور انفجرت بسبب التلكّؤ في معالجة مسألة الهجرة والتعصّب.

- ما حصل في نيوزيلندا، حصل قبله في بريطانيا، حصل قبله في اسكندينافيا، وهي ردود فعل غير مشروعة لكنها كانت للأسف متوقعة.

- ما حصل في نيوزيلندا على جميع مسلمي العالم أن يفهموا، انه لا دخل للمسيحية فيه، ومن قام بالاعتداء وصف نفسه حاميا للعرق الأبيض ضد هجوم الغزاة، والمسيحيون لا يقومون بهكذا عمل سيما أنّ الغرب نفسه يحارب المسيحية بكل قواه والدليل ما نشرته شارلي ابدو منذ يومين عن المسيح.

نصلّي لذوي جميع ضحايا المسجدين في نيوزيلندا، وما حصل يجب أن يفتح الباب أمام معالجة جدية لمسألة التطرف على جميع المستويات وإلا فالعالم يقف على فوهة بركان.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
قد يهمك ايضا